لا أحد يحسد الشّرع على حكم سوريا

لا أحد يحسد الشّرع على حكم سوريا

قبل أسابيع شهد الساحل السوري أحداثاً مأساوية بعد قيام فلول من نظام الأسد بالاعتداء على قوّات الأمن العامّ. ومنذ أيّام حصلت اشتباكات في جرمانا وأشرفية صحنايا إثر قيام أحد الأشخاص بشتم النبيّ محمّد. هذه الأحداث تزيد من خطورة الوضع في سوريا وتشير إلى إمكان تكرار هذه الأحداث التي تتقاطع فيها المطالب الداخلية بالمصالح الخارجية.


 


ما حدث في جرمانا وأشرفيّة صحنايا، وقبلها في الساحل السوريّ، وربّما بعدها في السويداء وفي الساحل من جديد… كان متوقّعاً. سوريا لم تستقرّ. ولا تبدو أنّها في طريقها نحو الاستقرار السياسيّ والأمنيّ، وبالتالي ليست في طريقها إلى الاستقرار الاقتصادي والاجتماعيّ.


مهمّة الشّرع الصّعبة


إنّ مهمّة الشرع في حكم سوريا ليست سهلة بعد 54 عاماً من حكم الأسدَين، وبعد 12 عاماً من ثورة تحوّلت إلى صراعات إقليميّة دوليّة على الأرض السوريّة، وعلى سوريا. كُثر من معارضي الأسدَين، ولهم ملاحظات على سياسات الشرع، قالوا إنّهم لا يتمنّون أن يكونوا مكان الرجل. قبل نظام البعث ودكتاتوريّة الأسدَين لم يكن حكم سوريا سهلاً، فما بالك اليوم؟! الأسباب متعدّدة. وهذه أبرزها:


مناطق نفوذ داخليّة


1- استمرار وجود العديد من الميليشيات في البلاد. وهي ميليشيات منظّمة ومدرّبة ومسلّحة، وتسيطر على مناطق معيّنة، مثل ميليشيا “رجال الكرامة” في الجنوب، وميليشيا “قسد” في الشرق. إضافة إلى ميليشيات جاءت مع “هيئة تحرير الشام” من إدلب ولا تزال تتحرّك بإمرة زعمائها لا بإمرة وزارة الدفاع أو وزارة الداخليّة في حكومة الشرع.


إنّ مهمّة الشرع في حكم سوريا ليست سهلة بعد 54 عاماً من حكم الأسدَين

2- تنامي الشعور بالانتماء الطائفيّ في المجتمع السوريّ منذ ما قبل الثورة وخلالها. فحافظ الأسد العلويّ حَكَم سوريا بقبضة حديديّة بواسطة ضبّاط علويّين. وفي سنوات حُكم ابنه برز حكم العائلة العلويّة. قَبِلت البورجوازيّة السنّيّة المدينيّة هذا الوضع حفاظاً على مصالحها وأعمالها، بيد أنّ سنّة الأرياف ثاروا ضدّه مع “الإخوان المسلمين”. هذا ما برز منذ عسكرة الثورة (ابتداء من آب 2011) وتأسيس ميليشيات إسلاميّة. وقد زاد من الحالة الطائفيّة في سوريا دخول “الحزب” والحرس الثوري الإيرانيّ على خطّ الصراع لدعم الأسد وتأسيس ميليشيات شيعيّة على مدى عقد من الزمن.


مناطق نفوذ إقليميّة ودوليّة


3- استمرار مناطق النفوذ الإقليميّة والدوليّة في سوريا. ففي الشرق لا تزال القوّات الأميركيّة متمركزة وتدعم “قسد” على الرغم من الحديث عن قرار إدارة دونالد ترامب سحبها. ولا يزال الشمال السوري منطقة نفوذ تركيّة بواسطة “الجيش السوريّ الحرّ” وبعض الميليشيات التي تأتمر مباشرة بأنقرة. أمّا النفوذ الإسرائيليّ فهو قديم – جديد على كامل المنطقة التي كانت شكليّاً تحت سيطرة الأسد، وعمليّاً تحت نفوذ إيران و”الحزب”، والتي هي اليوم تحت سيطرة سلطة أحمد الشرع.


سوريا


4- قرار إسرائيل منع قيام سلطة قويّة في دمشق لفرض السلام والتطبيع. فغداة هروب الأسد قام سلاح الطيران الإسرائيليّ بتدمير ما بقي من مطارات عسكريّة ومخازن أسلحة للجيش السوريّ. وتمدّد الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب. وأعلن أكثر من مسؤول إسرائيليّ حماية الدروز في سوريا. وتُرجم هذا التصريح بالغارة التي شنّتها الطائرات الإسرائيلية في أشرفية صحنايا ضدّ قوات الأمن السوريّة.


الحالة الطائفيّة والقوميّة في سوريا واقع لا مفرّ منه. إنكارها سيفاقمها وسيؤدّي إلى مواجهات وصدامات على أساس طائفيّ وقوميّ

الاستئثار بالسّلطة


بيد أنّ المسؤوليّة عمّا يدور من أحداث في سوريا لا تعود فقط إلى هذا الواقع الجيوسياسي والميداني المعقّد، إنّما أيضاً إلى السياسات التي اعتمدها أحمد الشرع منذ تسلّمه السلطة في سوريا والتي يمكن اختصارها بالآتي:


1- استئثار “هيئة تحرير الشام” بالسلطة. إذا كانت حكومة محمد البشير، وهي عمليّاً حكومة إدلب، مبرَّرة بسبب تسارع الأحداث في سوريا بعد هروب بشّار الأسد والحاجة إلى سلطة لضبط الأوضاع، فليس مبرَّراً أن تستأثر الهيئة بالسلطة، وأن تُوكَل كلّ الحقائب الأساسيّة في الحكومة الحالية لقيادات منها، وأن يكون تمثيل مكوّنات المجتمع السوري بأشخاص لا يمثّلون بيئاتهم الدينيّة والطائفيّة والقوميّة. وليس مبرَّراً أن تُحدَّد مدّة المرحلة الانتقاليّة بخمس سنوات.


2- اعتبار أحمد الشرع أنّ تشكيلات المعارضة قد سقطت بسقوط نظام بشار الأسد لاستبعادها عن الحكم، واستبعاد شخصيات أساسيّة فيها لها تاريخ نضاليّ منذ نظام الأسد الأب.


إنكار للواقع


3- رفض الشرع التعامل مع المكوّنات السوريّة الدينيّة والطائفيّة والقوميّة ورفض تمثيلها في السلطة الجديدة، واعتباره ذلك محاصصة معيقة للحكم. ربّما يخشى تكرار التجربة اللبنانيّة والعراقيّة. ولكن كان بإمكانه الحذر الإيجابي من التجربتين. ففي المجتمعات المركّبة لا بدّ من المشاركة في الحكم، على الرغم من وجود غالبيّة كبرى دينيّة (السنّة) وقوميّة (العرب). الكلام عن الخشية من التدخّلات الخارجيّة في حال التعامل مع المكوّنات الطائفيّة والقوميّة سيزيد من تلك التدخّلات.


 ليس المطلوب معالجةً سياسيّةً على أساس الأمن بالتراضي، بل على قاعدة المشاركة الهادئة في السلطة

4- طغيان الطابع الإسلامي على السلطة الجديدة في دمشق بفعل استئثار “هيئة تحرير الشام” الإسلاميّة المتطرّفة بالحكم، وخشية السوريين من تحوّل سوريا من دكتاتوريّة الأسد إلى دكتاتوريّة إسلاميّة.


5- تركيز أحمد الشرع على التصالح مع الخارج وإهماله التواصل مع الداخل السوريّ. وهذا ما أكّده العديد من قيادات المعارضة السوريّة.


إقرأ أيضاً: سورية الموحّدة… تستطيع استعادة موقعها


إنّ الحالة الطائفيّة والقوميّة في سوريا واقع لا مفرّ منه. إنكارها سيفاقمها وسيؤدّي إلى مواجهات وصدامات على أساس طائفيّ وقوميّ كما حصل في الساحل السوريّ قبل أسابيع، وفي جرمانا وأشرفية صحنايا قبل أيّام. لا تكفي المعالجات العسكريّة، والسلطة في دمشق غير قادرة على ضبط الأوضاع عسكريّاً. ليس المطلوب معالجةً سياسيّةً على أساس الأمن بالتراضي، بل على قاعدة المشاركة الهادئة في السلطة.

فادي الاحمر