بري بِلا مُنازع.. لكن المعركة على نائبه

بري بِلا مُنازع.. لكن المعركة على نائبه

طارق ترشيشي


تحديد رئيس مجلس النواب نبيه بري بصفته رئيس السن، موعد جلسة انتخاب رئيس المجلس النيابي الجديد ونائبه وهيئة مكتبه الثلثاء المقبل، يحتمل أمرين لا ثالث لهما: إما انّ الترتيبات السياسية والتوافقية المطلوبة لانعقاد هذه الجلسة قد أُنجزت، وإما أنّ رئيس السن التزم بالدعوة الى هذه الجلسة ضمن مهلة الـ 15 يوماً الدستورية لإنجاز هذا الاستحقاق. وبين الأمرين ثمة احتمال ثالث، وهو انّ رئيس السن وأمام الانقسام السياسي السائد، أراد بتحديد موعد الجلسة، حضّ كل الكتل النيابية على الإسراع في التوافق في ما بينها، او على الأقل تحمّل مسؤولياتها، لإنجاز هذه العملية الدستورية ضمن مهلتها، حتى لا يبقى المجلس الجديد بلا رئيس ونائب رئيس وهيئة المكتب واللجان ورؤسائها والمقرّرين.

على انّ ترشيح «التيار الوطني الحر» النائب الياس بوصعب لموقع نائب رئيس المجلس بعد تردّد، شكّل في رأي اوساط نيابية بارزة، مؤشراً الى أنّ التحضيرات السياسية للجلسة قد أُنجزت في معظمها، وأنّ المهلة الفاصلة عن موعدها الثلثاء ستكون حاسمة لجهة إنجاز ما تبقّى منها، وكذلك لجهة تبلور مواقف كل الكتل وتموضعاتها وترشيحاتها لموقع نائب رئيس المجلس، إن كان هناك من ترشيحات.


وقد طرح ترشيح «التيار الحر» وتكتل «لبنان القوي» لأبي صعب سؤالاً عمّا سيكون عليه موقفهما من موضوع إعادة انتخاب الرئيس نبيه بري لرئاسة المجلس، خصوصاً انّ موقفهما حتى لحظة ترشيح بو صعب كان رافضاً هذا الامر. بيد انّ الأوساط النيابية تؤكّد انّ بري سيُعاد انتخابه سواء ايّده تكتل «لبنان القوي» أم لا، إذ لا مرشح شيعياً منافساً له، وغالب الظن انّ التكتل غيّر موقفه في اتجاه الاقتراع لبري، ولو كان ما زال رافضاً لما أقدم على ترشيح بوصعب، وهذا الترشيح إن دلّ إلى شيء فإنما يدلّ إلى نجاح المساعي والاتصالات التي أجراها «حزب الله» على محور عين التينة - ميرنا الشالوحي، في تقريب وجهات النظر بينهما، ما يعني ايضاً انّ الجلسة ستنعقد بالنصاب المطلوب، وربما ستكون معركة الانتخاب محصورة بين بوصعب ومرشح «القوات اللبنانية» النائب غسان حاصباني، وربما مرشحين آخرين. حيث انّ «القوات» الرافضة انتخاب بري والمدركة انّه سيُعاد انتخابه، تتواصل مع حلفائها لخوض معركة حاصباني.


وتضيف المصادر النيابية، انّ الاكثرية المطلوبة لانتخاب بري متوافرة، ولكن الاتصالات تركّز على زيادة حجم هذه الأكثرية وتوسيع دائرة المشاركة فيها، حيث انّ هناك حرصاً لدى المعنيين على ان يُنتخب رئيس المجلس بتنوع وطني واسع، من شأنه ان يعزّز دوره ودور المجلس الجديد وفاعليتهما، خصوصاً في هذه المرحلة التي تستدعي أوسع مشاركة وطنية في التصدّي النيابي للأزمة الكبرى التي تهدّد مصير لبنان برمّته.


لكن المعركة على موقع نائب الرئيس ربما سيخوضها البعض على أساس أنّها اول اختبار قوة بين الكتل النيابية في المجلس الجديد، ليبني كل منها على الشيء مقتضاه للمستقبل، خصوصاً انّه بدأت تغزو الأوساط اللبنانية السياسية والشعبية عموماً، مخاوف من عدم نجاح هذا المجلس من تحمّل مسؤولياته في حال استمر الانقسام السياسي الحاد السائد، والذي يبدو انّ الانتخابات بدل من ان تحجمه او تلغيه وسّعت من دائرته. ولذلك، على معركة انتخاب نائب الرئيس بمجرياتها ونتائجها ستتحدّد طبيعة مسار هذا المجلس وطريقة تعاطيه مع الاستحقاقات المقبلة، وأبرزها استحقاق التكليف والتأليف الحكومي الجديد ولاحقاً القضايا التي سيتصدّى لها وهي كثيرة، وصولاً الى استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية الذي ستدخل البلاد في مداره مطلع ايلول المقبل، حيث تبدأ مهلة الـ 60 يوماً الدستورية لانتخاب الرئيس الجديد قبل انتهاء ولاية الرئيس الحالي في 31 تشرين الاول.


لكن المتفائلين بمستقبل الأوضاع، يعتقدون انّ الاختبار الذي يخوضه المجلس الجديد الثلثاء المقبل ليس بالضرورة ان يكون سلبياً، إذا صفت النيات، إذ يفترض انّ النواب القدامى ـ الجدد والجدد مدركون للمخاطر الكبرى التي تهدّد لبنان والضائقة المعيشية القاتلة التي يعانيها اللبنانيون، ما يفرض عليهم تجاوز الخلافات وعبور الاصطفافات السياسية الى اصطفاف وطني يتحمّلون فيه جميعاً مسؤولية إنقاذ البلاد، أولاً عبر تقديم كل الأسباب التي تعجّل في تأليف الحكومة الجديدة، لكي تتحمّل إلى جانب المجلس الجديد مسؤولية وقف الانهيار وتنفيذ الخطط الإصلاحية المطلوبة محلياً ومن المجتمع الدولي لهذه الغاية.


ويرى هؤلاء المتفائلون، انّ أي تعطيل لتأليف الحكومة او الذهاب إلى تأليف حكومة تخفي في مطاويها مخاوف البعض من صيرورة البلاد إلى فراغ رئاسي في الخريف المقبل، فإنّ ذلك قد يعوق إنجاز الاستحقاق الحكومي في موعده.


ويقول هؤلاء، انّ المطلوب تأليف حكومة يشارك فيها الجميع، أي «حكومة شاملة» كما سمّاها مجلس الأمن الدولي واستعجل تأليفها، وذلك من دون الأخذ في الاعتبار ما سيكون عليه مصير الاستحقاق الرئاسي الذي عادة ما تتداخل العوامل الداخلية والخارجية في إعداد «طبخته»، وفي حال حصل فراغ في سدّة الرئاسة تتولّى هذه «الحكومة الشاملة» صلاحيات رئاسة الجمهورية وتدير شؤون البلاد بمسؤولية إلى حين انتخاب الرئيس الجديد.


على انّ فريقاً آخر من السياسيين يبدي تشاؤماً إزاء مستقبل الأوضاع، خصوصاً إذا لم تنتج المفاوضات الاقليمية والدولية الجارية تسويات وتوافقات يعوّل لبنان ان تنعكس عليه إيجاباً. ويقول هؤلاء السياسيون انّ المواقف السياسية السائدة إذا ظلّت على حالها، فإنّها لن تسهّل ولادة حكومة سريعاً وبالتالي سيكون الوضع مفتوحاً على كل الاحتمالات. لكن انتخاب رئيس المجلس ونائبه وهيئة مكتبه ربما تقلّل من وطأة الأزمة الحكومية إذا حصلت، لأنّ وجود مجلس نيابي مكتمل المواصفات الدستورية، وهو مصدر كل السلطات، في إمكانه ان يتولّى إدارة شؤون البلاد بالتعاون مع حكومة تصريف الاعمال، إلى حين التوافق على الحكومة الجديدة وانتخاب رئيس جمهورية جديد.