هكذا اصطاد السياسيين... وأوقعَ به ابن فرحان القصة الكاملة للأمير السعودي «أبو عمر»

هكذا اصطاد السياسيين... وأوقعَ به ابن فرحان القصة الكاملة للأمير السعودي «أبو عمر»

 تروي «الأخبار» القصة الكاملة لـ«أبو عمر»، الأمير السعودي المزعوم، الذي استخدمه الشيخ خلدون عريمط للاحتيال على سياسيين لبنانيين كثيرين، وكيف أوقع به الموفد السعودي يزيد بن فرحان


بعض ما جاء في مقال لينا فخر الدين في الأخبار:


ببراعة شديدة، نجح الشيخ خلدون عريمط في الإيقاع بكثير من السياسيين والعاملين في الشأن العام، ما جعله في نظر كثيرين، واحداً من أدهى الشخصيات في التاريخ اللبناني.

كان عريمط، وفقاً لما يروي متابعون، يعمد إلى زيارة شخصيات سياسية، ويدّعي أمامها أن المملكة راضية عن أدائها، قبل أن يسألها عمّا إذا كان لديها مانعٌ من إقامة علاقات مع مسؤولين سعوديين. وعند إجابتها بـ«نعم»، تكون الضحية قد أكلت طعم عريمط، وعلقت في صنارته.

ومع ذلك، لا يربطها عريمط بالمسؤول السعودي المزعوم فوراً، وإنّما يُكرّر الزيارة مرّة أو مرّتين، قبل أن يفتح اتصالاً مباشراً من هاتفه بـ«الأمير السعودي أبو عمر»، مُقدماً إياه لضحيته على أنه أحد أهم المُؤثِّرين في الديوان الملكي، ومقرّب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وقادر على تحقيق أحلامهم السياسية. غير أن «أبو عمر» لم يكن سوى ابن بلدة وادي خالد العكارية، مصطفى الحسيان، الذي يُجيد اللكنة السعودية.في البداية، كان الأمير المزعوم يطمئن عن هذه الشخصيّات وينوّه بمواقفها، قبل أن يطلب منها، في اتصالٍ آخر، الاهتمام بعريمط، كما الاهتمام بـ«رابطة إنماء وتوعية الأُسرة» التي أسّستها زوجة عريمط، ودعم الجمعية عبر مبالغ مالية يُحدِّدها «الشيخ».


أدوارٌ سياسية أساسية


هكذا ذاع صِيت «أبو عمر» في الأوساط السياسية وتوسّع نفوذه. فبات البعض ينتظر اتصاله أشهراً، نظراً إلى أن «الأمير السعودي» لم يكن يحب الإكثار من الاتصالات. ورغم أن تركيزه كان على الشخصيات السنية، غير أنه لم يُوفِّر شخصيات من طوائف أُخرى.


كما وطّد علاقاته الهاتفية مع أصحاب الثروات الذين لديهم طموحات سياسيّة. بذلك، تمكّن من التأثير في الانتخابات النيابية التي جرت في عام 2022، ولا سيما على المرشحين في عكار، الذين حاولوا الاتصال به لطلب الدعم السعودي. وكذلك، بلغ تأثيره بعض المسؤولين في تيار المستقبل، الذين صدّقوا بسببه أن الرئيس سعد الحريري عائد إلى العمل السياسي، ورتبوا أمورهم على هذا الأساس في الانتخابات الماضية، وحتى الانتخابات المقبلة.


سادت برودة علاقة ابن فرحان ببعض السياسيين الذين اعتبروا أنه باتت لديهم صلة بقناة سعودية أقوى


كما يتردد أن «أبو عمر» لعب دوراً في الانتخابات البلدية في بيروت، عبر دفعه بعض المرشحين إلى الانسحاب، ومن بينهم - كما يُحكى، المرشح على موقع الرئيس بسام برغوت. فوفقاً للرواية المتداولة، انسحب برغوت بطلب من «أبو عمر». كما تلقى الأمير المزعوم أموالاً مقابل الطلب من النائب فؤاد مخزومي إدخال أحد المرشحين إلى اللائحة الائتلافية، التي كان يرأسها إبراهيم زيدان.


طلبات وأموال كـ«الشّتي»


كان يكفي أن يقول «أبو عمر» عبارته الشهيرة: «اهتموا بالشيخ خلدون»، حتى تهطل الأموال والهدايا على الرجل الذي كان يتقاضى راتباً شهرياً من بعضهم، على اعتبار أنه صلة وصلهم بالسعودية. واستحصل أيضاً على عقد باسم ابنه في مرفأ بيروت مع نجل النائب السابق طارق المرعبي، بعدما وقّعه الرئيس نجيب ميقاتي. ويتردد أن النائب فؤاد مخزومي حوّل لـ«أبو عمر» نحو 500 ألف دولار لقاء إقناع السعودية بتبني ترشيحه إلى رئاسة الحكومة، والضغط على النواب لتسميته.


في المقابل، كانت طلبات تبني مرشحين للانتخابات النيابية والتوزير، وحتى الدعم لاستعادة سلطة سياسية مفقودة، «تُشتِّي» على عريمط. وبدوره، كان «أبو عمر» يعرف كيف يؤجّل تنفيذ الوعود إلى حين «الوقت الذي يُفضِّله الديوان الملكي». وعليه، تطول لائحة الشخصيات التي تمكّن «أبو عمر» من إيقاعها في فخّه، والتي تبدأ بالرئيس فؤاد السنيورة، مروراً برئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وبعض قياديِّي «المستقبل»، ولا تنتهي عند النائبين فؤاد مخزومي وغسان حاصباني والنائب السابق ميشال فرعون والوزير السابق محمد شقير، إضافةً إلى معظم المرشحين المحتملين السنة في عكار وبيروت.


ورغم ابتعاد «أبو عمر» عن نسج علاقات مع شخصيات على علاقة قوية مع القنوات الرسمية في المملكة، نجحت بعض الشخصيات التي استهدفها في «قفرِه»، فلم تأخذه على محمل الجد، كالوزير السابق نهاد المشنوق، الذي لم يفتح المجال لعريمط كي يرتب له اتصالاً بالأمير المزعوم.


وخلال هذه المدة، بدأ الرجل يُوسِّع دائرة علاقاته ويوطّدها عبر اتصالات في فترات متلاحقة من أرقام سعودية وأجنبية. وتروي بعض الشخصيات أن «أبو عمر»، وبعد مرور مدة قصيرة على بناء الثقة مع بعض السياسيين، كان يتقصّد الحديث بطريقة استعلائية، وحصر الحديث بإعطاء الأوامر وتقديمها على أنها آتية من المملكة، ولا يمكن الاعتراض عليها، حتى لا يجد المتحدث الظرف مناسباً لطلب أي شيء. كما كان يطلب فتح مذياع الهاتف لدى اتصاله بعدد من النواب لعلمه المسبق أنهم في اجتماع لكتلتهم، فيأمرهم بإصدار مواقف داعمة للمملكة أو الهجوم على قوى سياسية.


عودة السعودية وأزمة التكتّم


لكن السعودية باستئنافها التواصل الرسمي مع السياسيين اللبنانيين، وعودة الحياة إلى سفارتها في بيروت، ثم تكليف الأمير يزيد بن فرحان بالملف اللبناني، خلقت أزمة لدى «أبو عمر»، الذي سرعان ما وجد حلّاً عبر تحذير مُتَّصليه بعدم مفاتحة المسؤولين والديبلوماسيين السعوديين الموجودين في بيروت بأمره، كي لا يحرجوا أنفسهم، مشيراً إلى أن هؤلاء موفدون لمهمات محددة، أمّا هو فمهمّته أوسع وتشمل التأثير في قرارات الديوان الملكي.


بذلك، لم تتأثّر أعمال «أبو عمر»، لا بل إن بعضهم قرّر عدم «التشبيك» مع ابن فرحان، على اعتبار أن لديه قناة سعودية رسمية قادرة على تحسين علاقته بالمملكة، وهو ما ردَّده رئيس حكومة سابق على مسامع زوّاره، ووصل بـ«البريد السريع» إلى ابن فرحان، الذي كان أيضاً، بحسب متابعين مقربين منه، يلاحظ برودة في العلاقة مع بعض الشخصيات السياسية التي لا تبدي حماسةً للتعاطي المباشر معه، أو شخصيات تغيرت حرارة استقبالها له.


تجميع الخيوط


ويشير المتابعون إلى أن الكثير من الخيوط كانت تتجمع لدى المعنيين، وأهمها عندما اتصل أحد المرشحين المحتملين للانتخابات النيابية في عكار بـ«أبو عمر»، ليجد أن الهاتف يرنُّ على الطاولة المجاورة، قبل أن يُعيد الكرَّة مرّة أخرى، ويتأكد أن صاحب الهاتف لا يمكن أن يكون مقرباً من «أبو عمر». ويؤكد متابعون أن الحسيان، الذي انتحل شخصية الشيخ السعودي، كان في المدة الأخيرة لصيقاً بعريمط، وكان يحضر بعض الاجتماعات معه ويستمع إلى النقاشات السياسية.


 وبهذا الخيط، إضافةً إلى الأسئلة الكثيرة التي بات بعض السياسيين يطرحونها بين بعضهم عن «أبو عمر»، خصوصاً أنهم لم يجدوا له أي ظهور في السفارة أو مع ابن فرحان، جعل علامات الاستفهام تكبر لديهم. وبقي الوضع كذلك حتى فاتحت إحدى الشخصيات اللبنانية الموفد السعودي خلال وجوده في بيروت في نهاية أيلول الماضي، بأمرِ «أبو عمر»، وسألته عن صلته بالديوان الملكي ومدى قربه من ولي العهد السعودي.


 عندها بدأ ابن فرحان يتقصّى عن الأمر، وقابل بعض الشخصيات التي لها علاقة بالأمير المزعوم، وطلب منهم تسجيل الاتصالات معه وتسليمها إلى مساعديه في بيروت. فقام هؤلاء بتحضير ملف متكامل يتضمن مستندات صوتية عن ادعاءات «أبو عمر»، أُرسل إلى المملكة في منتصف تشرين الأول الفائت.

ويتردّد أن ابن فرحان خصّص جزءاً من زيارته الأخيرة لبيروت في تشرين الثاني الماضي لتسليم السلطات اللبنانية ملف «أبو عمر». وعليه، بدأت مخابرات الجيش اللبناني تراقب الحسيان، الذي كان موجوداً في تلك المدة في سوريا، وتمّ القبض عليه، قبل أن تنفضح قصته عند وصوله إلى حاجز الجيش عند الحدود اللبنانية. وتشير مصادر أمنية إلى أن الحسيان اعترف مباشرةً بعلاقته بعريمط، وأنه كان يعمل لحسابه.


هل «أبو عمر» بعيدٌ فعلاً عن السعودية؟


ترتسم الكثير من علامات الاستفهام حول الأمير السعودي المزعوم «أبو عمر» وعلاقاته المخابراتية، أو إمكانية أن تكون لديه فعلاً قنوات اتصال مع السفارة السعودية. وبينما يؤكد مقربون من المسؤولين السعوديين ألا علاقة تجمع المملكة بالشيخ خلدون عريمط أو «أبو عمر»، فإن آخرين يتساءلون عن كيفية معرفة «أبو عمر» بأمورٍ لم يكن ليعلمها، إلّا المقربون جداً من السعودية.


ويقول هؤلاء إن «أبو عمر» اتصل فعلاً ببعض النواب قبل موعدهم في الاستشارات النيابية، طالباً منهم تسمية نواف سلام، في حين يؤكد المعنيون أن النواب لم يتلقّوا الإيعاز السعودي الرسمي، كلٌّ بحسب القناة الرسمية التي يتواصل معها عادةً، إلّا عند الظهر. وبالتالي، كيف عرف «أبو عمر» بوجود إيعازٍ سعودي باسم سلام؟ مع العلم أن ما يحكى عن تعديل «أبو عمر» الكفّة لمصلحة سلام غير دقيق، إذ إن السعودية كانت على تواصل مسبق مع النواب المقربين منها، بهذا الخصوص.


أما السؤال الأهم، فهو: كيف بقيت علاقة «أبو عمر» طيّ الكتمان وبعيدة من أعين السفارة السعودية أكثر من 5 سنوات، في الوقت الذي «تغزِلُ» فيه أجهزة الاستخبارات المختلفة داخل لبنان؟


 في هذا الإطار، يعود بعض المعنيين بالذاكرة إلى انتحال أحد اللبنانيين شخصية غازي كنعان، مساهماً في إطلاق سراح بعض السجناء عبر اتصالات تلقّاها أمنيون من كنعان المزعوم. حينها، أقام النظام السوري السابق «الدنيا ولم يُقعدها» حتّى تمّ توقيف الفاعل.


كما يثير ردّ فعل الشيخ خلدون عريمط بعد انفضاح قصة «أبو عمر» ريبة المعنيين، إذ إن الرجل يرفع سقف خطاباته ويُقدِّم الادعاءات إلى النيابة العامة ويصدر البيانات، إلى حدِّ أنه غير آبهٍ بالمحاسبة. وكأنه، بحسب بعض المتابعين، يتلقّى دعماً خفيّاً من جهةٍ ما، يجعله قادراً على التحرك وزيارة مسقط رأسه لتلقّي الدعم الشعبي، على أمل أن يحميه من المحاسبة. وما يزيد هذه الشكوك امتناع مخابرات الجيش اللبناني عن إلقاء القبض على عريمط، رغم أن المسؤولين الأمنيين المطلعين على التحقيقات يؤكدون أن «أبو عمر» اعترف منذ نحو شهر بأنه كان يقوم بهذه الاتصالات بناءً على طلبٍ من عريمط.


من جهة ثانية، يثير تعاطي دار الفتوى أيضاً التباساً. ففي حال كان عريمط بريئاً على ما يقول، لماذا لم يصدر مفتي الجمهورية، الشيخ عبد اللطيف دريان، بياناً يدافع فيه عنه؟ وفي حال لم يكن كذلك، لماذا لم يتبرأ منه؟ مع العلم أن بعض الشخصيات السنية تطالب دريان بموقف حاسم يمنع عريمط من الاحتماء بدار الفتوى، على اعتبار أنه يتحمل مسؤولية في ما حصل، ويجب محاسبته، بغضّ النظر عن عباءته الدينية.


 أهالي وادي خالد مصدومون بـ«مصطفى الدرويش»!


لم يصدّق أبناء وادي خالد كيف استخدم الشيخ خلدون عريمط دهّان السيارات مصطفى الحسيان الذي يسكن في بيت متواضع داخل مبنى صغير مؤلف من طبقتين «على الحجر» مع زوجته وأهله وشقيقَيه، في منطقة الرامي. ويروي أبناء البلدة أنهم كثيراً ما كانوا يقومون بمساعدته لأنهم يعتبرون أن وضعه المالي «صعب جداً» إلى حدِّ أن النائب محمد سليمان دفع نفقات عملية أجريت له، بعد تعرضه لحادث دراجة نارية قبل نحو عام. ويُعدُّ منزل الحسيان من أفقر المنازل في وادي خالد، إذ لا أبواب بين الغرف وإنّما شراشف مُعلَّقة على الحيطان، كما لا بلاط على الأرض ومعظم الكراسي داخله مُكسَّرة، مع افتقار المبنى لأدنى مقوِّمات العيش. والرجل لا يمتلك سيارة، ولا حتى دراجة نارية.


ويردّد هؤلاء أن «مصطفى درويشٌ وفقير جداً ويعمل يومياً من السابعة صباحاً ولا يعود إلى منزله قبل السابعة ليلاً»، ومظاهر الغنى لا تبدو عليه، مستغربين الحديث عن تقاضيه أموالاً بملايين الدولارات. ويلفتون إلى أن لا علاقة تربطه بأي من السياسيين أو الأنظمة المخابراتية ولا حتى بالشيخ خلدون عريمط، الذي كان يزور مسقط رأسه بين الفينة والأخرى، «إلّا أننا لم نشاهده يوماً يزور منزل الحسيان».


أمّا عن إتقانه اللكنة الخليجية، فيؤكد أهالي المنطقة أن معظمهم يتقنها باعتبار أنهم من البدو والعشائر العربية، بينما كان الحسيان يجيدها أكثر كونه من عشيرة السوالحة - العتيق التي تُعدُّ لكنتها أكثر قرباً إلى اللهجة الخليجية. ويصفونه بأنه متحدّث لبق و«مِلسن»، معتبرين أن «الرجل خُدِع، لأنّه ليس على هذا القدر من الذكاء الذي يتيح له تخطيط وتنفيذ مثل هذه الأفعال».


الأخبار