جدة التاريخية تعلن إكتشاف خندق دفاعي وسور تحصين يعود تاريخهما إلى القرن الـ 19 ميلادي

جدة التاريخية تعلن إكتشاف خندق دفاعي وسور تحصين يعود تاريخهما إلى القرن الـ 19 ميلادي

أفادت وزارة الثقافة السعودية ممثلة في برنامج جدة التاريخية الخميس، عن نتائج التنقيبات الأثرية في "جدة التاريخية" غرب السعودية، حيث تم الكشف عن بقايا خندق دفاعي وسور تحصين يرويان جدة المدينة المحصنة، حيث يقع في الجزء الشمالي من جدة التاريخية شرقي ميدان الكدوة "باب مكة" وبالقرب من ميدان البيعة، ويعود تاريخهما إلى عدة قرون، وذلك ضمن المرحلة الأولى من مشروع الآثار.


والجدير ذكره، أن جدة التاريخية أو جدة البلد، هي موقع تراث ثقافي عالمي، ومنطقة مركزية أثرية وتجارية وسياحية، وسط مدينة جدة على الساحل الغربي للمملكة العربية السعودية، تتألف من أحياء جدة داخل السور القديم والبوابات والحارات والمساجد والبيوت والأسواق والمباني والمقرات الحكومية والبرحات والمعالم والميادين والمتاحف الشخصية والمساجد التاريخية، وهي ضمن ستة مواقع سعودية أثرية مسجلة في قائمة منظمة اليونسكو للتراث العالمي.


وأعلنت المصادر التاريخية، أن جدة كانت مدينة محصنة في مطلع القرن الرابع إلى الخامس الهجري (أواخر القرن 10 - أوائل القرن 11 الميلادي) بحسب التقديرات الأولية، إلا أن التحاليل المخبرية تشير إلى أن الخندق والسور المكتشفين حديثاً يعودان إلى مرحلة لاحقة من نظام التحصينات، إذ من المرجح أنهما شُيدا في القرن 12 و13 الهجري (القرن 18 و 19 الميلادي) .


من جهتها، أفادت التقنيات الأثرية، أنه بحلول منتصف القرن 13 الهجري (منتصف القرن 19 الميلادي)، أصبح الخندق غير صالح للاستخدام، وسرعان ما إمتلأ بالرمال، إلا أن سور التحصين بقي قائماً حتى عام 1947م، كما ظلت بعض أجزاء الجدار الساند للخندق سليمة حتى ارتفاع ثلاثة أمتار.


كما يذكر أن أعمال مشروع الآثار في منطقة "جدة التاريخية" إنطلقت في يناير/كانون الثاني 2020، حيث إستهل المشروع أعماله بإعداد الدراسات الإستكشافية، وإجراء مسح جيوفيزيائي للكشف عن المعالم المغمورة في باطن الأرض، في 4 مواقع تاريخية تضم مسجد عثمان بن عفان وموقع الشونة، وأجزاء من السور الشمالي، ومنطقة الكدوة.


بالإضافة إلى ذلك، عثر علماء الآثار على خزف أوروبي مستورد يعود تاريخه إلى القرن 13 الهجري (19 الميلادي)، الذي يدل على الروابط التجارية بعيدة المدى لجدة التاريخية، بالإضافة لقطعة فخارية من القرن الثالث الهجري "التاسع الميلادي" أكتشفت في ميدان الكدوة "باب مكة".


وسبق أن أعلن برنامج "جدة التاريخية" بالتعاون مع هيئة التراث في السعودية، عن إكتشاف ما يقارب 25 ألف بقايا من مواد أثرية يعود أقدمها إلى القرن الأول والثاني الهجري (القرن السابع والثامن الميلادي) في 4 مواقع تاريخية.


كما شملت المواقع التاريخية مسجد عثمان بن عفان، والشونة الأثري، وأجزاء من الخندق الشرقي، والسور الشمالي، وذلك ضمن مشروع الآثار الذي يشرف عليه برنامج جدة التاريخية.


فيما كشفت الدراسات في مسجد عثمان بن عفان عن المواد الأثرية التي يرجح أن يعود أقدمها إلى القرن الأول والثاني الهجري، وتضمنت المواد المكتشفة في المسجد مجموعة متنوعة من الأواني الخزفية، وقطعاً من البورسلين عالي الجودة التي صنع بعضها في أفران مقاطعة "جيانغ شي" الصينية ما بين القرن الـ10 والـ13 الهجري تقريباً (القرن الـ16 والـ19 الميلادي)، إضافة إلى أوعية فخارية تعود حسب آخر ما وجدته الدراسات إلى العصر العباسي.


وفي موقع الشونة الأثري، تحدد التسلسل التاريخي للبقايا المعمارية إلى القرن الـ13 الهجري على الأقل (قرابة القرن الـ19 الميلادي)، مع وجود دلائل من بقايا أثرية ترجع تاريخياً إلى القرن العاشر الهجري تقريباً (القرن الـ16 الميلادي).


وتُمثل جدة التاريخية العمق التاريخي لمدينة جدة، إذ يعود تاريخها إلى مئات السنين قبل الإسلام، فيما يمتد عمر "جدة التاريخية" إلى نحو 3 آلاف عام على أيدي مجموعة من الصيادين، كانت تستقر فيها بعد الإنتهاء من رحلات الصيد بالبحر الأحمر.


أما كونها مدينة، فيرجع بعض المؤرخين تأسيسها لقبيلة بني قضاعة العربية، التي سكنتها بعد انهيار سد مأرب باليمن سنة 115 قبل الميلاد.


وإزدادت أهمية جدة مع مرور الزمن حتى أصبحت واحدة من أكبر المدن في الجزيرة العربية على الصعيد الإقتصادي والسياسي والإجتماعي.


وفي عام 1869، إفتُتحت قناة السويس في مصر، مما مثّل بداية مرحلة جديدة لنمو جدة والمناطق المحيطة بها، خاصة مع ظهور السفن البخارية.


وفي العقود التالية، تطورت جدة ومرافقها لتصبح "البلد" أشبه بالمزار السياحي داخلها، وبقي الإقبال عليها كبيراً، لا سيما مع حرص السلطات على ترميم أزقتها ومساجدها وحوانيتها.


ويجذب الأنظار حرص عمليات الترميم أو إعادة البناء على عدم المساس بالجوانب الثقافية والتراثية والبيئية للمدينة لتقديمها بوصفها "وجهة سياحية عالمية".


ولهذه الاكتشافات أهمية بالغة على المستوى الوطني لجدة وحدها، فهي إضافة قيمة للسجل الوطني للآثار، كما أنها تساهم في تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030 في العناية بالآثار وتعزيز مكانة المملكة بين دول العالم في قيمة الآثار التاريخية وعمق الحضارة الإنسانية وجهود إكتشافها والعناية بها، حيث كان سمو ولي العهد قد أطلق مشروع إعادة إحياء جدة التاريخية للمحافظة على الآثار الوطنية وإبراز المواقع ذات الدلالات التاريخية والعناية بها.