الخلاف الأكبر... ماذا لو انفرط عقد "الصداقة" بين "حزب الله" و"الوطني الحر"؟
بعد أيام على انفجار "الخلاف" بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، على خلفية مباشرة هي جلسة مجلس الوزراء التي خاض "العونيون" معركة لمنع انعقادها وباركها "الحزب"، وخلفيات غير مباشرة بالجملة، أهمّها الخيارات الرئاسية غير المُعلَنة، يبدو أنّ العلاقة بين الجانبين تمرّ بمنعطف هو الأول من نوعه منذ إبرام تفاهم مار مخايل الشهير، رغم كلّ "العواصف" التي واجهها سابقًا، واعتُبِرت بمجملها "غيمة صيف"، لا أكثر.
لعلّ خير دليل على أنّ "الخلاف" الناشب بين الطرفين لا يشبه غيره، وأنه "الأكبر" بلا منازع، منذ "تفاهم" الجانبين، الذي أضحى لسنوات "التحالف الأقوى" في المعادلة اللبنانية، يكمن في أنّه انتقل إلى العَلَن للمرّة الأولى، حيث رُصِد "الحزب" و"التيار" يتساجلان على الهواء مباشرة، وعبر بيانات مضادة، وهو ما كان يرفض "حزب الله" تحديدًا الانجرار إليه دائمًا، بحجّة أنّ الخلافات بين الحلفاء تُحَلّ داخل الغرف المغلقة.
وفي بيان "حزب الله" تحديدًا، الذي اتهم فيه رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل بـ"الكذب" بطريقة ملطّفة، وإن أعطاه عذرًا "تخفيفيًا" بالقول إنّ الأمر ربما "التبس عليه"، سُجّلت "مفارقة" لافتة، من خلال وصف "التيار" بـ"الصديق" لا "الحليف"، وهي صفة عاد وكرّرها "التيار" في بيان الردّ الذي أصدره، وهو وصف قد يكون له معانيه ودلالاته، وإن اعتبر البعض أنّه أعطي أكثر من حجمه بشكل أو بآخر.
لكن، إذا كان "الحزب" و"التيار" قد أصبحا صديقَين، لا حليفَين، فما الذي يعنيه ذلك؟ وماذا لو انفرط عقد هذه الصداقة بنتيجة الخلاف الذي قد لا يكون ضبطه يسيرًا، في ظلّ "الافتراق الواضح" على خط الاستحقاق الرئاسي؟ كيف سينعكس ذلك على الرئاسة وما بعد الرئاسة وربما ما بعد بعدها، من استحقاقات وتحديات منتظرة؟ هل يغيّر "التيار" تموضعه مثلاً، أم يصبح "بلا حلفاء"، تمامًا كما هو وضعه اليوم، ولكن بلا "حزب الله" أيضًا؟!.
الأكيد بدايةً أنّ علاقة "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" تكاد تكون "الأسوأ" في تاريخ ما بعد تفاهم مار مخايل، بمعزل عن واقعة "جلسة" حكومة تصريف الأعمال، التي قد تكون تفصيلاً في المشهد، وما كانت لتفجّر الخلاف لو لم تكن "القلوب مليانة" قبلها، حيث يبدو أنّ لكل طرف "تحفظات" بالجملة على أداء الطرف الآخر، وطريقة تعاطيه معه، ومقاربته للاستحقاقات الكبرى، ولا سيما استحقاق رئاسة الجمهورية.
فصحيح أنّ "الانتفاضة العونية" على "حزب الله" جاءت على خلفية جلسة الحكومة، التي يمكن اعتبارها "القشة التي قصمت ظهر البعير"، باعتبار أنّ الحزب بتغطيته هذه الجلسة "غير الدستورية ولا القانونية، وفق توصيف "التيار"، بل "مباركته" لها، ضرب الشراكة الوطنية، كما جاهر نواب من تكتل "لبنان القوي"، لكنّ الأصحّ أنّ "العونيّين" ممتعضون من تعاطي الحزب معهم في الآونة الأخيرة، خلافًا لما درجت عليه العادة.
يقول "العونيّون" صراحة إنّ مشكلتهم مع الحزب تتعلق بدرجة أساسيّة بـ"تفضيله" الواضح لرئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية رئاسيًا عليهم، وتمسّكه بترشيحه رغم رفض "التيار" الصريح لأيّ نقاش بشأنه، وهو ما دفع الوزير باسيل إلى التأكيد مرارًا وتكرارًا أنّه لا يجد أي سبب "موجب" لدعمه، وهو ما لم يجد صدى لدى الحزب، الذي بقي مصرًا على مساندة فرنجية، والمراهنة على "استمالة" باسيل في الوقت المناسب.
في المقابل، يعتبر العارفون بأدبيّات "حزب الله" أنّ المشكلة مع "التيار" تكمن في "تمادي" باسيل كثيرًا في المواجهة لحدّ اتهام الحزب بنعوت لا تليق به، وهو "تماهى" إلى حدّ بعيد مع خصوم المقاومة حين ادعى أنّ "الصادقين لم ينكثوا بالوعد"، علمًا أنّ هؤلاء يؤكدون أنّ أيّ بيان ما كان ليصدر لولا هذه العبارة التي وجد الحزب أنّ "تمريرها لا يجوز"، خصوصًا أنّها ترافقت مع "تطرف" رُصِد لدى بعض قياديي "التيار" ممّن تحدّثوا عن "غدر وخيانة" وما شابه ذلك.
ويقرّ هؤلاء بوجود "خلاف" بين "الحزب" و"التيار" على خلفية مقاربة الملف الرئاسي، قد يكون هو الذي أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه، إلا أنّهم يشيرون إلى أن الحزب يتصرّف بـ"عقلانية" إزاءه، فهو لجأ إلى "الأوراق البيضاء" لتفادي "الإحراج" بين حليفيه، اللذين حاول ولا يزال التقريب بينهما، وهو لم يعلن حتى الآن دعم أيّ من المرشحين، بمن فيهم فرنجية، ولو أنّ باسيل نفسه "فضح" ذلك، حين كشف عن كواليس لقاءات الغرف الضيّقة، بشكل فاجأ كثيرين.
صحيح أنّ الرأي الغالب داخل "الحزب" و"التيار" يقول إنّ الجانبين سيتجاوزان الخلاف عاجلاً أم آجلاً، تمامًا كما فعلا في السابق، إلا أنّ "الخشية" من تفاقمه أكثر إذا ما طال أمد الفراغ الرئاسي يبقى مشروعًا، علمًا أنّ هناك من يعتبر أنّ "حزب الله" لم يتلقّف بإيجابية ما وُصِفت بحركات "النكد" التي أفرزتها جلسة انتخاب الرئيس الأخيرة، والتي أفضت إلى "تعادل" بين الورقة البيضاء ومرشح المعارضة، كان نواب "التيار" أول من هلّلوا له.
في هذا السياق، يرى العارفون أنّ "التيار" وجّه أكثر من رسالة إلى "الحزب"، من دون أن يصل به الأمر إلى حدّ "الانقلاب على الذات"، عبر "تهريب" أصوات للنائب ميشال معوض بما يرفع رصيده، لكنّ تأمينه "التعادل" بينه وبين الورقة البيضاء لأول مرة، معطوفة على أوراق "ملغّمة"، لعبت على اسمي "ميشال" و"معوض" كل على حدة، كلها عوامل أسهمت في "تعقيد" الأمور أكثر، وقد فُهِمت "تلميحًا" لقدرة "التيار" على تغيير تموضعه.
إلا أنّ مثل هذا الخيار لا يبدو واردًا، وفق ما يقول العارفون في ظلّ الظروف الموضوعية الحالية، حتى في حال أصرّ "حزب الله" على دعم فرنجية، وانتهت بالتالي مفاعيل "الصداقة" بين الجانبين، حيث يعتبر هؤلاء أنّ "التيار" على عكس ذلك، يسعى لـ"ابتزاز" الحزب، المحتاج إليه بشكل أو بآخر، ولضمان عدم إقدامه على أيّ تصرف "أحادي" في الرئاسة كما فعل في الحكومة، رغم "ضمانات" المرور "الإلزامي" من خلاله.
في النتيجة، يدرك "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" أن انفراط عقد "الصداقة" يضرّ بهما سويًا، في حين أن قائمة المستفيدين منه، بل المراهنين عليه، تكاد تشمل جميع اللاعبين الآخرين على الساحة، ولذلك فهما على الأرجح لن "يفرّطا" بتفاهمهما. إلا أنّ الأكيد أنّ ما يحصل اليوم يتطلب بإعادة النظر بالكثير من الأمور، من بنود التفاهم نفسه وضرورة توسيعها، إلى طبيعة الأداء، ووجوب "عقلنته" بشكل أو بآخر، بعيدًا عن "كيديات" لا تقدم ولا تؤخر!.