في زمن المتغيرات الكبرى ماذا يفعل المسيحيون؟

تستشعر غالبية الجماعات السياسية في لبنان حجم المتغيّرات القادمة في المرحلة المقبلة فتسارع الى لملمة صفوفها وتحضير بيتها الداخلي، أوّلاً لمواجهة الازمة الاقتصادية وتداعياتها الخطيرة في الداخل، وثانياً لتلقّف التطوّرات المفصلية الآتية من المنطقة، إن لناحية استعادة الاتفاق النووي بين أميركا وايران رغم شدّ الحبال القائم حالياً أو لناحية اتّساع مساحة التقارب العربي - العربي.
في نظرة سريعة الى الخريطة السياسية يتّضح أنّ المكونات السياسية الإسلامية تعمل بجد على توحيد الرؤية والغاية وحتى الخطاب، فيما القوى السياسية المسيحية لم تبادر بعد الى اعادة تقييم للموقف والدور، غير آبهة بالتحديات الوجودية والكيانية التي تحيط بها. وكان لافتاً في الأيّام الماضية كيف إجتمع زعماء الطائفة الدرزية في منزل المير طلال إرسلان إثر الإنعطافة الواضحة لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط، الذي غالبا ما يكون أوّل المُلتقطين للإشارات وللمتغيّرات الآتية على المنطقة عموماً ولبنان خصوصاً. فكانت تلك الصورة التي جمعت جنبلاط الى ارسلان ورئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب في مشهد لا يختلف كثيراً عن مثيله في الطائفة السنية حيث يلتفّ نادي رؤساء الحكومة السابقين ودار الإفتاء حول الرئيس المكلّف سعد الحريري من دون ان يُستبعد من المشهد نواب اللقاء التشاوري وبمؤازرة من المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى.
وما قد يكون موسمياً ومُستجدّاً عند الدروز والسنّة يبدو ثابتاً عند الطائفة الشيعية، التي برهنت التجارب السياسية في التاريخ الحديث انّ أولوية
الأولويات بالنسبة اليها هي الحفاظ على وحدة صفّها رغم كل التعقيدات المتأتية من الحلفاء وحلفاء الحلفاء.
في نظر بعض المراقبين كان يمكن للمسيحيين ان يعتمدوا نموذجاً من ثلاثة:
- الاوّل: شبيه لما تعتمده الجماعة السياسية الشيعية تحت راية الثنائية، أي الوحدة برأسين مع تقاسم النفوذ والدور والخطاب.
- الثاني: شبيه لما تعتمده الجماعة السياسية الدرزية، لناحية الانتظام وإدارة الخلاف تحت مظلة تفاهم الحدّ الأدنى على خطوط عريضة تحمي الطائفة.
- الثالث: وهو النموذج الذي ترتكز عليه الجماعة السياسية السنية، أي الإنتظام خلف من يملك الوكالة الشعبية الأكبر.
ولأنّ أيّاً من هذه النماذج لا يمكن ان تتبنّاها الأطراف المسيحية المتصارعة، في التكتيك كما في الخيارات الاستراتيجية، يبدو المسيحيون اليوم الحلقة الأضعف وسط تقليص الهمّ الوجودي الى مجرّد همّ معيشي لدى بعض الأحزاب المسيحية. لذا يظهرون غير واعين للمتغيّرات والمخاطر الآتية، والتي قد تضيّق الخناق عليهم وتدفع بمن تبقّى منهم الى حزم "شنطة الرحيل".
الحدث - ميرا جزيني