اقتناص الرئاسة يقابلها تشدد الرياض
الكاتب: وليد شقير | المصدر: اساس ميديا
كان بديهياً أن يستنتج معظم الوسط السياسي أن أمد الفراغ الرئاسي اللبناني لن يكون قصيراً، إثر إعلان رئيس البرلمان نبيه بري أنه صرف النظر عن الدعوة إلى اجتماع للحوار الوطني بين رؤساء وممثلي الكتل النيابية حول إنهاء الشغور في الرئاسة الأولى.
سمع بري من بعض الذين تشاور معهم، أن الحوار لن يؤدي إلى اختراق ينهي الفراغ، لأنه إذا كان يتوقف على تطور خارجي، يرفد توافقاً داخليا للتسوية على الرئاسة، يصعب لبننة الاستحقاق الرئاسي الذي يطمح إليه البعض خاصة بعد ظهور ملامح تبدل في جمود المفاوضات على تجديد الاتفاق الأميركي الإيراني على النووي.
أصحاب هذا الرأي يجزمون بأن تحديد هوية رئيس للجمهورية يتوقف على قبول إيران وبالتالي “حزب الله”، بإنهاء الفراغ. وهذا لن يحصل قبل تجديد التفاوض على النووي ورفع العقوبات الأميركية عن طهران، الأمر المتعذر قبل الدخول في مرحلة ما بعد انتهاء الانتخابات الأميركية النصفية في 8 تشرين الثاني الحالي، حسب قراءة البعض للظروف المحيطة بعملية إعادة تكوين السلطة في لبنان بانتهاء عهد الرئيس ميشال عون.
“حزب الله” لم يبحث بأي خيار غير فرنجية
الأمر يتعلق باستمرار نفوذ إيران من خلال الحزب على الرئاسة اللبنانية بما يخدم المشروع الإيراني على الصعيد الإقليمي، كما حصل خلال السنوات الست الماضية. وهوية الرئيس تحدد مدى استمرارية هذا النفوذ، أو التسليم بتغيير المعادلة التي سمحت للحزب أن يسيطر على هذا الموقع المحوري في السلطة اللبنانية.
هناك من يذهب إلى القول إن بري حسم قراره بالعودة عن الدعوة إلى الحوار، بعد التواصل مع الحزب عبر معاونه السياسي النائب علي حسن خليل، وبعد أن فهم من “حزب الله” أن التوصل إلى توافق على الرئاسة في هذه الظروف صعب وأن الأمور ما زالت في دائرة التعقيد، لا سيما محاولة الأمين العام السيد حسن نصر الله، للتوافق مع رئس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل على تعديل موقفه من دعم مرشحه المفضل هو وبري، رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، قد أخفقت خلال لقائه به قبل زهاء 10 أيام.
“الثنائي الشعي” ما يزال على خياره بدعم ترشح فرنجية، ولم يبحث بخيار آخر حتى الآن رغم إيحائه بإبقاء الأبواب مفتوحة، ورغم وجود موانع داخلية وخارجية عدة أمام الزعيم الزغرتاوي نتيجة تحالفه اللصيق مع “الحزب”، وانتمائه إلى محور الممانعة.
استباق التحولات الخارجية…والإفادة من الترسيم؟
مع ذلك فإن بعض السياسيين المحليين ودبلوماسيي بعض العواصم، الذين يرجحون أن يميل “حزب الله” إلى تسريع إنهاء الفراغ الرئاسي استباقاً لأي تحولات خارجية تضعف موقعه على الساحة الإقليمية، وتدفع طهران إلى تقديم التنازلات بدلاً من تكريس نفوذها الإقليمي، أو بدلاً من السعي إلى المزيد في التوسع في هذا النفوذ. وبالتالي هذا يدفع الحزب إلى التعجيل في اقتناص الرئاسة اللبنانية مرة أخرى لتحصين موقعه وسط تلاطم الأمواج الإقليمية والدولية المفتوحة على شتى الاحتمالات بفعل الحرب في أوكرانيا.
يسهل على من يعتقدون باستعجال الحزب إنهاء الفراغ أن يسوقوا حججاً من النوع السائد في الفضاء الإعلامي:
1ـ الوضع الاقتصادي الاجتماعي المأساوي لا يسمح بتحمل الحزب وجمهوره تبعات المزيد من التدهور في الأوضاع المعيشية التي ستتفاقم مع إطالة الفراغ.
2 ـ تصاعد الاحتجاجات في إيران قد يفرض على طهران القبول بالحد الأقصى الذي قدمه لها الغرب من أجل الحصول على أرصدتها المالية المجمدة للالتفات إلى معالجة وضعها الاقتصادي السيء لأن الجوع الذي ضرب الطبقات الفقيرة في إيران هو أحد المحركات الأساسية لتوسع الاحتجاجات التي أطلقها مقتل مهسا أميني.
3 ـ الخلافات الأميركية السعودية والخليجية والحاجة الغربية للغاز الإيراني بدل الغاز الروسي، فرصة لعقد صفقة مع إدارة الرئيس جو بايدن بعد الانتخابات النصفية الأميركية.
4ـ من الحجج أيضاً أن الصفقة الإيرانية ـ الأميركية حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل تتيح، بصرف النظر عن تعليق التفاوض حول النووي، القيام بمثلها في شأن الرئاسة في لبنان، يضمن من خلالها الحزب الاستقرار اللبناني مثلما ضمن الاتفاق على الترسيم البحري الاستقرار على الحدود مع إسرائيل.
لا تغيير عن فرنجية مقابل الموقف السعودي
الحزب وبري لم يغادرا خيار فرنجية، رغم استمرار رفض باسيل التصويت له، وفق مراهنة على ضمان التوافق عليه مع الأخير، ما يضمن ال61 صوتاً من أصل 65 صوتاً يمثلون الأكثرية المطلقة في الدورة الثانية للانتخاب، على أن يعملا لتأمين الأصوات الأربعة الأخرى لصالحه، عبر إقناع بري لصديقه رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط بتجيير هذه الأصوات الأربعة له من أصل النواب الثمانية لكتلته النيابية. وفي حال تعذر ذلك، فالعمل على تأمين الأصوات الأربعة من النواب السنة والمستقلين الشماليين، ممن لهم علاقة مع فرنجية. هذه هي حسابات الحزب وفق من يتحدثون عن حيثيات استعجاله انتخاب الرئيس، رغم أنها حسابات غير مضمونة حتى الآن، سواء بالنسبة إلى جنبلاط أو إلى النواب الشماليين والمستقلين. وفي كل الأحوال فإن باسيل اقترح على نصر الله الاتفاق مع الزعيم الشمالي على مرشح ثالث، غيره هو وغير فرنجية.
كما أن ثبات الثنائي الشيعي على خيار فرنجية لا يأخذ في الاعتبار وضوح موقف القوى السيادية والتغييرية والمستقلين برفض هذا الخيار، محلياً. والأهم وضوح الموقف الخليجي المعروف، برفض مرشح يضمن استمرارية للعهد العوني من زاوية تحالفه اللصيق مع الحزب وإيران، والذي عبر عنه السفير السعودي في بيروت وليد بخاري قبل 5 أيام، في 31 تشرين الأول، بقوله إن “العلاقات السعودية اللبنانية ستتحسن بعد تشكيل حكومة جديدة وانتخاب رئيس جمهورية سيادي يستعيد ثقة المملكة والدول المهتمة بالملف اللبناني”. وهو الوجه الآخر الدبلوماسي، للموقف السعودي الذي تبلغته عواصم كبرى ومعظم الفرقاء اللبنانيين، من الرياض والذي يمكن اختصاره بالآتي: لا استعداد لدى المملكة لمساعدة لبنان بفلس واحد في حال انتخاب رئيس موالٍ ل”حزب الله”. القادة السعوديون ليسوا في وارد المغامرة بالقبول برئيس يكرر تجربة العماد ميشال عون مجدداً، بعدما تركوا حلفاءهم في العام 2016 يخوضون تلك المقامرة التي حولت لبنان إلى منصة انطلاق لخطط التعرض للمملكة أمنياً وسياسياً وإعلامياً، فضلاً عن امتناع التركبة الحاكمة عن إجراء الإصلاحات المطلوبة، كشرط لتقدم المساعدة المالية للبلد… والموقف السعودي الخليجي من الرئاسة مفصلي، إذا كانت هوية الرئيس أو التسوية عليه ستنقل لبنان إلى مرحلة جديدة، لأن المساعدات المالية لانتقال البلد إلى النهوض من مأزقه ستكون من دول الخليج وفي طليعتها السعودية، فيما ستكون حصة الغرب وصندوق النقد منها رمزية لتحفيز الاستثمارات الخليجية.
الصراع مع طهران يتصعد
الأرجح أن يبقى لبنان في حالة ضياع في المرحلة المقبلة، معلّقاً على حسابات افتراضية في سياق الصراعات الإقليمية، لا يأبه أصحابها لإلحاح انتقاله إلى سكة التعافي. والخشية هي من أن المراهنات على اندفاعة نحو تسوية خارجية حول الرئاسة، يأمل البعض بها جراء البيانات المتلاحقة التي صدرت في الأيام الأولى داعية إلى إنهاء الشغور، من فرنسا والاتحاد الأوروبي والقمة العربية في الجزائر، وأميركا ومجموعة الدعم الدولية…أن تُتَرجم مبادرات ضاغطة، لا تبدو حاصلة. بل أن هناك اعتقاد بأن الاهتمام بلبنان سيتضاءل إلى أدنى الحدود، لأن للدول الغربية أولويات أخرى بعدما نالت ما يهمها بترسيم الحدود البحرية، بحيث تحصل على الغاز الإسرائيلي كجزء من بدائل الغاز الروسي للشتاء، وتضمن استقراراً أمنياً على الحدود بين الدولتين. أما الغاز اللبناني فظهوره سيأخذ سنوات. وقد ينحصر الاهتمام الدولي لا سيما الأميركي بمحاصرة مفاعيل عودة بنيامين نتانياهو إلى السلطة في إسرائيل على اتفاق الترسيم، إثر تهديده بإلغائه، في رسالة موجهة إلى إدارة بايدن أكثر مما هي موجهة إلى لبنان، لفتح بازاز التفاوض معه على قضايا عديدة عالقة بين الدولتين، منها الموقف من إيران.