متى يصرخ ميقاتي: بطيخ يكسِّر بعضو؟
يحاول الرئيس نجيب ميقاتي ان يبيع الأمل ويشتري الوقت في أصعب اختبار يواجهه بعدما ارتضى ان يكون رئيساً للحكومة في مرحلة الانهيار.
يعرف ميقاتي أنه ليس سهلاً انتشال حكومته المعطلة من تحت ركام المأزق مع السعودية وأزمة القاضي طارق البيطار ومفاعيل أحداث الطيونة المأساوية. وعلى رغم ذلك، يمدّ الرجل يده من بين الأنقاض السياسية والقضائية والاقتصادية والاجتماعية، ساعياً الى التقاط ولو نصف فرصة أو طرف حبل للنجاة.
يدرك ميقاتي أنه لا يستطيع أن يدير المرحلة الانتقالية الفاصلة عن الانتخابات النيابية من دون التفاهم داخلياً مع الثنائي الشيعي المُقاطِع لمجلس الوزراء بسبب ملف البيطار، ولا من دون أن يحتوي خارجياً الغضب السعودي المتراكم الذي انفجر نتيجة «شرارة» مواقف وزير الإعلام جورج قرداحي.
من هنا، يعطي ميقاتي نفسه مهلة لتحقيق التوازن في معالجةٍ تجمع بين تطييب خاطر الرياض عبر التضحية بقرداحي اذا امكنه ذلك، وبين تخفيف هواجس «حزب الله» وحركة «امل» عبر السعي الى ضبط إيقاع المحقق العدلي وإيجاد ضمانات كافية للجم «شَططه»، وفق التوصيف الذي استخدمه رئيس الحكومة.
لا يملك ميقاتي الكثير من الوقت، خصوصاً ان الماء يستمر في التسرّب الى داخل السفينة المثقوبة مهدّداً بإغراقها، بينما يخوض بحارتها وركابها نزاعات جانبية على متنها بلا هوادة. وعليه، فإن همّ ميقاتي الأساسي هو ان يتمكن من إبقاء السفينة عائمة وسط الأمواج، الى ان ترسو في مرفأ الانتخابات المقبلة، اذا حصلت، وعند هذا الحد يكون قد أنجز جزءاً حيوياً من مهمته، اما متى أحسّ بأنه سيدفع ثمن حسابات الآخرين وسيتحول فرق عملة في سوق سوداء سياسية، فهو قد يختار حينها ان ينكفئ على قاعدة «بطيخ يكسِّر بعضو».
وميقاتي ليس وحيداً في هذا التحدي، إذ ان الأميركيين والفرنسيين يتمسكون به ويحضّونه على الصمود للغرض الانتخابي تحديداً، وليس بالتأكيد لسواد عينيه، إذ انهم يفترضون ان صناديق الاقتراع قد تفرز هذه المرة تغييرات جوهرية من شأنها ان تلبّي طموحاتهم ومصالحهم.
والمفارقة في هذا السياق، وفق مصدر سياسي مطلع، ان واشنطن تحديدا لا تريد لحكومة ميقاتي أن تسقط قبل أوانها حتى لا تطير الانتخابات ويفرط الاستقرار وتدب الفوضى ويتزعزع الجيش، ولكنها لا تريد أيضاً لميقاتي وحكومته ان ينجحا خشية من ان يؤدي ذلك الى إعادة تعويم الطبقة الحاكمة في الاستحقاق الانتخابي المقبل، لا سيما ان واشنطن تعتبر أساساً ان تلك الطبقة تغطي «حزب الله»، إضافة إلى انها تتهمها بالتورط في الفساد.
وبهذا المعنى فإن المطلوب أميركياً، تبعاً للمصدر، هو ان تبقى الحكومة على قيد الحياة، من غير أن تنجح ولا ان تفشل، واذا شعرت واشنطن لاحقاً ان الانتخابات التي تنتظرها بفارغ الصبر لن تتم، لهذا السبب او ذاك، فهي قد ترفع في تلك اللحظة الغطاء عن ميقاتي او أقله تتراجع عن حماستها للتمسك به في رئاسة الحكومة كما تفعل الآن على نحو متمايز عن الطرح السعودي المقتنع بانه لم يعد مفيداً التعامل مع الواقع اللبناني بالمفرّق، ولا التمييز بين الحزب والدولة، كونه لم تعد هناك، في رأي الرياض، مسافة بين الاثنين. وبالتالي، هي أصبحت لا تمانع في أن يقع السقف فورا على كل التركيبة الحالية، ما دامت خاضعة الى نفوذ الحزب، وحتى لو كان يوجد في صفوفها أصدقاء تقليديين للرياض.
اما في ما خص حسابات ميقاتي، فليس معروفاً الى متى يستطيع أن يكتفي بالغطاء الغربي وأن يتحمل القطيعة السعودية التي ستكون مرشحة للاستمرار وربما للتفاقم ما لم يتم على الاقل إيجاد حل لمسألة قرداحي، علما ان اي حل من هذا النوع هو موضعي، ووظيفته ستنحصر عمليا في لجم التصعيد عند الحد الذي وصل اليه وفتح كوة صغيرة للحوار من غير ضمان نتائجه، ربطا بالمطالب السياسية السعودية التي يجد البعض انها تفوق قدرة لبنان على تحقيقها.
وبالنسبة إلى ميقاتي شخصياً، أغلب الظن انه لا يستطيع أن يتعايش طويلا مع نفور المملكة منه، لا سيما انه يتخوف من انعكاسات سلبية لهذا النفور، إذا طال أمده، على موقعه في البيئة السنية التي تتفهم شرائح واسعة منها الموقف السعودي وتنحاز اليه.
والاكيد ان ميقاتي سيواصل الإمساك بالعصا من الوسط قدر الإمكان، وسيبقى في رئاسة الحكومة الى حين استهلاك كل هامش المناورة، ولكنه قد يعيد حساباته بعدها، خصوصا اذا كان في صدد خوض الانتخابات او يطمح الى ملء «الفراغ الزعاماتي» الذي سيحدثه عزوف رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري عن الترشح او احتمال خروجه ضعيفاً من الاستحقاق النيابي في حال قرر عدم الانسحاب منه.
ما يتمناه ميقاتي في المبدأ هو التوافق مع جميع المختلفين والتوفيق بينهم، الا انه سيقرر مجاراة السعودية والمزاج العام في بيئته، متى تأكد انه صار عليه ان يحسم خياره، ولم يعد هناك من مساحة لهوايته المفضلة: تدوير الزوايا.
عماد مرمل