الخارج لا يلجأ إلى ضغوط “حتى الآن”

الخارج لا يلجأ إلى ضغوط “حتى الآن”

الكاتب: روزانا بو منصف | المصدر: النهار

15 كانون الأول 2022

من المستغرب ان تشبه الكنيسة المارونية اكثر فاكثر زعماء الاحزاب المسيحيين كما غالبية الزعماء السياسيين في التركيز على مسائل سياسية لا يمكن القول انها ليست مهمة انما ليست هي كل ما تدور حوله حياة المواطنين لا سيما حين يتخطى سعر الدولار الاميركي 43 الف ليرة وتزداد الصعوبات امام اللبنانيين فيما تغيب هذه العناصر من بيان المطارنة لمصلحة تكرار غير مفهوم لموضوع اجتماع حكومة تصريف الاعمال والتركيز فحسب على انتخاب رئيس للجمهورية .

سيحصل انتخاب رئيس للجمهورية في مرحلة ما يعتقد مراقبون ديبلوماسيون انها لن تتأخر ان لم يكن نتيجة لضغوط او تهديدات خارجية لا تحصل حتى الان، انما نتيجة مساومات وربما مكافآت ما يحصل عليها المعارضون الذين يرفعون لواء اعتبارات مبدئية تتبناها الكنيسة في حين انها ليست كذلك وخاضعة للبيع والشراء. ولكن الضغوط الداخلية على غرار الزحف المتوالي لتراجع سعر صرف الليرة اللبنانية وتوالي انهيارها وما تستدرجه من مفاعيل تضخمية على كل المستويات ستكون في حد ذاتها فاعلة وان لم يكن على نحو كاف حتى الان لان لا احساس للمسؤولين بالمسؤولية . ولكن مع اقفال باب الحوار الذي كان يريده رئيس مجلس النواب نبيه بري بغض النظر عن جدواه وصحته من عدمهما ومع تعجيز اجتماع مجلس الوزراء لادارة البلد في انتظار انتخاب رئيس للجمهورية ومع تعطيل انتخاب هذا الاخير، فان البلد لن يحتمل نحرًا اكثر مما يحتمل وكذلك بالنسبة الى اللبنانيين . ولا الخارج يمكن ان يحتمل ذلك عبر اطالة عمر الشغور الرئاسي كما حصل في 2014 وحتى 2016 ابتزازا حتى انتخاب ميشال عون . فهذا الزمن ولى ولن يتكرر حتى ولن يسمح به الخارج تحت اي ظرف حتى لو لم يرفع لواء الضغوط والتهديدات بالعقوبات بعد كما رفعها الاتحاد الاوروبي مثلا في مرحلة تعطيل تأليف حكومة قبل الوصول الى تأليف حكومة نجيب ميقاتي انما من دون ان ينفذها فعلا . وعلى رغم الحذر من اللجوء الى العقوبات لاعتبارات مختلفة والبعض يقول لعدم نجاح جدواها في مرحلة لا يزال يفضل كثر ابقاء سبل اخرى للاقناع ، فانها تبقى ورقة يتم التلويح بها عند الحاجة كعصا في مقابل الجزرة التي ترفع ازاءها . وبغض النظر عن امكان نجاح العقوبات او التهديدات من عدمها، فان نموذج العقوبات الاميركية على رئيس التيار العوني ينبغي ان يكون كافيا من اجل تقرير المعرقلين ما اذا كانوا يريدون الوصول الى هذه النقطة ام لا .

وعدم الوصول الى نقطة الضغوط بعد يعود الى ان الاتصالات والمساعي قائمة بقوة على رغم التغطية بغبار العنتريات الداخلية التي تستخدم لرفع الاثمان وتحسين الشروط . واكثر الانظار موجهة الى قطر باعتبارها الدولة الخليجية والعربية الوحيدة التي تتيح لرئيس التيار العوني زيارتها ، حيث يكبر الاعتقاد بانها تلعب دورا على طريق تليين بعض العزائم على غرار ما حصل في اتفاق الدوحة التي ذهب اليها ميشال عون وفي جيبه رئاسة جمهورية موعودة من ” #حزب الله” وعاد منها مسلما بقرار انتخاب العماد ميشال سليمان نتيجة تفاهمات اقليمية اكبر منه. ولكنه نجح مع حليفه الشيعي في تعطيلها لاحقا . والتسليم لقطر بذلك يعود لتواصلها المحتمل مع ايران كذلك فيما تنأى كل من الولايات المتحدة وفرنسا واكثر المملكة العربية السعودية عن القيام بذلك . فثمة في جوهر اي تسوية اقرار ضمني او تسليم بامر واقع لا يمكن القفز فوقه يتصل بالمدى الذي يتمتع به ” حزب الله” اي ايران ولمصلحة امكان اعادة تأمين انخراط خليجي الى جانب لبنان . وحين اعلى ” حزب الله” الصوت بمواصفاته للرئيس العتيد الذي ينبغي الا يأخذ اوامر من القيادة الوسطى الاميركية او ان لا يكون محسوبا على الاميركيين ، سمع مسؤول اجنبي يقول تعقيبا على الخطاب انه يوافق الحزب ربما ولمرة وحيدة ونادرة على هذه النقطة بالذات بحيث ينبغي الا يكون رئيس الجمهورية محسوبا على احد ولا يأخذ اوامر من احد .

ففي ظل التركيز على انتخاب رئيس للجمهورية ، يخشى ان تحصل تنازلات شكلية او ظاهرية وليس تنازلات جوهرية لا يبدو مجالها متاحا راهنا في ظل الحاجة من الجميع في الداخل الى ماء الوجه خشية هزائم معنوية لن تساعد البلد . وهي الحال نفسها التي تنطبق الى حد كبير على الخارج الذي لا يزال مهتما بلبنان ويود انهاء ملف وضع لبنان على السكة المطلوبة تجنبا لعدم المزيد من الانهيار وربما اعادة النهوض اذا احسن السياسيون ادارة الامور ، وهو امر مشكوك فيه قياسا الى الاعوام الماضية . ولكن هذا الخارج لن يقبل باقل من ماء الوجه كذلك على رغم معرفته بصعوبة حصول تغييرات جوهرية في هذه المرحلة ولكنه اقصى ما يمكن حصوله على امل ان يبدأ التغيير في مكان ما ويساهم في احداث فارق لاحقا . ولكن ابعد من انتخاب رئيس للجمهورية فحسب ، يتصل بما اذا سيشكل انتخابه مرحلة فاصلة عما سبقها ، وهذا ما لا يظهر الاستعداد له حتى الان ، ولا يمكن ان تتيحها اثمان سياسية تدفع من اجل ذلك فيما ان المشكلة الاكبر التي ينبغي ان تشكل محور قلق عميق لدى الطوائف المسيحية ان كل موعد لانتخاب رئيس للجمهورية بات يشكل قطوعا صعبا اكثر فاكثر فيما ان الامور لا تبقى على حالها من مرة الى اخرى.