300 ألف مقاتل... وليس 100 ألف
للمرّة الأولى في تاريخ حزب الله يكشف أمينه العامّ السيد حسن نصر الله عدد المقاتلين المحترفين والمدرّبين على القتال لدى الحزب. فقد أعلن في خطابه الأخير، ردّاً على القوات اللبنانية وقائدها الدكتور سمير جعجع وما نُقِل عنه بأنّ الحزب اليوم أضعف من منظّمة التحرير الفلسطينية عام 1982، أنّ عدد مقاتلي الحزب حوالي مئة ألف. وجاء في حرفيّة كلامه: "أنا مضطرّ عدّ، لا أريد أن أعدّ لا الأنصار ولا المؤيّدين ولا المحبّين، وعندما أدخل إلى الحزب لا أريد أن أعدّ الطلاب ولا المهن الحرّة ولا النقابات ولا التنظيم النسائي ولا المؤسسات المدنية ولا الكشّاف، لأنّه يوجد بينهم شباب، ولا.. ولا.. ولا..، أنا حابب بس أن تأخذ علم بهذا الرقم، وأنا أول مرّة مضطرّ أن أكشف هذا الرقم لأمنع الحرب الأهليّة، وليس لكي أهدّد بحرب أهليّة... أنظر فقط حزب الله الهيكل العسكري الذي فيه، ونحن لا ننكر أنّ لدينا هيكلاً عسكريّاً، ولدينا سلاح ولدينا إمكانات. فقط حزب الله، وأتكلّم فقط عن الرجال، وفقط من اللبنانيين، الذين هم لبنانيّون منذ أكثر من 100 سنة، وليس فقط منذ 10 سنوات، وهم مدرّبون ومنظّمون ومهيكلون ومسلّحون وأصحاب تجربة وأصحاب روحيّة. ولو أشير، ليس إذا أُمروا، ولو أشير لهم أن يحملوا على الجبال لأزالوها. أكتب عندك 100 ألف مقاتل. هؤلاء الـ100 ألف مقاتل مع سلاحهم المتنوّع والمختلف. هؤلاء لم نجهّزهم لحرب أهليّة ولا لاقتتال داخلي. هؤلاء جهّزناهم للدفاع عن بلدنا، ولنحرّر أرضنا، ولكي نحمي مياهنا ونفطنا وغازنا الذي يُسرَق أمام أعين اللبنانيين".
شكّل هذا الإعلان مفاجأة للمقرّبين وللأصدقاء وللأعداء، لأنّه ليس من عادة مسؤولي الحزب وقياديّيه أن يكشفوا ما لديهم من إمكانات عسكرية أو عدديّة. وتُعتبر هذه المعلومات من الأسرار العسكرية، ومن أجل مفاجأة الأعداء. ولقد اعتبرت شخصيّة قريبة من الحزب أنّ هذا الخطاب هو خطاب ردع الحرب الأهليّة وطمأنة الحلفاء، وليس من أجل التهديد والتخويف.
وأضافت هذه الشخصيّة أنّه في حرب تموز من عام 2006 لم يكن عدد المقاتلين المحترفين في الحزب يتعدّى الآلاف، وأنّ عدد الذين شاركوا في القتال حوالي ثلاثة آلاف، وهم من ألوية النخبة وذوو تدريب عالٍ جدّاً، لكن بعد هذه الحرب مباشرةً اتّخذت قيادة الحزب العسكرية، ولا سيّم الحاج رضوان، أي القائد العسكري عماد مغنية، قراراً بضرورة زيادة عديد المقاتلين المحترفين كي يصبحوا أكثر من مئة ألف، وأنّه خلال السنوات الخمس عشرة الماضية تمّ تدريب أكثر من 300 ألف مقاتل ما بين مقاتلين محترفين وتعبئة وسرايا مقاومة وأنصار، وأنّ الرقم الذي أعلنه السيّد نصر الله يتعلّق فقط بالمقاتلين المدرّبين والمحترفين.
نحن إذن أمام خطاب استثنائي للأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصر الله بعد الاشتباكات التي حصلت يوم الخميس الماضي في منطقة الطيّونة – عين الرمّانة، وسقط فيها سبعة شهداء من مؤيّدي حركة أمل وحزب الله، واتّهم إثرها التنظيمان القوات اللبنانية وقائدها الدكتور سمير جعجع بالوقوف وراء ما جرى، وأعلنا أنّ الهدف جرّ البلاد إلى حرب أهليّة، لكنّ قرار قيادتيْ الحزب والحركة السريع كان تجنّب الردّ والمواجهة العسكرية والذهاب إلى تصعيد سياسي وشعبي وإعلامي وقضائي، وخوض المعركة السياسية في مواجهة القوات اللبنانية مباشرة.
لكنّ موجة الغضب الشعبي في بيئة الحركة والحزب، والمخاوف من القيام بردّات فعل غير مدروسة من قبل عوائل الضحايا، تطلّبت تصعيد الخطاب السياسي وتوجيه تهديدات مباشرة إلى قيادة القوات اللبنانية بأن أيّ استهداف جديد لهذه البيئة سيكون ردّه قاسياً.
وفي موازاة الردّ القاسي على القوات، عمد السيّد نصر الله إلى طمأنة المسيحيين واللبنانيين إلى أنّ الحزب لا يريد حرباً أهليّة، وأنّ دوره كان طوال السنوات الماضية لحماية المسيحيين وتعزيز دورهم السياسي، وأنّ التحالف مع التيار الوطني الحر كان أهمّ أهدافه.
ويبقى السؤال الحقيقي: هل يُطمئن هذا الخطاب اللبنانيين والمسيحيين، ويمنع الحرب الأهليّة، ويوجِّه رسالة قويّة للقوات اللبنانية؟ أم تكون مفاعيله عكسيّة؟
قد يكون من السابق لأوانه رصد كلّ ردود الفعل وتأثيرات هذا الخطاب العالي النبرة، لكن بشكل أوّليّ اعتبر البعض الخطاب تهديداً قاسياً سيؤدّي إلى تعزيز دور القوات وموقعها عند المسيحيين، في حين اعتبرت جهات أخرى أنّ الخطاب سيساعد في تهدئة الأجواء، وسيمنع العودة إلى أجواء القتال، وسيساعد في استيعاب الغضب الشديد الذي يسود أجواء الطائفة الشيعية اليوم بعد الأحداث الأخيرة.
نحن إذن أمام تطوّرات مفصليّة، والخوف الأكبر أن تنزلق التطوّرات والسجالات والتصعيد الإعلامي والسياسي إلى حروب جديدة قد يكون لبنان واللبنانيّون في غنى عنها.
فهل ينجح خطاب السيّد حسن نصر الله في الطمأنة والردع ومنع الحرب الأهليّة أم يزيد من أجواء الخوف والقلق، ولا سيّما في الساحة المسيحية؟
قاسم قصير - اساس ميديا