وعي الطبقة العاملة لبناء حزبها!

وعي الطبقة العاملة لبناء حزبها!

غدي صالح

بداية وقبل الخوص في أي نقاش نظري أو سياسي حول مسألة التحالفات السياسية والطبقية من المنظور الماركسي القويم، لا بد وأن نتوقف قليلا عند مفهوم هذا الحزب ومشروعه ومهامه في مختلف مراحل بنائه، مشددين على طابع الحزب الطبقي، وعلى ارتباطه الوثيق بالطبقة العاملة وبمصالحها وبمشروعها المجتمعي الاشتراكي. ففي كل فترة من تطورات الصراع الطبقي ببلادنا تتضح أهمية وجود الحزب المستقل للطبقة العاملة اللبنانية. في كل مستجد نضالي يطرح سؤال ما هو الاتجاه او المنحى الذي يجب ان يذهب اليه النضال والمبادرات؟ هذه الحاجة أصبحت قوية لأن الحركة الاحتجاجية تطورت والفاعلين كثيرين والمتربصين أكثر.

في وضعنا الراهن، يجب الانخراط في مهمة بناء الحزب المعبر على مصالح الطبقة العاملة والإسراع بتدقيق أين تكمن هذه المصالح وما هي الشعارات والمطالب التي تترجمها سواء في الواجهة الاجتماعية او الاقتصادية وخاصة السياسية؟ وللتقدم الجيد في هذه العملية، على الماركسيين ان يفتحوا فيما بينهم ورشة الحوار الفكري والنظري والسياسي والتنظيمي على قاعدة المشترك وبروح ايجابية ونقدية، تمكن من تحصيل اتفاقات او ارضية مشتركة ارقى من البداية؛ يجب ان نفعل بيننا، نحن المقتنعون بمهمة بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة مبدأ: وحدة- نقد – وحدة.

بالمناسبة، فإن ورشة وحدة الماركسيين يجب ان تنطلق من حاجيات الوضع الراهن في الاجابة على القضايا الراهنة، قضايا التغيير الثوري ببلادنا سواء من حيث الارضية النظرية والمرجعية كمنهج للتحليل والممارسة او قضايا سياسية من حيث ترتيب الاولويات وقضية ترجمة مصالح الطبقة العاملة لتصبح مرئية ومقروءة من طرف باقي الطبقات الاجتماعية، ثم بناء الجبهات على الواجهة النقابية والمهنية وعلى المستوى السياسي أي على مستوى جبهة الطبقات الوطنية التي تنخرط في التغيير الجدري.

بالإضافة، هذا الحزب الذي يترتب عليه، بوصفه مناضلا طليعيا من أجل الديمقراطية، ألاّ يتخلى عن واجباته وأن يظل مخلصا لمكانته وطبيعته الديمقراطية، إذ من واجبه أن يحشد ويقود مختلف الفئات الاجتماعية المتضررة والمعارضة، على عكس ما يدّعيه الصبيانيون الرفضويون الذين لا يقيمون وزنا للمطالب الديمقراطية والحريات، في خضم النضال العام الذي تخوضه الطبقة العاملة وحلفائها من أجل الحرية والديمقراطية والاشتراكية، فإن من واجب هذا الحزب قيادة نضال مختلف هاته الفئات المعارضة للرأسمالية ولنموذجها اللبرالي، حيث الحاجة إلى زعماء وخطباء ومنظمين، لهم القدرة على الإقناع والتأثير في جميع هاته الفئات المتضررة والمعارضة. وغير هذا الأسلوب لن تضمن الطبقة العاملة قيادة مجمل النضال الديمقراطي الشعبي لتوجه دفته نحو الاشتراكية، كجزء لا يتجزء من رسالتها التاريخية.

فواجب التحالف والتنسيق بين مختلف الطبقات المعنية بالتغيير والثورة على الأوضاع القائمة، لن ينسينا بالطبع الدور الذي يجب أن تضطلع به الطبقة العاملة كقيادة لهذا التحالف. هذه القيادة التي لن تستحق هذا الاسم وهذا الموقع إلا حين تشكلها في حزب مستقل عن جميع هذا المكونات المشكلة لهذا الحلف. فواجبنا كمناضلين مؤمنين أشد الإيمان بالثورة الاشتراكية، يلزمنا قبل الحديث عن حلفاء الطبقة العاملة في سياق عملية التحرير، أن نقوم بمهامنا كما يجب، من تربية وتثقيف ورفع مستوى الوعي وإعداد وتنظيم للطبقة العاملة لخوض معاركها الطبقية السياسية والاقتصادية. إذ لا مناص من حزب ثوري يقود عملية التغيير ببلادنا،حزب ماركسي لينيني بكل ما في الكلمة من معنى، حزب مخلص للطبقة العاملة ولقضيتها ولقضايا جميع الكادحين والمحرومين، يوّجه الجماهير ويعبئها لأجل القضاء النهائي على الرأسمالية كنظام اقتصادي واجتماعي يرغم الفقراء المعدمين على بيع أنفسهم للأغنياء البرجوازيين..

لا بد من الإشارة أن بناء هذا الحزب تواجهه عقبات كثيرة، لعل أخطر عرقلة وعائق أمام بناء الطبقة العاملة لحزبها المستقل عن البرجوازية وأدواتها السياسية المختلفة هو الهجوم الأيديولوجي القوي والشامل للرأسمالية الذي يستهدف القضاء على الماركسية وتجريد الطبقة العاملة من أدواتها النضالية وزرع اليأس والاستسلام للواقع القائم وسط المثقفين الثوريين الماركسيين. ويرتكز هذا الهجوم إلى فكر ما بعد الحداثة والوهم الديمقراطي واعتبار أن الاشتراكية فشلت فشلا نهائيا لا رجعة فيه. ويتمثل خطر هذه الأفكار في كونها تخترق التنظيمات اليسارية، بما فيها الماركسية التي تعمل من أجل بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين. وبدون دحض هذه الأفكار واسترجاع الماركسية لوهجها والاشتراكية لراهنيتها كبديل عن الرأسمالية المتعفنة، يصعب شحذ همم المثقفين الثوريين والطلائع العمالية والكادحة.

لذلك فإن الناس، لحماية أنفسهم من همجية الرأسمالية، ينطوون على هوية خاصة، إما مرتبطة بالبنية الفوقية (الدين، الهوية الإثنية…) أو بفئة معينة أو منطقة مهمشة، وذلك على حساب هويتهم كمواطني ومواطنات دولة معينة وكأعضاء وعضوات هذه الطبقة أو تلك؛ لذلك يجب علينا توحيد هذه الحركات المشتتة وإدماجها في النضال العام من أجل الإنعتاق من الاضطهاد والاستغلال وأن نجعل منها رافدا ورافعة للصراع الطبقي، ومن هذا الأخير دعما قويا لها.

وعكس التصور الذي ينفي الصراع الطبقي، هناك داخل اليسار طرح يتشبث بالصراع الطبقي ودور الطبقة العاملة المركزي في التغيير وضرورة النضال من أجل القضاء على الرأسمالية باعتبارها المسئولة عن الكوارث التي تعاني منها البشرية. ولذلك فهو قد يذهب، في الحالات القصوى، إلى اعتبار أن أدوات النضال الوحيدة هي الأدوات الطبقية (الحزب، الجبهة والنقابة). أما في أغلب الحالات، فإن هذا الطرح يبخس دور الحركات الشعبية والاجتماعية المتعددة والمشتتة إلى حد حصر العلاقة بها في التضامن معها من خارجها وليس الانخراط فيها، وذلك لأن أصحاب هذا الطرح لا يعون أنها، في العمق، تعبيرات موضوعية وقارة وغير عابرة عن مقاومة العولمة الرأسمالية أو، وهذا هو الأخطر، هناك من يعتبرها، لكون الرأسمالية قد تستعملها لإضعاف الدول وتفتيتها ولتخريب الوعي الطبقي، حركات رجعية بل حتى أنها من صنع الامبريالية في إطار نظرية المؤامرة. إن هذا التصور يجعل اليسار عاجزا على فهم بعض الظواهر كتراجع العمل النقابي والانتماء الحزبي. ففي ظل انتشار الهشاشة وسط الطبقة العاملة والشغيلة وصعوبة العمل النقابي وخطورته بسبب العولمة الرأسمالية وتطبيق السياسات النيولبرالية، لا غرابة أن يبحث العامل والأجير بشكل عام على فضاء آخر يظن أنه سيوفر له الحماية والتضامن الذي هو في الحاجة إليه. أما الانتماء الحزبي، فإنه يعني الاقتناع بمشروع ذو بعد وطني إن لم يكن إقليمي أو عالمي. ولذلك نرى أعضاء وعضوات هذه الحركات بسبب انغلاقهم على هوية أو فئة أو منطقة معينة، في العديد من الأحيان، يتحفظون عن الانتماء الحزبي أن لم يكن يحاربونه أو يطرحون بناء قوى سياسية على أساس هوياتي.

إن نفي كون الصراع الطبقي بين الطبقة العاملة والبرجوازية في نمط الإنتاج الرأسمالي هو الصراع الأساسي له نتيجة مباشرة وهي أن الطبقة العاملة ليس لها دور حاسم في التغيير وأن هذا الدور منوط بالنخب. و له أيضا نتائج تنظيمية ملموسة تتمثل في أن أدواته (النقابة كأداة للنضال الاقتصادي والحزب كأداة للنضال السياسي) أصبحت متجاوزة ويتم تعويضها بالحركات الاجتماعية والمجتمع المدني الذي تسيطر عليه المنظمات الغير حكومية الممولة، في الغالب، من طرف المؤسسات الإمبريالية.

بناءً على ما تقدم، بناء حزب الطبقة العاملة المستقل، في نظرنا ليس بالمهمة السهلة التي لا تحتاج سوى للبهرجة والإعلان وتغيير الاسم، والحال أن التجارب المطروحة في الساحة لا تعدو أن تكون سوى تكرار كاريكاتوري لتجارب سابقة باءت بالفشل رغم التضحيات الجسام التي قدمت من أجل إنجاحها.

المقال يعبر عن راي صاحبه