ميقاتي بين أفلام الداخل وكمائن الخارج...
ثمة معضلة تكمن لمسار عمل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المرتبطة بعوامل داخلية وخارجية...
ففي الداخل اكثر من عقدة تفرمل انعقاد مجلس الوزراء بعدما وضع القاضي العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت العصي في عجلات المشهد السياسي والقضائي، وعلى رأسها تفعيل الحكومة التي اتت اصلا لمعالجة اسباب الازمة الاقتصادية والبدء بوضع آليات الحل، وان اتت قاسية بعض الشيئ على المواطن نتيجة ترشيد الدعم الذي بات ينكشف اكثر فاكثر على تعرية المواطنيين من سبل استمرار الحياة جراء الغلاء الفاحش مقابل انهيار العملة الوطنية، وان كان البعض يصف عمل ووظيفة هذه الحكومة بضابط ايقاع الاستحقاق الانتخابي الذي غدا بدوره في مهب رياح الازمات المترامية من اقصى البلاد الى ادناها.
اوساط متابعة لمجريات المشهد استشعرت في دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون غداة لقائه بنقابة محرري الصحافة اللبنانية الى ضرورة انعقاد مجلس الوزراء بمن حضر كمينا آخر بوجه ميقاتي، سيما وان صاعق التفجير لم يعطل بعد لدفع الامور نحو امان سياسي بعيدا عن التفجير الحكومي من الداخل، وهذا ما استدركه ميقاتي بتريثه للدعوة قبل الوصول الى حل عقدة العقد المتمثلة بتجاوز القاضي البيطار لمواد الدستور، لا سيما محاكمة الرؤساء والوزراء والنواب تبعا لما ينص عليه الدستور،ضاربا بعرض الحائط كل محاذير التفكك المجتمعي والانقسام العامودي الذي خلفته استنابات البيطار ولم تفلح من فك ارتباطها كل الدفوع والمخاصمة والارتياب المشروع ...
من هنا يرى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ان الدعوة الحالية لم ولن تغير في مشهد التوتر السياسي بشيئ، لا بل ستزيد من طين الازمة بلة، وقد تخرج الامور عن السيطرة في ظل الاجواء المشحونة بين كل اطراف الازمة في لبنان،ما يؤكد ان ميقاتي سيبقي على تدوير الزوايا بتلمس الخطى نحو الحلول وان كانت تسير ببطء،وسط الغام الثنائي الداعية لحل قانوني يحفظ هيبة الدولة ومؤسساتها من جهة ويحمي الدستور والمواطن من جهة اخرى.
لا احد يحسد ميقاتي على تنقله بين الالغام المزروعة في كل حدب وصوب، معتمدا دماثة اخلاقه في ادارة الدولة، مستفيدا من براعته في ادارة الاعمال، في ظل رهان الكثيرين، لا بل التمني من وقوع ميقاتي في كمين الازمات ودفعه نحوالتحلل من مسؤولياته افساحا بالمجال لاستيراد الفوضى والوصايا المباشرة التي تدفع بها دول خارجية تحت مسمى مساعدة لبنان، ما يؤكد ان المشكلة المتصلة بالخارج، وخاصة تطور واضطراد «البكبكة» الخليجية لمزيد من ذر الرماد في اعين الرأي العام اللبناني والدولي، متخذة من بعض المواقف والتصريحات والمؤتمرات شمّاعة تعلق عليها مواقفها المسبقة الاجراء والدوافع ...
وللانصاف، ان ما يقوم به ميقاتي بالمحاولة تارة والاصرار طورا آخر انما ينسجم مع قبوله التكليف بالتأليف الذي ذخره بالدعم الفرنسي والاميركي مفترضا ان واشنطن وباريس ربما تشكلان له ممرا آمنا نحو الخليج خاصة السعودية، ما يؤكد مرة اخرى ان جواز المرور الذي سحب من سعد الحريري سابقا قد ينسحب على ميقاتي حاليا، وما الاتصال الذي جرى بميقاتي من قبل ولي العهد محمد بن سلمان بتمنن فرنسي، سوى قنبلة صوتية لا مفعول لها ولا تاثير في الوقت الحاضر، سيما وان سلة الشروط التي تحتوي على خليط من الرغبات الخليجية والاميركية لا يمكن ان تمكن ميقاتي من تحقيقها، لانه يدرك تماما انه بذلك يسحب صمام الامان عن تفجيرلا يطيح بالحكومة فحسب، انما يخلط كل اوراق المشهد اللبناني سياسيا وامنيا رأسا على عقب.
من هنا، فان انصاف ميقاتي على معمودية النار التي بات في خضمها يستوجب الاعتراف بحنكته وادارته وحسابات الربح الشخصي من جهة، والخسارة الوطنية من جهة اخرى. فهل سيتمكن رئيس «تيار العزم» من عقد العزم ويتحول من موقع الصمود الى ميدان الهجوم بما يملك من اسلحة كفلها له الدستور؟ ام ان حسابات البدر باتت تنذر بقيمة الغلة السياسية فتجعله يختار العزوف. وهذا يتطلب امرا من ثلاثة:
- اولا : اعتماد الهجوم نحو الخصوم كسلاح دفاع عن حكومته.
- ثانيا: الاستمرار بهندسة الازمة وصولا الى الانتخابات، ويتحول من رئيس حكومة فعلية الى رئيس حكومة تصريف اعمال.
- ثالثا: وهذا ما لا نتمناه هو اطلاق رصاصة الرحمة سياسيا على دوره وحكومته والاقتداء بسلفه، ويختار مهنة رجل الاعمال على امتهان السياسة على قاعدته المشهورة النأي بالنفس .
حسين عز الدين