عندما يُصبح التعليم مقاومة… مُبادرة صمود في وجه الدمار
مع تصاعد وتيرة الحرب في لبنان واشتداد الهجوم «الإسرائيلي» على المناطق الجنوبية والبقاعية والضاحية الجنوبية لبيروت، أصبح الوضع الإنساني في غاية الصعوبة. المنازل التي دُمرت، والأرواح التي فقدت، والمناطق التي شُردت سكانها، كلها تُظهر ملامح مأساة تفوق في حجمها الأرقام.
لكن، وفي خضم هذا الواقع المؤلم، كانت هناك مبادرة إنسانية تبعث الأمل في النفوس، وتُعبر عن روح الصمود والإرادة: مبادرة تعليمية تطوعية في منطقة البقاع.
تحت شعار «الأخطر من دمار الحجر هو تأخير وإرباك التعليم»، أطلقت «جمعية الأمير» التي يديرها حسن فريد سليمان، فكرة إنشاء مواقع تعليمية مجانية عن بُعد لطلاب المناطق المتأثرة بالحرب. المبادرة ليست مجرد دعم دراسي، بل هي رسالة تحدٍ لعدو يسعى إلى تدمير عقول الشباب وفرض المفاهيم الرجعية، على حد قوله، كما أكد لـ «الديار» أنه «لن نسمح للعدو الصهيوني بتكريس مفاهيمه في عقول أبنائنا، ولن نرضى أن يتوقف شبابنا عن التعلم».
تعليم في زمن الحرب: شجاعة ومثابرة
في الوقت الذي يُجبر فيه الكثير من الأسر اللبنانية على النزوح من منازلها بسبب القصف والدمار، يبقى التعليم سلاحا أساسيا في معركة البقاء. هذه المبادرة التطوعية، التي بدأت بمشاركة 7 أساتذة متطوعين، تهدف إلى تقديم دروس مجانية عن بُعد لأكثر من 60 طالبا من مختلف الأعمار. هؤلاء الطلاب، الذين تم تهجيرهم من مناطقهم بسبب المعارك، يجدون في هذه الدروس فرصة للاحتفاظ بشيء من طعم الحياة الطبيعية وسط الخراب.
وفي هذا السياق، تحدث سليمان قائلاً: «ما نعيشه اليوم ليس مجرد حرب على الأرض، بل هي حرب على العقول. نحن هنا لتعليم أبنائنا، لأن العلم هو السلاح الأقوى الذي يمكن أن نواجه به أي عدوان، سواء كان على الجغرافيا أو على التاريخ”.
وقد لفت إلى أن الحرب على لبنان ليست جديدة، ولكن الحرب على العقل اللبناني هي ما يستهدفه العدو بشكل مستمر. وأضاف: «هذه المبادرة جزء من الجهاد الأكبر في مواجهة كل محاولات محو الهوية الوطنية والإنسانية لشعبنا، ونحن نعتبر أن التعليم ليس أقل أهمية من أي مقاومة أخرى”.
التعليم عن بعد: جسر الأمل بين الحروب
على الرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها الطلاب بسبب تدمير البنية التحتية، والنزوح القسري، والظروف الاقتصادية الصعبة، إلا أن المبادرة قد نجحت في تقديم بديل فعّال من خلال التعليم عن بعد. يُعطى الطلاب دروسا في الرياضيات، واللغات، والعلوم، والتاريخ، عبر منصات تعليمية تتيح لهم متابعة دراستهم بأمان دون الحاجة إلى التنقل في مناطق الحرب.
فالإصرار على التعليم في هذه الظروف يُعتبر جهدًا ضخمًا يستحق الإشادة. وفي هذا الإطار، قال سليمان: «نحن نعلم أن الوضع صعب، ولكن لدينا إيمان بأن التعليم هو مفتاحنا لبناء المستقبل. الجهود التي نبذلها اليوم تساهم في بناء مجتمع أكثر قوة وصلابة، يمكنه تجاوز كل الصعاب”.
أضاف: «نأمل أن تساهم هذه المبادرة في تخفيف معاناة الأهالي، وتؤمن للطلاب استمرارًا في مسيرتهم التعليمية رغم كل الظروف. إذا كان العدو يظن أنه يمكنه إيقاف التعليم في لبنان، فهو واهم”.
دور المجتمع في دعم المبادة
تتمثل إحدى أكبر التحديات التي تواجه المبادرة في نقص الإمكانيات المادية، سواء من حيث الأجهزة اللازمة لتعليم الطلاب أو توفير الإنترنت في المناطق المتضررة. لكن، ورغم هذه التحديات، يبدو أن الروح الجماعية هي التي تقف خلف نجاح المبادرة. فقد لاقت المبادرة تطوعًا كبيرًا من قبل أساتذة شباب في المنطقة، الذين بدورهم كانوا حريصين على المساهمة في بناء جيل جديد، لا يتأثر بالتخريب النفسي والعقلي الناتج عن الحرب.
وفي هذا الإطار، عبّر أحد الأساتذة المتطوعين عن أهمية المشاركة في المبادرة قائلًا: «عندما تدمَّر المنازل، وتُشرد العائلات، يمكن أن يُعوض كل شيء ما عدا التعليم. هو الشيء الذي لا يمكن أن تُحرقه نيران الحرب أو تُدمّره صواريخ الاحتلال”.
رسالة أمل في وجه اليأس
بينما تتوالى أخبار الدمار والفقد من كل جانب، تأتي هذه المبادرة لتُرسل رسالة أمل وعزيمة:” لن نتوقف عن التعليم مهما كانت الظروف”. إنها بمثابة شعلة مقاومة في وقت تتناثر فيه الحروب في كل مكان، حيث يُعتبر التعليم بمثابة حق طبيعي لا يمكن المساس به.
وبالنهاية، ختم حسن سليمان حديثه قائلاً: «نحن ندرك تماما حجم المخاطر التي يواجهها شعبنا، ولكننا نؤمن أن هذا التحدي في مجاله التربوي هو جزء لا يتجزأ من معركتنا ضد الاحتلال وضد كل محاولات إعاقة تقدمنا». وأضاف، وهو يُلقي الضوء على الدور المحوري للطلاب: «الطلاب اليوم هم المستقبل، وبهم نعيد بناء لبنان من جديد”.
إن هذه المبادرة هي أكثر من مجرد دروس تعليمية؛ إنها خطوة نحو مستقبل أفضل، ورسالة تبرهن أن لبنان رغم الحرب لا يزال قادرًا على الحفاظ على هويته، ولن يُوقفه شيء عن المضي قدمًا.
أمل سيف الدين – الديار