المنتدى العربي للتنمية المستدامة 2025 ينطلق في بيروت

المنتدى العربي للتنمية المستدامة 2025 ينطلق في بيروت

فتتح "المنتدى العربي للتنمية المستدامة" اعماله برعاية رئيس الجمهورية الجنرال جوزاف عون، وبتنظيم من لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) بالتعاون مع جامعة الدول العربية وهيئات الأمم المتحدة العاملة في المنطقة، تحت شعار "إعادة الأمل، إعلاء الطموح"، في مقر الأمم المتحدة في بيروت، بحضور قادة وصانعي قرار من مختلف أنحاء المنطقة العربية.

ويجمع المنتدى، الذي يستمر على مدى ثلاثة أيام، ممثلين عن الحكومات العربية، والمجتمع المدني، والقطاع الأكاديمي، والقطاع الخاص. ويهدف إلى تقييم التقدم المحرز في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة في المنطقة واقتراح حلول لتسريع تطبيق هذه الأهداف.


استُهلّت الجلسة الافتتاحية بنشيد مؤلف من مقاطع مقتبسة من الأناشيد الوطنية للدول العربية، أدته مجموعة من طلّاب دار الأيتام الإسلامية في لبنان، ثم كانت كلمات لكلّ من وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية فادي مكّي ممثلاً رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون والأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط، نائب رئيس الوزراء ووزير التخطيط العراقي ورئيس المنتدى لعام 2025 محمد علي تميم، الأمينة التنفيذية للإسكوا رولا دشتي ونائبة الأمین العام للأمم المتحدة ورئيسة مجموعة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة أمینة محمد عبر كلمة مسجلة.


القت الامينة التنفيذية للاسكوا رولا دشتي كلمة قالت فيها:"نلتقي اليوم، وكلُّنا أملٌ بأنّ الغدَ أفضل، رُغمَ الصِعاب.رُغمَ المعاناةِ التي تعجزُ عن وصفِها الكلماتُ في غزّة.

والصراعاتِ المُحْتدِمةِ والكوارثِ الإنسانيةِ في السودان واليمن. والنزاعاتِ المريرةِ في ليبيا والصومال. والأزماتِ المتواصلةِ في لبنان. ومخاطرِ المرحلةِ الانتقاليّةِ نحو التعافي الشاملِ والاستقرارِ المستدامِ في سوريا. كلُّنا أمل، رغم التهديداتِ المُحْدِقةِ بالتّعاونِ الدولي، والتشكيكِ في جدوى العملِ المناخي، وتَفاقُمِ الحِمائيّة، وفَرْضِ تعاريفَ جمركيّةٍ تُنْذِر بحروبٍ اقتصادية، ونشوءِ تكنولوجياتٍ تفتحُ للاقتصاداتِ والحكوماتِ آفاقاً جديدةً وتغلق أخرى، بوتيرةٍ متسارعةٍ تعجزُ معظمُ الأنظمةِ عن مواكبتِها. كلّنا أمل، رغمَ التحوّلاتِ المفاجئةِ التي تكتسحُ عالمَنا،ورغمَ عدمِ المساواةِ المتعدّدِ الأبعادِ الذي يستفحِلُ في مناطقِنا". 

اضافت: "وفي خِضمِّ كلِّ هذه التحدّيات، يلُحُّ علينا سؤالٌ وحدُنا قادرون على الإجابةِ عليه: هل سنسمحُ للتحدّياتِ بتحديدِ مصيرِنا؟أو أنّنا سنقودُ العملَ الشاقَّ والملحَّ نحو التغيير؟ سؤالٌ نجِدُ الإجابةَ عليه عند ريم، السيدة السورية، التي أقامَت أثناءَ الصراعِ عدّةَ مشاريعَ صغيرةٍ بكلفةٍ زهيدةٍ وبما تيسّر من مواد، وأنشأت مطبخاً بدائيّاً ومشغلاً صغيراً للخياطة والتطريز ، فمكَّنت عشراتِ الأراملِ من العمل في هذه المشاريعِ وتأمينِ قُوتِهنّ وقُوتِ أبنائهنّ. عند خالد، الشابِ اليمنيّ، الذي جمع مخلَّفات الرصاص والقذائف والصواريخ خلال الصراعِ في بلدِه، فأعاد تدويرَها وحوّلها من أدواتِ قتلٍ وموتٍ إلى أَوانٍ وأدواتٍ منزلية وأَسِرَّةٍ يشتريها المواطنون بأسعارٍ ميسورة لاستخدامِها في مساكنِهم. عند رنا ورامي وليلى، الشبابِ ذوي الإعاقة الّذين أداروا مطبخاً خلالَ الحربِ على لبنان، وأشْرَكوا معهم شاباتٍ وشباباً ذوي إعاقة لتوزيعِ وجباتِ الطعامِ على النازحين في مراكزِ الإيواء. وعند رِيناد، الطفلةِ الغزّاويةِ ذاتِ العشرِ سنوات، التي تحدَّت القنابلَ المتساقطةَ من كلِّ صوب، فوقفَت بثقةٍ أمام الكاميرا، وابتسامتُها لا تفارق وجهَها، لتُعرِّفَ العالمَ على الأطباقِ الفلسطينيّةِ التراثيّة، وتروي حكاياتٍ عن أهلِ غزّة، متحدّيةً القصفَ ومُصِرّةً على البقاء في أرضها. هؤلاء، وغيرُهم الكثيرون، يجيبون على سؤالِنا،ويحتّمون علينا، في هذا المنتدى، ألاّ نكتفي بتعدادِ التحديات، بل بإيجادِ الحلول. يحتِّمونَ علينا أن يكونَ هذا المنتدى منبراً للحوارِ المثمر، ومحرّكاً لصنعِ القرار".

وأعلنت ان "عنوانُ منتدانا اليوم، "إعادة الأمل وإعلاء الطموح"، يجبُ أن يكونَ التزاماً بالعمل، وليس مجرّدَ شعار. إعادةُ الأملِ تستدعي صَوْن كرامةِ الإنسان وحقوقِه، تستدعي إتاحةَ الفرص لتقليصِ اللّامساواة، وترسيخَ العدالة، وقبلَ كلِّ شيء، تستدعي بناءَ مؤسساتٍ موثوقةٍ وفعّالة. غير أنّ الأملَ لا يُستعادُ بالأقوالِ والوعود، بل بالأفعالِ، والمساءلةِ، والعدالة. أمّا إعلاءُ الطموح، فيتطلّبُ منّا أن نغيّرَ طريقةَ تفكيرِنا وعملِنا الحكومي والمؤسسي. أن نتحلّى بالجرأةِ السياسية، أن نسخّرَ التكنولوجيا والتمويلَ لخدمةِ المستقبلِ والتحرّرِ من قيودِ الماضي، وأن نتعاملَ مع أهدافِ التنميةِ المستدامة بجدّيّةٍ أكبر كبوصلةٍ لمسارِ النموّ والازدهار".

وتابع: "ونحن في الإسكوا لا ندّخرُ جهداً لتصويبِ هذا المسار،عازمين على تغييرِ تفكيرِنا وتحديثِ طرقِ عملِنا، ومتسلِّحين بالبياناتِ والمعرفةِ والتكنولوجيا. فنحن ندعمُ تعافيَ البلدان، وإقامةَ الحواراتِ الوطنية، وتحديثَ القطاعِ العام، وإعادةَ تصميمِ نُظم الحمايةِ الاجتماعية. نساعدُ الحكوماتِ على تقييمِ الاتفاقيّاتِ التّجارية، لتكونَ الاستراتيجياتُ الاقتصاديةُ منصِفةً وسليمة. نعملُ على تحويلِ الديونِ إلى استثمارات، من خلالِ مبادرةِ "مقايضة الديون بالعمل المناخي". نحفّز الحكومات على إعادةِ النظرِ في إنفاقِها العام، من خلال "مرصد الإنفاق الاجتماعي". نسهِم في مواءمةِ التعليمِ مع احتياجاتِ سوق العمل، من خلال "راصد المهارات".

نستخدمُ الذكاءَ الاصطناعيّ لمساعدةِ البلدانِ على التنبّؤ بتكاليف تحقيق الأولويّات الوطنية، كما ندعمها لتصميمِ استراتيجياتٍ رقميّةٍ تقوم على البيانات لاتّخاذِ قراراتٍ أفضل، ولمحاكاةِ تأثيرات السياسات الجديدة قبل تنفيذها، ممّا يقلّل المخاطر ويحسّن النتائج. ندعم البياناتِ والنظمَ الإحصائية، ونعملُ من أجل العدالةِ بين الجنسين".

وختمت: "من خلالِ هذه المبادراتِ وغيرِها الكثير، تستمرّ الإسكوا في العملِ لتحويلِ الطموحِ إلى واقع. غير أنّ هذا العملَ لا يتوقّفُ عند النهوضِ بالتكنولوجيا وإصدارِ الدراسات. بل إنّه يرمي، أوّلاً وأخيراً، إلى صونِ كرامةِ الإنسان وتحسينِ حياتِه. وتأثيرُ عملِنا يتوقّفُ على الإرادةِ الصلبةِ والشراكةِ الجامِعة بينَكم، أنتم، واضعو السياسات، وشركاء التنمية، وهيئات المجتمع المدنيّ. فكلٌّ منكم قادرٌ على المساهمةِ في صنعِ مستقبلِ هذه المنطقة. وكلٌّ منكم لديه القدرةُ على تحويلِ الالتزاماتِ إلى واقعٍ ملموس".

 

 واعتبر الأمين العام جامعة الدول العربية ابو الغيط ان "منطقتنا العربية تمر بمرحلة خطيرة في تاريخها الحديث. فالعدوان الإسرائيلي على غزة تجاوز مرحلة الوحشية والتجرد من الإنسانية إلى الجنون المشبع بأوهام توراتية وخطاب عنصري كريه... الهدف واضح وهو محو القضية الفلسطينية من الوجود، وإخراج الفلسطينيين من الجغرافيا توطئة لضم الأرض من دون سكانها ويحدث هذا كله والعالم يصمت صمتاً لا يمكن وصفه سوى بالعار، بل ويشارك البعض بتمهيد الطريق لسيناريو التهجير.. المرفوض قانونياً والساقط أخلاقياً وإنسانياً".

وتابع:"وليست القضية الفلسطينية وحدها مصدر قلقنا، وإن كانت لها المكانة الأولى في قلوبنا وعقولنا.. فالمنطقة، وللأسف، تمتلئ ببؤر الصراع وانعدام الاستقرار.. وهي تواجه تحديات متفاقمة ومعقدة تتراوح بين تغير المناخ وندرة المياه، وصولاً إلى النزاعات المسلحة وأزمات اللاجئين بما لها من تبعات إنسانية واقتصادية.ولا شك هذه العوامل كلها كان لها تأثير سلبي واضح على قدرة الحكومات على تحقيق التوازن المنشود بين النمو الاقتصادي، والحفاظ على الموارد الطبيعية، وضمان العدالة الاجتماعية.  لكننا، رغم كل ذلك، نرى إرادةً عربيةً صلبة لتحويل التحديات إلى فرص، ولتكريس مفهوم "ألا يترك أحد خلف الركب" كأساس لعملنا المشترك. لقد قطعنا أشواطاً مهمة في مسيرة التنمية المستدامة، حيث أطلقت العديد من الدول العربية استراتيجيات وطنية مبتكرة لتعزيز الطاقة المتجددة، وتحسين جودة التعليم، وتمكين المرأة، ودعم الاقتصاد الأخضر... ومع ذلك، تبقى الفجوات قائمة، خاصة في مجالات الحد من الفقر، وضمان الأمن الغذائي، وحماية النظم البيئية الهشة".

اضاف: "إن المنتدى يذكرنا اليوم بأن الحلول الفعالة تُبنى عبر التعاون الإقليمي... فجامعة الدول العربية تعمل يداً بيد مع منظمات الأمم المتحدة، وخاصةً الإسكوا، لتعزيز التكامل بين السياسات الوطنية والإطار الإقليمي، ولتنسيق المواقف العربية في المحافل الدولية... إننا نؤمن بأن الاستثمار في البنية التحتية المشتركة، وتشجيع الابتكار التكنولوجي، وتمكين الشباب، هي ركائز لا غنى عنها لاقتصاداتٍ عربيةٍ مرنة، وقادرة على الصمود.. بخاصة في أجواء الاضطراب الاقتصادي وانعدام اليقين التي يشهدها الاقتصاد العالمي اليوم. إننا في سباقٍ مع الزمن؛ فالتنمية المستدامة ليست خياراً، بل هي ضرورةٌ وجودية لشعوبنا... وعلينا أن نعمل معاً، بروح المسؤولية والتضامن، لنجعل من خطة 2030 واقعاً يُعزز كرامة الإنسان العربي، ويحفظ حقوق الأجيال القادمة".

واشار الى ان "الوثيقة الصادرة عن قمة المستقبل 2024 تُعد محاولة جماعية لمعالجة التحديات العالمية والمحلية المتعلقة بالتنمية المستدامة، وحقوق الإنسان، والتغير المناخي، والفجوات الاقتصادية،  ومن خلال هذا الإطار الشامل، تسعى الوثيقة إلى تعزيز التعاون الدولي ووضع خارطة طريق للمستقبل تضمن تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولدينا فرصة طيبة للبناء على محاور رؤية 2045 للمنطقة العربية لتتماشى مع ما جاء في هذه الوثيقة". 

وقال: "إننا نشهد هذا العام مرور 80 عاما على تأسيس جامعة الدول العربية وكذلك الأمم المتحدة، كأقدم منظمتين تم انشاؤهما ومازالا مستمرين حتى الآن. لقد نجحت الجامعة العربية في الحفاظ على الهوية والتراث العربي وعلى المعنى المتجدد للانتماء للعروبة كفكرة منفتحة قادرة على استيعاب العصر، ومازالت الجامعة تمثل ثقلاً محورياً ومعنوياً وسياسياً. أما الأمم المتحدة فهي المنظمة الحاضنة للجميع والتي تساهم بفاعلية في منظومة العمل الدولي... ونحن نحتاج إلى دورها اليوم أكثر من أي وقت مضى، كصوت يعبر عن الضمير الإنساني، ويعلي من قيمة القانون الدولي والقواعد.. وكإطار ناظم للعلاقات بين الدول على أساس السيادة المتساوية في مقابل منطق القوة الذي ساد العلاقات الدولية زمناً وأدخل العالم في دوامة الحروب المدمرة والصراعات الدموية التي يخرج منها الجميع خاسراً".

وختم: "أتمنى أن تكلل أعمال المنتدى لهذا العام بكل النجاح والتوفيق، وأن يصدر عنه رسائل واضحة وقوية تعكس طموح وآمال الشعوب العربية لمستقبل أفضل مستدام".


اما نائب رئيس مجلس الوزراء العراقي رئيس دورة المنتدى محمد علي تميم فقال: "انه لمن دواعي الشرف والمسؤولية ان يترأس العراق هذا المنتدى وسنسعى جاهدين بكل ما لدينا من امكانات للعمل المشترك مع جميع الأشقاء لبلورة شعار المنتدى "إعادة الأمل" من خلال البحث الجاد والحقيقي في حلول شاملة تستند إلى العلم والأدلة وصولا إلى تعزيز خطة التنمية المستدامة 2030".

وأشار الى أنه"رغم الجهود المبذولة من البلدان العربية لتحقيق أجندة 2030، إلّا أنّ تلك الجهود لا زالت خجولة والمؤشرات ما برحت متراجعة، ما يستدعي تعزيز الشراكات وتفعيل الآليات الوطنية لجهود التنمية المستدامة، وردم فجوة البيانات، ورسم السياسات المتسقة والشاملة والموجهة بالعلوم والبحوث". وأضاف قائلًا: "نثمّن ثقة المنتدى بمنح العراق رئاسة هذه الدورة، آملين ان نكون أهلًا لهذه الثقة، وأن نخرج بتوصيات ورسائل للعالم أجمع عن جهودنا التنموية وتطلعاتنا لتحقيق الرفاه والعيش الكريم لسكان المنطقة".


وفي رسالة مسجلة، قالت محمد: "بحلول عام 2030، لن يتحقق من أهداف التنمية المستدامة في المنطقة العربية سوى ثمانية منها، إذا ما استمرّت على الوتيرة الحالية. إلّا أن الوقت ليس لليأس، بل للدفع بالعمل قدمًا. أحثكم على استخدام هذا المنتدى لتحديد احتياجات المنطقة وأولوياتها، وضمان أن تُترجم جهودكم وتُسهم في توجيه العمل العالمي في هذا السياق خلال السنوات القادمة".


والقى الوزير مكي كلمة قال فيها: "يشرّفني أن أشاركَ معكم اليوم، ممثِلاً فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون، في هذا الحدث الإقليمي البارز، المنتدى العربي للتنمية المستدامة 2025، الذي أصبح منصةً محورية لمتابعة تنفيذ أجندة التنمية المستدامة 2030 في منطقتنا. (2030 Agenda for Sustainable Development). أتوجّه بالشكر إلى اللجنة: الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (ESCWA)، وعلى رأسها الدكتورة رولا دشتي، على الجهود المستمرة في تنظيم هذا المنتدى الهام. كما أحيي معالي الوزراء والمتحدثين الكرام، وكل من يساهم في دفع مسار التنمية المستدامة في منطقتنا قُدُمًا".

اضاف: "يأتي انعقاد هذا المنتدى تحت شعار يحمل رسالة عميقة في هذا الزمن العصيب: "استعادة الأمل، وتعزيز الطموح" Restoring hope, raising ambition. هذا الشعار ليس مجرد عنوان، بل هو دعوة لإعادة بناء الثقة، وتحفيز الابتكار، وتعزيز التعاون، في ظل التحديات التي تواجهها منطقتنا، من أزمات اقتصادية واجتماعية، إلى صراعات مزمنة وتغيرات مناخية متسارعة. إن المنتدى العربي للتنمية المستدامة أثبت، عبر سنوات انعقاده، أنه أكثر من مجرد مناسبة سنوية؛ بل هو منصة تفاعلية جامعة تجمع الحكومات، ومؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، والباحثين، لتبادل الرؤى والخبرات، وتحديد مكامن التقدّم والتحديات على طريق تنفيذ أهداف التنمية المستدامة".

وتابع: "أما نسخة هذا العام، AFSD-2025، فتميّزت بما تحمله من أبعاد جديدة، وفي مقدّمتها تركيزها على حلول شاملة، علمية، ومبنية على الأدلة، في سعيها للإجابة عن السؤال الجوهري: كيف نعيد بناء الأمل في المنطقة، ونرفع سقف الطموحات؟ وهنا، أود أن أطرح رؤيتنا حول عنصر بات جوهرياً في الإجابة عن هذا السؤال: ألا وهو استخدام العلوم السلوكية كوسائل مبنية على القرائن".

وأشار الى إن "التحديات المعقّدة التي نناقشها اليوم، من الصحة والتعليم إلى البيئة والعمل اللائق، لا تكمن فقط في السياسات والتشريعات، بل في سلوك الأفراد والمجتمعات، وفي قدرتنا على تصميم تدخلات تنطلق من فهم علمي لكيفية اتخاذ الناس للقرارات".

أضاف: "لقد أثبتت التجارب الدولية أن اعتماد العدسة السلوكية، أي مقاربة التحديات من منظور العلوم السلوكية، يمكن أن يحدث فرقاً ملموساً في تصميم السياسات العامة. فمفاهيم مثل هندسة الخيارات (choice architecture)، والوكز(nudging) ، أصبحت أدوات فعالة لتحفيز الأفراد على تبني أنماط سلوك أكثر استدامة وصحة وفعالية، دون فرض أو إكراه. لقد أثبتت هندسة الخيارات والعلوم السلوكية فعاليتها في مجالات متعددة، من تعزيز الإقبال على التلقيح، إلى ترشيد استهلاك الطاقة والمياه، وتحسين الالتزام الضريبي، وحتى زيادة الادخار والتخطيط المالي للأسر. تعتمد هذه الأدوات على تصميم البيئة المحيطة باتخاذ القرار بطريقة تجعل السلوك المرغوب فيه هو الأسهل أو الأوضح أو الأكثر بروزًا، دون المساس بحرية الفرد في الاختيار".

واردف: "إن العلوم السلوكية لم تعد مجالًا أكاديميًا فقط، بل تحوّلت إلى أداة سياساتية بامتياز، تُترجم في قرارات يومية ملموسة تصنع الفارق، وتعيد وصل الثقة بين المواطن والدولة. في هذا الإطار، نرى أن تطبيق هذا النهج في لبنان والمنطقة يُعدّ فرصة حقيقية لإعادة تصميم السياسات العامة بطريقة أكثر قربًا من الواقع، وأكثر وعيًا بتعقيداته. كما أن المقاربة العلمية والاختبار قبل التعميم، تحديداً عبر اختبارات التحكم العشوائية (RCTs) أو أساليب تقييم مبتكرة—يشكّل ضمانة لتبنّي ما ينجح فعلاً، وتجنّب ما قد يفاقم المشاكل القائمة أو هدر الموارد على سياسات عامة لم تعد فعّالة".

وتابع: "من هذا المنطلق، ندعو إلى دمج العلوم السلوكية والاختبار بعمق في آليات التخطيط والتنفيذ والمتابعة لأجندة 2030، على المستويين الوطني والإقليمي، لما له من قدرة على تعزيز الأثر ورفع الكفاءة. وبالمناسبة، فإنّ الإسكوا كانت من بين الجهات الإقليمية التي لعبت دوراً ريادياً في اعتماد العلوم السلوكية، وقد تعاونت في هذا السياق مع منظمة Nudge Lebanon، وهي منظمة غير حكومية كان لي شرف تأسيسها وتُعنى بتطبيق العلوم السلوكية لدفع التغيير الإيجابي في السياسات العامة. وأودّ هنا أن أنوّه بخطوة نوعية اتخذتها الحكومة اللبنانية الجديدة، والتي تشكّل سابقة على مستوى لبنان والمنطقة: لقد تمّ إدراج علم السلوك رسمياً في البيان الوزاري للحكومة اللبنانية الجديدة، كمكوّن أساسي في عملية إصلاح الإدارة العامة وتطوير الخدمات العامة".

واضاف: "في هذا الإطار، نصّ البيان الوزاري على ما يلي: "...نريد دولةً فعّالة بإداراتها العامة ومؤسساتها، مما يستدعي اعادة هيكلة القطاع العام وفق رؤية محدّثة تواكب العصر وترسّخ مهام هذا القطاع في خدمة الجميع ولصالح المنفعة العامة، كما وفق معايير حديثة تواكب التحول الرقمي والابتكار وتعتمد المُقاربات العلمية والسلوكية في العمل الحكومي." إنها المرّة الأولى التي يُقَرّ فيها بالعلوم السلوكية كأداة حكومية استراتيجية في وثيقة رسمية بهذا المستوى في لبنان. وعلى الرغم من أن بعض الدول قد أنشأت وحدات متخصصة في العلوم السلوكية داخل حكوماتها، إلا أن إدراج هذا النهج بشكل رسمي في البيان الوزاري يُعدّ خطوة ريادية في منطقتنا.هذا الإدراج يعكس تحوّلًا مفصليًا في مقاربة الإصلاح، حيث لم تعد السياسات العامة حكراً على الأدوات التقليدية فقط، بل أصبحت أكثر اقترابًا من الناس، من قراراتهم، من مخاوفهم، ومن دوافعهم اليومية.وبالفعل فقد ظهرت آثار العلوم السلوكية في الآلية الجديدة لتعيينات الفئة الأولى وبالتحديد للتشجيع على اعتماد المرشحين الأفضل كفاءة. ونحن نرى في هذا التوجّه بداية مرحلة جديدة للبنان، ترتكز على إرساء ثقافة التعلّم من التجربة والاختبار، والتخطيط القائم على الأدلة، والتفاعل الحقيقي مع المواطن كمحور أساسي في عملية التنمية".

وأشار الى ان "تحقيق التقدم المنشود في مجالات الاستدامة يتطلّب تعاونًا وثيقًا بين الوزارات كافة والقطاع العام بأكمله والقطاع الخاص والمجتمع المدني، بهدف تعزيز الرؤى، وتعزيز النمو الاقتصادي الشامل، وبناء اقتصاد أكثر مرونة وشمولية. وهي تركز كذلك على أهمية الاستشراف المستقبلي في وضع الاستراتيجيات طويلة الأمد، مثل استراتيجية تحديث واعادة هيكلة القطاع العام، من خلال استباق التحديات وتحليل المخاطر والفرص المرتبطة بها. ومن هنا، نشير إلى التزام وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية بدورها التمكيني كجهة محورية في ضمان التناغم بين السياسات العامة، وتعزيز المساءلة، ودمج مبادئ الاستدامة والرؤى السلوكية في عمليات الإصلاح وتحديث الإدارة العامة". 

وختم:" نجدد شكرنا لجهود الـ ESCWA ولكافة الشركاء في هذا المنتدى، ونؤكّد أن استعادة الأمل ورفع الطموح لا يمكن أن يتحققا إلا عبر الشراكة، والابتكار، والتجديد من خلال أدوات جديدة، تأتي العلوم السلوكية في مقدمتها، لبناء مجتمعات أكثر إنصافاً، وكفاءة، واستدامة".

بيان

ووزعت "الاسكوا" بيانا عن المنتدى جاء فيه: "يأتي المنتدى العربي للتنمية المستدامة لعام 2025 في توقيت حاسم. فمع اقتراب موعد تنفيذ خطة التنمية المستدامة بحلول عام 2030، تواجه المنطقة العربية تحديات متعدّدة تشمل النزاعات الممتدة، وتفاقم الفقر، وارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي، وضيق الحيّز المالي، والتداعيات المتسارعة لتغير المناخ. وعلى الرغم من هذه التحديات، ساد المنتدى مناخ من العزم والتفاؤل، مجسّدًا روح شعار هذا العام.

سيتناول المنتدى التحديات الكبيرة في مجالات الشمول المالي وتمويل التنمية. كذلك، سيعمل على تقييم التقدم المحرز في المنطقة العربية في خمسة أهداف رئيسية من أهداف التنمية المستدامة هي: الصحة الجيدة والرفاه، المساواة بين الجنسين، العمل اللائق والنمو الاقتصادي، الحياة تحت الماء، والشراكات من أجل الأهداف. وسيناقش المشاركون أيضًا سبل العودة إلى مبدأ الشمول في التنمیة الاجتماعیة لمواجھة الأوجه الجدیدة لعدم المساواة والنزاعات وتقلصُّ الحیزّ المالي.

يُعدّ هذا المنتدى السنوي الآلية الإقليمية الرئيسية لمتابعة خطة التنمية المستدامة لعام 2030 ومراجعتها، ما يُعزّز الحوار بين واضعي السياسات والخبراء وشركاء التنمية. وستُرفَع رسائله الرئيسية أمام المنتدى السياسي الرفيع المستوى في تموز/يوليو المقبل، مساهمةً من المنطقة العربية في تعزيز الجهود العالمية لتحقيق التنمية المستدامة".__________ متابعة ==== عايدة حسيني