ماذا ربحتْ أميركا والحِراك اللبناني ضدّ إيران وحلفائها؟

ماذا ربحتْ أميركا والحِراك اللبناني ضدّ إيران وحلفائها؟

قبل أقلّ من شهرين انتفض عددٌ كبير من الشعب اللبناني وقَلَبَ الطاولة على منظومة الفساد لأن أربابَها استباحوا كل المحرّمات وهم يتناوبون على حُكْم البلاد عهداً بعد عهد. إلا أن أحد الأسباب التي أدّت إلى تواجد الحراك في الشارع كان أيضاً خارجياً نتيجة تضييق الخناق الاقتصادي على لبنان جراء العقوبات الاقتصادية ومنْع التحويلات من اللبنانيين والمهاجرين إلى أقاربهم في الداخل.

وهذا جزءٌ من السياسة الاقتصادية التي اتبعتها أميركا في محاولةٍ «فاشلة» لإركاع إيران وحلفائها، ظناً منها أن حال الفوضى في الدول التي يتواجد فيها «محور المقاومة» سترتدّ على أعضائه وتدْفعهم إلى أحضان وشروط أميركا في الشرق الأوسط والتي تتلخّص بكلمتين: الهيْمنة المُطْلَقَة. فماذا حقق هؤلاء؟

في لبنان، ومنذ نزول الحِراك إلى الشارع، ارتفع سعر المواد الغذائية أكثر من 50 في المئة وفُقدت سلعٌ كثيرة من الأسواق التجارية، وفَقدت الليرة اللبنانية أكثر من 40 في المئة من قيمتها مقابل الدولار الاميركي قبل الأزمة.

وخسِرت غالبية اللبنانيين الموظفين في شركات خاصة على الأقلّ نصف رواتبهم، وفي حالات أخرى كل الراتب بسبب فقدان عملهم نهائياً. واقترب لبنان من احتمال اندلاع الحرب الأهلية لو انجرّ «حزب الله» وأنصارُه إلى الشارع ولو لم يُصْدِر هذا الحزب تعميماً يمنع فيه التواجد في الشارع وإعطاء الخدّ الأيسر إذا ضُرب الأيمن وإقناع الأنصار والحلفاء بعدم الانجرار نحو مشروع الفتنة الذي كان خلف كل زاوية ينتظر الفرصة، رغم تَفادي الجيش اللبناني الحزْم بفتْح الطرق في الأربعين يوماً الأولى لبداية الحِراك.

من ناحيته، يستعدّ الرئيس ميشال عون لتكليف رئيس للوزراء بناء على نتيجة الاستشارات النيابية المُلْزِمة، التي حُدِّد موعدها اليوم، إذا قبِل الرئيس سعد الحريري بالنزول عن كرسي الحُكْم وأوعز لمناصريه ونوابه وللرؤساء السابقين بعدم تسميته، وتالياً فإن المنظومة السياسية التي قام الحراك ضدّها لم تتغيّر حتى ولو عُيِّن بعض الوزراء من الحِراك نفسه. فالبلاد في أزمة اقتصادية حقيقية ولن تستطيع الحكومة كسْر العقوبات الأميركية التي لن تتراجع بل من المتوقّع أن تزداد إذا بقي حُكْم الإدارة الحالية.

لن يستطيع أي لبناني التصرّف بماله الخاص لأن المصارف حددت مبالغ ضئيلة يُسمح للمودعين باستخدامها من أموالهم الشخصية، كما قيّدت في شكل صارم التحويلات إلى الخارج إلا بشقّ الأنفس.

إلا أن «حزب الله» - وهو هدف أميركا الرئيسي - لم يتأثّر بهذا الوضع الذي يعانيه غالبية اللبنانيين. فقد تسلّم حقوقَه بالدولار الأميركي واستفاد بنسبة أكثر من 40 في المئة من فارق سعر الصرف الحالي للدولار. واستطاع الحزب تجنُّب الحرب الأهلية المتربّصة بالبلاد. وكذلك كان لقيادته دور مهمّ بإعطاء دفْع قوي للرئيس عون ووزير الخارجية زعيم «التيار الوطني الحر» (أكبر الأحزاب المسيحية في لبنان) جبران باسيل، اللذين أُخذا على حين غرة في بداية أيام الحراك وأصيبا بإرباكٍ كبير.

أما اليوم فقد استعاد هؤلاء السيطرة على الوضع السياسي المتعلّق بهم وبادر عون لاستخدام حقه الدستوري بأخذ الوقت الذي يحدّده هو لإطلاق الاستشارات لتكليف رئيس الحكومة، تماماً كما كان يفعل رئيس الوزراء المكلّف والذي لا يُلْزِمُه الدستور بوقت زمني للتأليف. وسيشارك «حزب الله» في الحكومة الجديدة بشخصيات جديدة أو معتمَدة سابقاً تحت عنوان: «إذا كانت مشاركة حزب الله في الحكومة تُزْعِج أميركا، فلماذا نريد راحة واشنطن؟».

هناك اقتناعٌ عند «محور المقاومة» بأنّ خروجَ «حزب الله» من الحكومة سيُعْطي أميركا دفْعاً لمزيد من المطالب، وبالتالي فإن وجود الحزب في البرلمان وبهذا العدد من النواب يعطيه الحق بأن يكون داخل الحكومة فلماذا يريد الخروج منها؟ ومَن هو الذي سيقف في وجه الطلب الأميركي بترسيم الحدود البحرية لمصلحة إسرائيل؟ ومَن سيمنع وجود قوات دولية على الحدود اللبنانية - السورية كما تطالب إسرائيل عن طريق أميركا؟ وكيف سيتدخل «حزب الله» في الحكومة إذا لم يكن فيها لإعادة النازحين السوريين ومنْع بقائهم في لبنان إرضاءً لأميركا فقط؟

يملك «حزب الله» قاعدةً شعبية كبيرة تقف خلفه وتدعمه وهي تعاني من الفساد في النظام اللبناني مثلها مثل أي قاعدة أخرى، إلا أنها تقف مع الحزب و«محور المقاومة» بثقةٍ على الرغم من التعرّض للعقوبات والعقاب الأميركي الذي يطول عوائلهم في الخارج.

لم تحقق أميركا هدفَها بركْب موجة الحِراك وجرّ «حزب الله» إلى الشارع. ولم يتحقّق هدف السياسيين بإقصاء «حزب الله» وحلفائه عن الحكومة بل زادَهم عزْماً على التواجد في الحكومة العتيدة. ولن تستطيع أميركا حصار «حزب الله» - كما تفعل مع «حماس» - لأن لبنان لديه حدود مفتوحة مع سورية وخط مع العراق وإيران والبحر المتوسط لتأمين وصول ما يمنع التجويع الداخلي اللبناني. وبدأ «حزب الله» بحملةِ دعْمٍ للمزارعين في المناطق الموالية له لتخفيف العبء الاقتصادي والغذائي على بيئته.

ولدى حلفاء «محور المقاومة» خط مفتوح على روسيا والصين وهم يحاولون إقناع المسؤولين اللبنانيين بالاعتماد على مصادر وحلفاء غير أميركا التي تفرض العقوبات. فروسيا تثبت كل يوم قدرتَها السياسية الدولية - حتى ولو أنها ما زالت ضعيفة التأثير في لبنان والعراق - للوقوف في وجه أميركا.

وها هي أوروبا تعي خطورة اتجاه الأزمة نحو الانفجار وما يمكن أن يسبّبه ذلك من تدفّق النازحين إليها. والصين تريد فتْح بنك في لبنان وترغب في توسيع مرافئ لبنان وتحلية مياهه واستثمار مياه الينابيع والأنهر وهي مستعدة لإنفاق 12.5 مليار دولار بما يفوق مخصصات مشروع «سيدر» البالغة نحو 11 مليار دولار مشروطة بخصخصة مرافق في الدولة.

إذاً «الأبواب مشرّعة» للبديل عن أميركا، وبالتالي كلما تضغط واشنطن على «محور المقاومة» وحلفائه يذهب هؤلاء نحو دفْع البلاد للابتعاد عنها والتقرّب من الصين وروسيا، البدائل القوية التي يغلق حلفاءُ أميركا في لبنان باب التنوع الاقتصادي - المالي في وجهها.

لم تربح أميركا من الحِراك وخسر اللبنانيون الكثير. ولم يربح الحِراك سوى إيقاظ السياسيين على مسألة عدم السماح باستمرار الفساد كما كان. ومرة أخرى كانت الغلَبة لـ «محور المقاومة»!

الراي