أحداث الطيونة تكرّس: دور بري في انتخابات 2022
لن تُطوى أحداث الطيونة بسهولة. إلى التداعيات المباشرة، ثمة جانب يتعلق بمركزية الرئيس نبيه بري في المعادلة الداخلية، وفي دوره كرئيس للمجلس النيابي. وهذا لن يُطوى، بل سيُكرّس مع انتخابات عام 2022
ليس سراً أن الكلام عن بديل لرئيس مجلس النواب نبيه بري كان حديث الإعلام وسياسيين لفترة طويلة. منذ انتخابات 2018، جرى كلام عن اللواء جميل السيد، ومنذ أشهر حول المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، واحتمال طرح اسميهما كبديلين لبري الذي يتبوأ منصبه منذ عام 1992. وأُشيع منذ مدة عن رغبة سورية بتزكية بديل لرئيس المجلس، على خلفية امتعاض دمشق منه على رغم قنوات الاتصال بينهما. وطُرحت في هذا السياق أسماء، لكنها بقيت في إطار المداولات في الصالونات السياسية.
كل ذلك كان قبل حادثة الطيونة. ما بعدها، من يمكن أن يطرح بديلاً لرئيس المجلس، ومن يفكر باحتمال، ولو ضئيل، من هذا القبيل، وهل يمكن أن يسلك أي طرف طريقاً يفهم منه أنه استهداف لدور بري، حتى ولو ارتفعت حدّة الكلام عن استهداف دور حركة أمل كما حصل منذ 17 تشرين عام 2019؟
الحادثة لم تترك تداعياتها على العلاقة بين الثنائي الشيعي والقوات اللبنانية، أو بين القوات والتيار الوطني الحر فحسب، وإنما تركت تأثيرها بقوة على موقع بري في المعادلة الثنائية الداخلية، إزاء مرشحين محتملين لخلافته، وفي العلاقة مع القوى السياسية الأخرى، وفي دوره المركزي كرئيس للمجلس النيابي من دون منازع أو منافس.
عام 2012، طرح رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع شعار «إننا لا نقدر أن نحمل بري رئيساً للمجلس»، بعدما كان الرئيس سعد الحريري يقول إنه لا يستطيع التصويت له. كان ذلك فيما كانت قوى 14 آذار في أوج قوتها ووحدتها. مع ذلك، كرّس بري دوره رئيساً للمجلس النيابي بعد 2005، ودوره محاوراً لجميع القوى السياسية بما فيها القوات اللبنانية التي أقامت معه منذ ذلك الحين علاقة جيدة وتنسيقية في كثير من الملفات التشريعية، ليس أقلها قانون الانتخاب عام 2018. وبما يكون التيار الوطني الحر الفريق الوحيد الذي لم يهضم دور بري ولا اتفق معه في أي لحظة، لا في انتخابات جزين 2009 التي دعا الوزير السابق جبران باسيل إلى تحريرها من تأثير بري، ولا في ملفات المياومين والتعيينات وقانون الانتخاب، ولا ينفكّ يحمّل بري تبعات «الفساد» في الإدارة.
تركت أحداث الطيونة انطباعاً أول بأن ما بين حركة أمل والقوات انكسر إلى غير رجعة. لكن، على رغم حرص بري على عدم تخطي ما جرى بكل مخاطره وعدم تناسي دم من سقطوا من الحركة أو الحزب، ثمة قناعة لدى قوى سياسية بأن بري أكثر قابلية لسحب التوتر من الملف وتركه في عهدة القضاء، وتخطّي الإشكالية السياسية مع القوات تحت قبة المجلس النيابي، من دون أن يقفز فوق تداعيات الحادثة سياسياً.
فرئيس المجلس يعرف تماماً ماذا يدور في كواليس المرشحين لخلافته، لكنه قال كلمته في التحقيق الذي يجريه القاضي طارق البيطار وفي حادثة الطيونة، ناهيك عن تعاطيه مع تظاهرات 17 تشرين. وقد يكون ما خسره في القضية الأولى من اتهامه تارة بالتغطية على «المرتكبين»، وتارة بحصر القضية في المجلس النيابي، ربحه في القضية الثانية مع تأديته دوراً مضبوط الإيقاع في التعاطي مع الحادثة. وعلى رغم أن الانطباع الأول عند وقوع المواجهة أنها بين الحركة والقوات، وسقط عناصر من «أمل» بالنيران التي أطلقت عليهم، في انتظار حسم نتائج التحقيق حول الجهة التي أطلقت النار، إلا أن تعاطي بري، سياسياً، لم يكن حادّاً في اللهجة والأداء والتصرف كما هي حال حزب الله. وهذا ما أفسح المجال لمحاولة ضبط الوضع في انتظار انكشاف مزيد من محاولات التطبيع السياسية، كما سمح بالكلام حول موقع بري في المعادلة الداخلية، لا سيما بعد تحرّك سريع لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وتواصل تيار المستقبل معه. والقضية عدا عن كونها عزّزت موقع بري الذي أصبح محصناً لجهة عدم المس به في المعادلة الثنائية الشيعية، فإنها ستكون محكّاً كذلك للقوى السياسية كافة في التعامل معه كمرشح وحيد لرئاسة المجلس. وهذا أمر لن يقدر التيار الوطني الحر الذي أطلق معركته النيابية باستهداف القوات اللبنانية، على خلفية حادثة الطيونة، أن يقوم به مع بري، ولو فرّقت بينهما كل التحالفات الانتخابية. وعلى رغم أن التيار سارع إلى التعامل مع تطويق بري له من خلال تعديلات قانون الانتخاب بالرد بطلب الطعن، إلا أن ذلك يختلف تماماً عن مقاربة رئاسة المجلس. وليس الوقت مبكراً لطرح هذه المقاربات. فالانتخابات أصبحت على الأبواب، والاستثمار السياسي بدأ في كل الاتجاهات، وحادثة الطيونة، على فداحتها، لن تكون مختلفة عن محاولة الجميع قطف ثمار الحرب المصغرة التي وقعت.
هيام القصيفي