ما يطلبه حزب الله من الحكومة ويرفضه معارضوه
هيام القصيفي الأربعاء 18 أيار 20220
تشكيل حكومة وحدة وطنية يبقى هاجس حزب الله قبل الانتخابات وبعدها. بين رفض قوى معارضة وابتزاز التيار الوطني الحرّ، قد يكون مبكراً توقع مصير حكومة كهذه قبل تموضع الفائزين وتحديد خياراتهم
انتهت الانتخابات النيابية، لكن لبنان دخل فعلياً في أزمة مفتوحة على اتجاهات مجهولة. ليس أولها انتخابات رئاسة المجلس النيابي ثم تشكيل الحكومة، ولا آخرها رئاسة الجمهورية التي اختلطت أوراقها بعد ما أفرزته الانتخابات من نتائج.
فرض حزب الله، منذ مساء 15 أيار وقبل إعلان النتائج النهائية، إيقاع اليوم التالي لها. ما قاله رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد حول تشكيل حكومة وطنية وضرورة قبول الفريق الآخر بها لئلا يقود لبنان إلى الهاوية، وإشارته إلى الحرب الأهلية، جاء ليثبت ما كان مطروحاً سابقاً منذ تجديد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الإصرار على حكومة وحدة وطنية. صحيح أن كلام رعد كان بلهجة أكثر تحذيراً وتشدداً مما قاله نصرالله، لكن المغزى واحد، وكذلك رد الفعل واحد لدى المعارضة «السياسية الحزبية» في رفض ما يريده حزب الله من الحكومة.
لا بد من التذكير، أولاً، بأن حزب الله منذ 17 تشرين تصرّف انطلاقاً من رفضه لاستقالة حكومة الرئيس سعد الحريري التي كانت ممثلة لكل الأطراف، وحرص مراراً على تكرار ضرورة مشاركة الجميع فيها. ولذلك، كانت المطالبة مراراً بتعزيز حصة قوى 8 آذار أو حصة التيار الوطني أو الثلث المعطل شرط حضور الجميع على الطاولة. قد لا تجد المعارضة في موقف الحزب نوعاً من الديموقراطية في قبول الطرف الآخر، بقدر ما ترى فيه محاولة تغطية الحزب من خلال حكومة جامعة، ورفض الاعتراف بالأكثرية، على غرار ما جرى عام 2009. علماً أن حيثيات الانتخابات ونتائجها تشبه، بفارق بعض التفاصيل، معركة عام 2009 التي ربحت فيها قوى 14 آذار الأكثرية، لكنها ذهبت بقرار من الرئيس الحريري والنائب وليد جنبلاط إلى التوافق مع الثنائي الشيعي على القبول بحكومة جامعة.
اليوم، أمام تشكيل الحكومة أكثر من استحقاق لا يتعلق باختيار اسم رئيسها المقبل، بل بعنوانها الأساسي: حكومة أكثرية أو حكومة وطنية أو البقاء في حكومة تصريف الأعمال.
النقطة الأولى في مقاربة الحكومة أن الانتخابات أفرزت «بازل» مختلطاً. وإذا كان حزب الله وحلفاؤه لم يربحوا الأكثرية، فإن الأكثرية تحتاج إلى تحديد نهائي وواضح لها كي تعرف حدودها النهائية ليس لجهة الأرقام المعروفة. إذ يفترض، بداية، تموضع جميع الفائزين في أمكنة غير ملتبسة لبناء نتائج عملية لا مجرد احتمالات لفهم طبيعة الحكومة الجديدة. فالنتائج أفرزت قوى واضحة الاتجاهات حزبية، كالتيار وحزب الله والقوات وحركة أمل والتقدمي الاشتراكي، لكنها أفرزت مجموعة متداخلة من النواب الفائزين من أحزاب المردة والكتائب والمستقلين والمجتمع المدني والشخصيات السنية المعارضة والموالية. كل هؤلاء في حاجة إلى تحديد خياراتهم الحقيقية واتجاه تحالفاتهم، لا سيما الفائزون من «المجتمع المدني»، وهم كتلة نيابية توازي عددياً كتلاً سياسية عريقة. فهل سيحددون مواقفهم مع قوى معارضة على «القطعة» أم بترك مسافة معها أياً كان الملف السياسي؟ وإذا كانت القوات حددت سلفاً موقفها من الحكومة الوطنية، وحدّد النواب المستقلون الفائزون كالنائب ميشال معوض ونواب الكتائب سلفاً خياراتهم في شأن الواقع السياسي والحكومة، فإن هناك نواباً منتخبين لم يحسموا خياراتهم الحكومية، وقد لا يكونوا بعيدين عن «طموحات» التوزير المغرية. إلا أن الأبعد من هذه الطموحات هو أن هؤلاء ليسوا «حالة انقلابية». فهم أتوا إلى قلب النظام عبر مؤسساته وطرقه الدستورية، وهم الآن أمام تحدي التعاطي بالملف السياسي عبر ثلاثة استحقاقات رئيسية وليس مقاربتها فقط على طريقة العناوين العامة كبناء الدولة ومكافحة الفساد والخطط الاقتصادية وبناء المدينة الفاضلة، فبين رئاستي المجلس والحكومة ومن ثم رئاسة الجمهورية، سيكون هؤلاء أمام خيار نعم أم لا، فقط لا غير.
النواب الجدد ليسوا «حالة انقلابية» فقد أتوا إلى قلب النظام عبر مؤسساته وطرقه الدستورية
إلى ذلك، فإن محكاً آخر ينتظر تعاطي حزب الله مع حلفائه بعد الانتخابات. في المحصلة صار حزب الله وحده مع حركة أمل والتيار الوطني الحر. ولم تعد «الودائع السورية» تشكل إطاراً سياسياً واسعاً لقوى 8 آذار. لذا فإن أول من سيتلقى نتيجة الانتخابات هو التيار الوطني الحر الذي رفع سقف توقعاته الحكومية قبل الانتخابات تمهيداً لرئاسة الجمهورية، إذ سيفرض عليه الحزب الكثير من «التواضع». فالحزب الذي رفع حواصل التيار، وأعاد تثبيت قاعدته، لن يؤيده في ما يريده أولاً من الشخصية المرشحة لرئاسة الحكومة، بعدما ذهب الأخير في خيارات لا يريدها الحزب راهناً. ولن يكون متساهلاً في عملية مقاربة التيار ووضع عراقيل لجهة نوعية التمثيل والحصص. علماً أن التيار أو بعض من فيه يحاول «ابتزاز» الحزب بكونه لا يزال الحليف الوحيد الأكثر تمثيلاً مسيحياً وسياسياً، بعد خروج مجموعة من الحلفاء من دائرة الضوء.
والحزب سيكون حكومياً أمام مقاربة جديدة للواقع السني، بعد التشرذم السني والمقاطعة وفوز معارضين له في الانتخابات، وفوز معارضين من المجتمع المدني أيضاً. فأي فريق سني سيكون ممثلاً في الحكومة، علماً أن من يريد حكومة وحدة وطنية لن يذهب منطقياً إلى ترشيح أو الموافقة على خيار شخصية سنية تشكل تحدياً للطرف الآخر. في المقابل، نجح النائب وليد جنبلاط، في ترتيب بيته الدرزي وتركيزه، لكن جنبلاط الذي حدد عناوين المعركة وحصار حزب الله له، سيكون أكثر دراية في التعاطي بملفي رئاسة المجلس والحكومة، لأن ما أراد إثباته في الانتخابات نجح فيه. أبعد من ذلك، يعرف تماماً أين حدود اللعبة وآفاقها، في غياب حليف كالحريري.