اجتهاد قضائي لتجاوز سقف التعويضات في قضايا العمل

أصدر مجلس العمل التحكيمي في شمال لبنان في تاريخ 26/2/2025 قرارًا هامًّا في قضية صرف تعسفي. وأهم ما جاء في القرار أن المجلس اجتهد انطلاقا من وقائع القضية من أجل منح الأجير المصروف تعسفا تعويضًا يتناسب مع حجم الضرر الذي تكبده من جراء صرفه، رغم انهيار سعر صرف العملة الوطنية. ففيما يضع قانون العمل سقفًا للتعويض من جراء الصّرف التعسفيّ قدره 12 مرة الراتب الشهري أي ما يعادل في حالة الأجير المذكور 17 مليون ليرة لبنانية أي ما يقارب مائتي د.أ، عمد المجلس إلى إلزام صاحب العمل إلى تسديد الأجر بالإضافة إلى ذلك تعويضا عن العطل والضرر على خلفية التعسّف وسوء نيّته، قدره 500 مليون ليرة لبنانية أيّ ما يقارب 30 مرة ما يعدّ الحدّ الأقصى للتعويض وفق قانون العمل.
صدر هذا القرار في القضيّة المُقامة ضدّ المستشفى الإسلاميّ الخيريّ في طرابلس من أجير عمل لديها لمدة 34 سنة. وقد تجلّت ملامح سوء النيّة “المتوافرة بشدّة” (العبارة بين الهلاليْن للمحكمة) لدى المستشفى وفق المجلس من واقعتين: الأولى تتمثل في تقدّم المستشفى بشكوى جزائية تعسفية بحقّ المدّعي بتهمة السرقة، بتاريخ لاحق لتاريخ إقامة الدعوى الراهنة، وبعد حوالي سنة من حادثة السرقة المزعومة، مما أدى إلى إطالة أمد المحاكمة وألحق ضررا شديدا بالمدّعي، وأساء إلى سمعته المهنيّة. أما الواقعة الثانية التي استدلّ منها المجلس على سوء النيّة فقوامها إقدام إدارة المستشفى على صرف الأجير المدّعي، من دون ثبوت خطأ منه أو إهمال، وبعد 34 سنة، وفي عمر متقدّم نسبيّا للمباشرة بعمل جديد في مكان آخر. ويستشفّ من توسع المجلس في تعريف سوء النية وصولا إلى الحكم بتعويض إضافي يتجاوز بكثير السقف الأقصى لتعويض الصرف التعسفي المحدد في قانون العمل، أنه اجتهد فعليا من أجل تمكين الأجير من تحصيل تعويض يتناسب مع ضرره بعد فقدان سقف التعويض المحدد قانونا أي قيمة فعلية.
إضافة إلى ما تقدّم، قضى القرار بقبول طلب إدخال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وإلزام المستشفى بأن تدفع للصندوق الاشتراكات المستحقّة عليها كافة.
يبقى أن نشير إلى أن المجلس تكوّن من القاضية الرئيسة هانيا الحسن ومن العضوين، ممثل أصحاب العمل السيد مقبل ملك، وممثل النقابات العمالية في الشمال السيد شادي السيد