رائد خوري يحسم الموقف: الفجوة المالية

رائد خوري يحسم الموقف: الفجوة المالية

في بلد مثقل بالأزمات ينتظر اللبنانيون بارقة أمل وبصيص من الضوء يخرجهم من النفق المظلم الذي يعيشون فيه منذ من أكثر من خمس سنوات تاريخ بدء أسوأ أزمة إقتصادية ومالية في التاريخ الحديث.

 

ويُعوٍل كثيرون على إقرار قانون الفجوة المالية الذي يُعد أساس الإصلاح المالي والاقتصادي، إذ ينظم توزيع الخسائر بين الدولة والبنك المركزي والبنوك التجارية والمودعين.

هناك من يقول إن عملية إقرار القانون تواجه تحديات أساسية، خاصة مع اقتراب الانتخابات النيابية في منتصف عام 2026، لا سيما وأنه يتضمن اقتطاعات للودائع، مما يجعله غير شعبوي وسيتحاشى النواب الدخول فيها وإقراره قبل الانتخابات. لذلك، يُتوقع عدم دخول هذا القانون حيز التنفيذ إلا بعد الانتخابات النيابية والحكومة الجديدة.

 

مع الإشارة إلى أن الودائع في القطاع المصرفي تبلغ حوالي 89 مليار دولار مما تبقى من ودائع من أصل 173 مليار كانت قبل الانهيار، أي أن لبنان فقد نصف قيمة الودائع خلال خمس سنوات. تقابل هذه الودائع احتياطات بالنقد الأجنبي تبلغ 11.6 مليار دولار في جميع مصارف لبنان، مما يعني وجود فجوة نقدية تتراوح بين 76 و82 مليار دولار، وهي تساوي ضعفين إلى أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي.

 

الوزير السابق رائد خوري صاحب خطة ماكينزي التي يعتبرها كثيرون، بمن فيهم الحكومة الحالية، خارطة طريق يجب اعتمادها من أجل الخروج من الأزمات التي يعاني منها لبنان، يضع النقاط على الحروف ويجيب على أسئلة تراود جميع اللبنانيين في حوار مع "الوكالة الوطنية للإعلام":

 

سئل: ما هو تقديركم الفعلي لحجم الفجوة المالية اليوم بعد تغير الأرقام منذ عام 2019؟

 

أجاب: "إذا أردنا احتساب الأمر بطريقة مباشرة، يمكن طرح 83 مليار دولار من نحو 12 مليار دولار موجودة في مصرف لبنان أو في السوق، فنصل إلى فجوة تقديرية تقارب سبعين مليار دولار. هذه هي الفجوة كما تظهر حتى الآن، ولم نتوصل بعد إلى معطيات جديدة، إذ ما زلنا في إطار البحث والنقاش".

 

سئل: ما هو تقييمكم لمقاربة الحكومة الأخيرة لمعالجة الخسائر؟ وهل تستند هذه المقاربة إلى رؤية اقتصادية أم سياسية؟

أجاب: "ينبغي أن تتضح الصورة بشكل دقيق، إذ إن الدولة لا تمتلك رؤية موحدة، ولا يوجد اتفاق بين مختلف الجهات الرسمية حول منهج واحد للعمل. وحتى اليوم، لا يوجد أي طرح رسمي من جانب الدولة اللبنانية، كما أن هناك اختلافات في وجهات النظر بين وزارة المالية والحكومة ومصرف لبنان، ولم نصل إلى صيغة نهائية".

أضاف: "أعلم أن هناك محاولة لوضع عنوان عام لتحسين أداء الحكومة، لكن التفاصيل ما زالت غائبة، وما زلنا نسمع مواقف متناقضة من هنا وهناك. وكما يقال، الشيطان يكمن في التفاصيل. فعلى سبيل المثال، الحديث عن خفض الخسائر من 23 مليار دولار إلى 15 مليارا يبدو ممكنا نظريا، ولكن الأرقام ليست دقيقة، وقد لا تكون واضحة حتى بعد صدور الخطة، لأن ما طُرح حتى الآن لا يتجاوز العناوين العريضة من دون أرقام رسمية".

 

سئل: كيف ترون وضع القطاع المصرفي؟ وهل ما زال قابلا لإعادة الهيكلة أم أصبح يحتاج إلى إعادة تأسيس كاملة؟

أجاب: "ليس هناك خيار حقيقي آخر. لا يمكن إنشاء قطاع مصرفي جديد من الصفر، لأن ذلك سيكلف الدولة أعباء كبيرة ويتطلب وقتا طويلا. المنظومة المالية الحالية مترابطة مع السوق، وفي القطاع نحو 14 ألف موظف يعيلون آلاف الأسر، إضافة إلى العلاقات التاريخية الممتدة 70 أو 80 عاما بين المصارف المحلية والبنوك المراسلة، ولا يمكن التخلي عن هذه العلاقات بقرار سريع".

 

سئل: هل القطاع قابل للحياة؟

أجاب: "نعم، بشرط أن تضع الدولة ومصرف لبنان الأطر القانونية والتنظيمية اللازمة، لأن التخلي عن أموال المودعين أو تركها لمصير مجهول ليس خيارا مقبولا".

 

سئل: ما هي الأولويات التي يجب أن تستند إليها موازنة عام 2026 للخروج من النهج التقليدي القائم على زيادة الضرائب؟

أجاب: "أولا، يجب إعداد خطة اقتصادية شاملة قبل وضع الموازنة، بحيث تكون الموازنة جزءا من رؤية اقتصادية واضحة. أما في غياب هذه الخطة، فستكون الموازنة مجرد عملية حسابية لا تحقق أي أهداف تنموية".

أضاف: "ثانيا، من الضروري إعادة هيكلة الإدارة العامة، وتحديد الوظائف الضرورية وغير الضرورية، ووضع توصيف دقيق للمهام، إضافة إلى تحديد إيرادات الدولة بوضوح".

وتابع: "كما يمكن استخدام التكنولوجيا الحديثة لربط الشركات وأرباحها واستيراداتها بنظام واحد، ما يجعل التهرب الضريبي أكثر صعوبة. ويمكن أيضا تخفيض الضرائب والرسوم بشكل ملموس إذا جرى اعتماد التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في إدارة البيانات والتحصيل، مما يسمح بإعداد موازنة تشاركية بدلا من الموازنات التقليدية التي تعتمد على رفع الضرائب".

 

إضافة إلى ذلك، تحدث خوري عن عاملين أساسيين يجب معالجتهما وهما:

أولا، مسألة الدولة والسلاح، وهي شرط أساسي لعودة لبنان إلى المنظومة المالية والدبلوماسية الدولية.

ثانيا، إجراء إصلاحات بنيوية حقيقية في مؤسسات الدولة والحوكمة، وليس الاكتفاء بالإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي، بما يشمل إصلاح القضاء، وتحديث التشريعات، ووضع خطة واضحة للشراكة بين القطاعين العام والخاص لجذب الاستثمارات. ومن دون استقرار سياسي وأمني، لن تأتي أي استثمارات جدية".

 

سئل: هل أنتم متفائلون بالمرحلة المقبلة؟

أجاب: "أنا متفائل على المدى المتوسط. أما على المدى القريب، فالأمور لا تزال غير واضحة، ولم يتحقق الكثير بعد، لكن على المدى المتوسط والطويل هناك مساحة للتفاؤل إلى حد معين".