الصين والعالم العربي- السياسة لواشنطن والاقتصاد لبكين!
مهما كانت زيارة الرئيس الصيني الأخيرة للسعودية مهمة لتعزيز التعاون العربي الصيني، فإن هذا التعاون سيبقى في حدود لا يؤثر فيها بشكل سلبي ملموس على العلاقات مع واشنطن. ما أسباب ذلك؟ وكيف ستتطور علاقة العرب مع بكين؟
هل تنجح الصين فعليا في تطوير علاقاتها مع السعودية إلى مستوى علاقات استراتيجية رغم تحالفها الوثيق مع واشنطن؟
يحلو للمسؤولين العرب والصينيين وصف الزيارة الأخيرة للرئيس الصيني شي جينبينغ في النصف الأول من الشهر الجاري ديسمبر/ كانون الأول 2022 للسعودية بأنها تاريخية وتؤسس لنقلة نوعية في مجال التعاون والتنمية بين العالم العربي والصين. وقد تميزت هذه الزيارة بأنها شهدت ثلاث قمم بين بكين والسعودية، وبين الصين ودول الخليج، إضافة إلى قمة عربية صينية هي الأولى من نوعها.
وتأتي هذه الزيارة في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الخليجية الأمريكية توترات لأسباب من أبرزها سياسة الطاقة والتعاون مع روسيا وخوف الخليجيين من تراجع اهتمام واشنطن مستقبلا بأمن منطقتهم. في الشكل تبدو الزيارة تاريخية، ولكن ماذا عن المضمون؟ سياسيا وأمنيا من المستبعد للصين أن تلعب دورا بارزا على حساب الدور الأمريكي المهيمن في العالم العربي وخاصة في دول الخليج. ويعود السبب في ذلك إلى الأهمية الحيوية لهذه الدول في مجال تزويد العالم بمصادر الطاقة، وإلى أهميتها الجيوسياسية بالنسبة لواشنطن ومصالحها.
الاقتصاد للصين والسياسة لواشنطن!
وإذا كان النفوذ السياسي للصين مؤجل إلى أجل غير مسمى، فماذا عن ذلك على الصعيد الاقتصادي الذي يبدو التعاون المستقبلي فيه ورديا بحكم الفرص الكثيرة التي يتيحها؟ وعلى ضوء هذه الفرص والاهتمام الصيني المتزايد بمزيد من النشاط في الشرق الأوسط وخاصة في السعودية، تم التوقيع على 34 اتفاقية استثمارية مع الجانب السعودي بقيمة تزيد على 29 مليار مليار دولار. وإضافة إلى الاتفاقيات المذكورة تم التوقيع بين الصين والسعودية على "اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة " والاتفاق على وضع آليات لدفع العمل الصيني العربي المشترك وإنشاء مجلس استثمار صيني خليجي. ويعكس توقيع هذه الاتفاقيات رغبة صينية وعربية معلنة في نقل التعاون من التبادل التجاري إلى الاستثمارات المشتركة، وخاصة مع دول الخليج في مجالات تشمل البنى التحتية والطاقة والاتصالات ومصادر الطاقة والصناعات الكيميائية. وهو الأمر الذي أكد عليه الرئيس الصيني بالقول: "إن الدول الخليجية والصين يمكنها تحقيق التكامل الاقتصادي والصناعي وتعزيز الشراكة ودفع التنمية".
الصين مهتمة أيضا بتطوير الصناعات البتروكيماوية الخليجية لضمان أمن الطاقة لديها، هل تنجح في كسب المزيد من النفوذ هناك؟
ضربة صينية موجعة للسلع التقليدية العربية
حتى الآن يتركز التعاون العربي الصيني على التبادل التجاري الذي ينمو بمعدلات من بين الأعلى في العالم. وقد جعل هذا النمو من الصين أكبر شريك تجاري لجميع الدول العربية، وخاصة في مجال الصادرات الصينية التي تغزو العالم العربي من كل حدب وصوب كما تفعل في أسواق أخرى. ووصل حجم هذا التبادل حسب المصادر الصينية إلى 330 مليار دولار خلال السنة الماضية 2021 مقارنة بنحو 190 مليار دولار في عام 2011. وفي الوقت الذي ينمو فيه هذا التبادل ويزدهر، لاسيما في مجال الاستيراد من الصين، فإن حجم الاستثمارات المباشرة المتبادلة بين الطرفين لا يزال في غاية الضعف وبحدود 27 مليار دولار فقط. وعلى الرغم من أن الصين أكبر مستورد للنفط من العالم العربي كونها تستورد نصف احتياجاتها منه، فإن التبادل يميل لصالحها. ويأتي ذلك من كونها المصدر الأساسي لمعظم المنتجات الاستهلاكية المنزلية والسلع الإلكترونية المنزلية والهواتف وألعاب الأطفال في الأسواق العربية. وتحتل الأقمشة والألبسة ومكونات الأحذية الصينية مكانة متزايدة في هذه الأسواق على حساب المنتجات التقليدية والمحلية العربية التي تتراجع أمام ضربات المنافسة الصينية العاتية. وهو الأمر الذي يضعف صناعة هذه المنتجات محليا ويهمش دورها أكثر فأكثر في عالم يتجه إلى مزيد من الحمائية والاعتماد على المنتج المحلي.
تريد الدول العربية أو غالبيتها على الأقل تنويع مصادر دخلها من خلال التخلص من الاعتماد على مصدر وحيد أو بضعة مصادر للدخل كالنفط والغاز والفوسفات وفلزات الحديد وغيرها. وقد وضعت دول كالسعودية ومصر والعراق خططا طموحة وبرامج لتنفيذ مشاريع متنوعة تأمل أن تساعدها على ذلك. ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر مشاريع بنى تحتية كبيرة من مرافئ وطرق ومدن صناعية ومحطات الطاقة المتجددة وشبكات الاتصال ومؤسسات صناعية في العراق ومصر والجزائر والكويت وغيرها. وتبني السعودية مدينة "نيوم" للعلوم والتكنولوجيا بتكلفة تصل إلى 500 مليار دولار. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: إلى أي مدى تريد الصين المشاركة في هذه المشاريع وتطويرها؟
مما لا شك فيه أن الصين ليست مقبلة على ضخ استثتمارات مباشرة كبيرة في الدول العربية بشكل يؤدي إلى إقامة صناعات محلية تنافس منتجاتها في هذه الدول. فالصين مثلها مثل الدول الصناعية الأخرى، تريد بيع المزيد من منتجاتها في الأسواق الخارجية النامية ومنها العربية. غير أن بكين وخاصة في هذا الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد الصيني من تراجع معدلات النمو على وقع جائحة كورونا، تسعى هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى إلى تعزيز مشاركتها في بناء المشاريع الضخمة المغرية التي تم التخطيط لها في الدول العربية الغنية بالنفط وفي مصر والعراق والجزائر. ويقف وراء هذا السعي المبالغ الخيالية التي سيتم إنفاقها على هذه المشاريع والتي تزيد على تريليون دولار خلال السنوات الست القادمة. ومن شأن مشاركة صينية أوسع فيها مساعدة بكين على تعزيز أمن الطاقة لديها من خلال ضمان تدفق وارداتها من النفط والغاز، وتحقيق أرباح كبيرة للشركات الصينية التي تعاني من تبعات كورونا وبطء نمو الاقتصاد الصيني. وبالنسبة للجانب العربي فإن مثل هذه المشاركة تعزز فرص تنويع مصادر الدخل، ولكن في نطاق محدود على الأرجح.
الكاتب
إبراهيم محمد/ منقول وكالات