دراسة سلوك الفئران لعلاج البشر من الاكتئاب!

دراسة سلوك الفئران لعلاج البشر من الاكتئاب!

طور العلماء طريقة جديدة لقياس الاختلافات في شخصيات الحيوانات. لكن مهلاً.. ما دخل البشر بالأمر؟ الحقيقة أن فهم سمات الشخصية هو المفتاح للوصول إلى مزيد من العلاجات الفردية في الطب النفسي.بغرض التجربة، قام فريق بحثي متخصص في علم الأعصاب من معهد "ألون شين" بوضع فأر وسط مجموعة من الفئران وتركت له حرية التجول. ومن خلال فحص سلوك وتفاعل تلك القوارض على مدار بضعة أيام، تمكن العلماء من تحديد ما يصل إلى 60 سلوكًا مختلفاً. ومن الأمثلة على هذه السلوكيات الرغبة في التعامل مع الآخرين، والمطاردة أو الفرار، ومشاركة الطعام، والاستكشاف والاختباء.

وبناء على ذلك، تم إعطاء كل فأر درجات مختلفة بناءً على سلوكه. وبمساعدة برامج الكمبيوتر الخاصة التي قامت باستخلاص السمات الشخصية من البيانات التي حصل عليها العلماء أثناء عمليات الرصد، تمكن الفريق من تطوير مقياس للشخصية. يندرج هذا المقياس، الذي يشبه كثيراً المقياس المستخدم مع البشر، تحت مسمى نموذج "السمات الخمس الكبرى" والذي يشمل الانبساط، والوعي ، والضمير ، والعصبية والانفتاح على التجربة. وعلى سبيل المثال يرتبط الانبساط بالكلام والتواصل الاجتماعي والتعبير عن العاطفة؛ والإيثار، واللطف والخيال؛ الضمير لدفع السيطرة. وقد عرّف الباحثون "الشخصية" على أنها خصائص فردية مستقرة إلى حد ما، وتستمر مع الكائن طوال العمر. ولإثبات ما إذا كان من الممكن حقًا النظر إلى السلوكيات المرصودة في الفئران كسمات شخصية، وضع العلماء الفئران في موقف صعب، ولكن على الرغم من أن سلوك الفئران قد تغير تبعاً لهذا الموقف، إلا خصائصهم الشخصية ظلت كما هي بحسب ما أكد الباحثون. أدى ذلك إلى استنتاج مفاده أن كل فأر كانت لها شخصية فردية مختلفة عن الآخرين.

نشر الباحثون وهم من معهد وايزمان للعلوم بإسرائيلومعهد ماكس بلانك للطب النفسي في ميونيخ، دراستهم يوم 4 نوفمبر في مجلة نيتشر لعلوم الأعصاب. دور حاسم للجينات أثناء البحث، قام الفريق أيضًا بفحص العلاقة بين علم الوراثة والسلوك، وهي مسألة ظلت لفترة طويلة محل بحث. ومن المعروف أن الجينات تؤثر على تطور شخصياتنا. ومع ذلك، فإن فهم الطريقة التي نرث بها بعض الخصائص هو أمر مهم لفهم كيفية تأثر باقي جوانب شخصياتنا بالبيئة التي نعيش فيها.

وفي هذه الحالة، أشارت النتائج إلى أن الفئران المعملية، على الرغم من أنها تعيش لأجيال متعاقبة داخل المختبر، إلا أنها لا تزال تتمتع بالسمات الشخصية والسلوكيات الموروثة من أسلافها، والتي عاشت بحرية في الطبيعة لملايين السنين. لكن..كيف يمكن لذلك أن يساعد البشر؟ يشير الدكتور أورين فوركوش أحد الباحثين الرئيسيين في هذه الدراسة، إلى أن فهم الطريقة التي يرث بها الأطفال جوانب معينة من شخصياتهم يفتح الباب الآن لتشخيص وعلاج أفضل للأمراض العقلية. فعندما تؤدي هذه الجينات إلى سلوك مرضي، فإن دراسة كيفية تكوين الجينات لشخصيات يمكن أن تساعد في تطوير علاجات نفسية أكثر تحديداً وتخصصاً لكل شخص على حده. ومن الممكن أن يشمل هذا العلاج المخصص لشخص بعينه دون غيره، على سبيل المثال، وصفة طبية لعلاجات أكثر تحديدًا وفعالية للاكتئاب. بعبارة أخرى، فإن "الطب المشخصن" يركز على تحديد كيفية تأثير بعض خصائصنا الموروثة، مثل الانفتاح أو العصبية، على معدل نجاح علاج معين. قد يساعد تحديد هذه الروابط بين الشخصية والجينات والأدوية في إيجاد توافق أفضل بين المريض الذي يعاني من مرض عقلي وبين العلاج الموصوف له. ويعد الاكتئاب، وهو أحد الأمراض العقلية الأكثر شيوعًا والتي يعاني منها حوالي 300 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، هدفًا واضحًا للطب المشخصن. ومن الممكن أن يؤدي الاكتئاب الحاد إلى الانتحار، وهو أحد الأسباب الرئيسية الثلاثة للوفاة بين الإناث والذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 44 عامًا، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.

وكالات