الشوارع تستعدّ للشتاء والنفايات... وسيناريو أسوأ للأزمة

الشوارع تستعدّ للشتاء والنفايات... وسيناريو أسوأ للأزمة

راكيل عتيّق - الجمهورية


لم تشهد أزمةُ النفايات حلّاً إلى الآن على رغم إقرار مجلس الوزراء خطة وزارة البيئة لمعالجة النفايات. حلول الوزارة «الموقتة» ما زالت نفسها، «باركينغ» لأقضية الشمال وتوسعة مطمر برج حمود، إلى حين الاتّفاق على مواقع لمطامر صحّية في كلّ لبنان. بدورها، الإعتراضات ما زالت مستمرة، فتوسعة مطمر برج حمود مرفوضة من أحزاب وناشطين بيئيين، كذلك تتوالى الإعتراضات على كلّ موقع يُطرَح في الشمال. الأزمة وصلت الى الضنية حيث النفايات تملأ الطرق. والحلول الموقتة محدودة، أمّا القرار الأخير فلمجلس الوزراء. وقد يتزامن «انهمار» النفايات مع هطول الأمطار، «خلطة» ستُفاقم التلوّث والمخاطر. فهل تمرّ الحلول الموقتة بسلاسة أم تتحوّل الإعتراضات «ثورة نفايات»؟


تغلب الإعتبارات المناطقية والطائفية وحتى السياسية الإعتبارات العلمية في ملف النفايات. لا المطامر المُقترَحة من وزارة البيئة وافقت عليها الأقضية والبلديات، ولا تمديد العمل بالمطامر الحالية يُقبل به حلّاً موقتاً، ولا إتحادات البلديات استجابت لفرض الفرز منعاً للوصول إلى هذه الأزمة. حتّى تأمين كلفة معالجة النفايات لم يُتفق عليه في مجلس الوزراء.

 

كلّ منطقة تعالج نفاياتها

 

في الشمال، تراوح الأزمة مكانها، وسبب التأخير حسب وزارة البيئة إتّحادات البلديات والمعارضات. وفي حين قدّم إتّحاد بلديات المنية أرضاً لإستخدامها مطمراً، أتى قرار مجلس الوزراء بإستملاك أرض الحواكير في الضنية كحلّ لنفايات أقضية بشري وزغرتا والكورة والضنية، لكنّ هذا الموقع يُواجَه بمعارضة مثلما ووجه قبله موقعا تربل والفوار. وبرز أخيراً إقتراحٌ من الأقضية الأربعة يقضي بإعادة إستخدام مكبّ عدوة وإنشاء معمل فيه. لم يُطرح الإقتراح على مجلس الوزراء بعد، وهو «أحد الخيارات الجيدة»، حسب وزارة البيئة.

 

أما الحلّ النهائي لأزمة نفايات الشمال، حسب الوزارة، فيكمن في إطلاق المعامل في الاتّحادات الخمسة. وخلال هذا الوقت تعتمد البلديات مواقع «parking» تجمع فيها النفايات الى أن تحزم أمرَها وتُطلق معاملها.

 

في المتن، لا حلَّ حسب وزارة البيئة إلّا توسعة مطمر برج حمود. وفي حين من المُرتقب أن تُواجَه هذه التوسعة بإعتراضات، يقول مستشار وزير البيئة شاكر نون لـ«الجمهورية»: «مَن يعترض ليعطِنا حلّاً أفضل، نحن أمام أمر واقع، إما النفايات في الطرقات، وإمّا يجب معالجتها».

 

وعن طرح حزب الكتائب اللبنانية نقل النفايات الى السلسلة الشرقية، يقول نون إنّ «كلفة النقل مرتفعة وتغطي الثلوج القسمَ الأكبر من السلسلة، فضلاً عن المسار الطويل للشاحنات من بيروت الى البقاع. إننا بهذا الحلّ نرمي المشكلة عند غيرنا وسنشهد اعتراضاتٍ من الأهالي فلا يمكنُ إقناع الناس باستقبال نفايات مناطق أخرى».

 


من هذا المنطلق وجرّاء ما واجهته الوزارة من إعتراضات وصلت إلى نتيجة أنّ «على كل منطقة معالجة نفاياتها». ولا حلَّ بديلاً للتوسعة إلّا إطلاق العمل في المطامر الـ25 التي اقترحتها وزارة البيئة في كل لبنان.

 

ترفض الوزارة القول إنها لم تحُل دون الوصول الى أزمة، فكلّ ما اقترحته قوبل بمعارضة، والبلديات لم تتجاوب مع تعاميمها، كذلك إنّ القرار في مجلس الوزراء، ولا يُمكنها فرضُ أيّ حلّ بالقوة.

 

وتعتبر أنّ سببَ الأزمة في كلّ لبنان، عدم اعتماد البلديات أيَّ حلّ عملي في المناطق يخفّض أرقام النفايات. ويبقى رهان الوزارة لحلّ مشكلة النفايات على الفرز من المصدر وتحسين المعامل للإنتقال من مرحلة توسعة المطامر القائمة إلى العمل في 25 مطمراً صحّياً اقترحتها الوزارة.

 

منعُ أكياس النايلون

 

في إطار التخفيف من النفايات، تأتي حملة وزارة البيئة لمنع أكياس النايلون، والتي بدأت بفرض بدلٍ مالي على المواطن مقابل هذه الأكياس. ويستفيد حالياً من هذا العائد أصحابُ المحال التجارية، وتُدرس طريقة تحويل ثمن أكياس النايلون إلى رسم أو ضريبة، حسب ما يشرح نون.

 

وتأتي هذه الخطوة ضمن حملة لحضّ المواطن على استبدال أكياس النايلون بأخرى مصنوعة من القماش، في إطار عمل الوزارة على تغيير عادات وسلوكيات اللبناني اليومية.

 

وفي هذا الإطار تعقد الوزارة إجتماعاً مع ممثلي المحال الكبيرة والأساسية في 1 تشرين الأول المقبل، لتحفيزهم على تبنّي سياسات تساهم في تخفيف النفايات.

 

تسويق المحارق؟

 

ترتكز خطة وزارة البيئة على خمس نقاط أساسية: إقرار القوانين اللازمة وتنفيذها، الفرز من المصدر، التوعية، التدوير، الطمر أو التفكّك الحراري.

 

وتتضمّن الخطة التي أقرّها مجلس الوزراء إنشاء 3 محارق في بيروت ودير عمار وموقع في جنوب بيروت، اتُفق في مجلس الوزراء على أن يقترحَه «حزب الله» وحركة «أمل»!

 

وفي حين تركّز الوزارة على اللامركزية في ملف النفايات، من خلال تولّي السلطات المحلية معالجة نفاياتها، يركّز الخبراء البيئيون على طرح المحارق في الخطة.

 

ويشرح الخبير البيئي بول أبي راشد لـ«الجمهورية» أنّ «معالجة النفايات المنزلية في لبنان سهلة، يتحوّل نصفُها سماداً ويُمكن بيعُ 35 في المئة منها وتدويرها، فتبقى كميات قليلة من النفايات تُعالج بالتفكّك الحراري».

 

لكن، حسب أبي راشد، لا تحتاج معالجةُ هذه النفايات الى أكثر من محرقة لمئة طنّ، بينما الدولة تتمسّك بثلاث محارق، وكلّ محرقة لألف طنّ. ويشير إلى أنّ «الفلتر المُستخدَم في هذه المحارق لا يمكنه حجبُ الجزيئيات الصغيرة جداً الناتجة منها والمسبِّبة للسرطان».

 

الإعتراضات المحلية على خطة وزارة البيئة لاقتها إعتراضاتٌ دولية، وطالب مسؤول الحملات في منظمة «غرينبيس» الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جوليان جريصاتي الحكومة بـ«تبنّي خطة بديلة ترتكز على تقليل كمية النفايات، من خلال إعادة استخدامها وإعادة تدويرها، بدلاً من أن تكون وقوداً للمحارق التي تتطلّب مزيداً من النفايات وتحوّل النفايات البلدية إلى رماد سام لا يمكن معالجتُه».

 

وتستغرب وزارة البيئة هذه الإعتراضات و«الحملات» غير المستندة الى خطتها الواضحة التي تأتي المحارق في آخر هرمها.

 

ويوضح نون أنّ الخطة تطرح معالجة النفايات بالتقنيّات البسيطة، وتركّز على الطمر الصحّي الأقل كلفة والمُعتمَد في البلدان المتعثّرة اقتصادياً، فإنّ كلفة المحرقة تبدأ من 250 مليون دولار فيما يُمكن إنجاز معمل صحّي بمليون دولار.

 

ويقول: «قد نصل الى اعتماد المحارق فقط إذا حصل السيناريو الأسوأ وهو استمرار تخاذل البلديات ومعارضة الناس». ويشير إلى «أننا قسّمنا لبنان الى أقضية وكل قضاء منطقة خدمات تنتج بين 100 و150 طناً، عليها أن تعالجها. وهذا هو الحلّ الأمثل للوزارة، الذي يجنّبنا اللجوء الى المحارق».

 

ويشرح أنّ «المحرقة تتطلب 1000 طن يومياً حداً أدنى لكي تعمل ولن تتوافر هذه الكمية إذا عالجت كل منطقة نفاياتها». ويؤكد أنّ «كلّ اتّحادِ بلديات ملزم بمعالجة نفاياته أو أن يدفع ثمنها، وسنفرض هذه المعالجة عبر القانون».

 

خطة جمعية الصناعيين

 

بدورها، دخلت جمعية الصناعيين على خط معالجة النفايات، وستطرح خطة متكاملة تشمل النفايات الصناعية والخطرة، تحت شعار: «النفايات تبدأ بالصناعة ومشكلة النفايات تنتهي بالصناعة»، وذلك في مؤتمر صحافي مُشترَك مع وزارة الصناعة في تشرين الأول المقبل. أمّا الحلّ الأساس للنفايات حسب خطة الجمعية فهو «الفرز، والملوّث يدفع».

 

ويشرح رئيس لجنة البيئة في الجمعية سامي عساف لـ«الجمهورية» أنّ خطة الجمعية تتطرّق إلى طريقة جمع النفايات الخاطئة التي تؤثّر في الفرز وإعادة التدوير والتسبيخ. وترفض الجمعية الطمر أو التفكّك الحراري الكامل، فطمر كلّ النفايات يعني طمر 300 مليون دولار على الصناعة والإقتصاد الوطني وفرص العمل التي يؤمّنها جمع النفايات والتوظيف في مصانع إعادة التدوير، وفي المقابل يتكبّد لبنان مبالغ كبيرة مقابل الطمر.

 

أمّا التفكك الحراري، حسب الخطة، فيجب أن يقتصر على المواد الخطرة التي تكون كمياتها قليلة ولا تتعدّى نسبتُها الـ6 في المئة من النفايات. وتنصّ الخطة على فرض ضريبة على المواد المستوردة التي تنتج نفايات خطرة، تعود للبلديات.

 

ويعتبر أنّ «محرقتين تكفيان كلّ لبنان ويجب أن تكونا بعيدتين من السكان، واحدة في البقاع الشمالي وأخرى في البقاع الجنوبي». ولا تثق الجمعية بإدارة الدولة لهذه المحارق ولديها تصوّر في هذا الإطار لإدارتها من القطاع الخاص بالتعاون مع الإتحاد الأوروبي أو مراقبته.

 

من جهته، يؤكّد نون أن «لا ضرورة لمعالجة النفايات الصناعية عبر المحارق، فمَن ينتج من صناعته مواد كيمائية خطرة ملزَم بترحيلها». ويؤكّد أنّ وزارة البيئة وعلى عكس ما يُسوَّق، «لا تسوِّق للمحارق».