ماكرون «أَحْضر» لبنان إلى «بغداد 2» والأمم المتحدة «تراقب» التحقيق بمقتل الجندي الايرلندي
الكاتب: وسام أبوحرفوش | المصدر: الراي الكويتية
21 كانون الأول 2022
عَكَستْ كلمةُ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في انطلاق مؤتمر «بغداد 2» في الأردن، أمس، وتأكيده أن «أزمات العراق وسورية ولبنان تتطلب لحلّها أجندة تعاون صادقة بين الدول المعنية» إصرارَ «سيد الاليزيه» على وضْعِ الملف اللبناني على جدولِ الاهتماماتِ الاقليمية، من دون أن يعني ذلك بأي حال القفزَ نحو استنتاجاتٍ بإمكان توفير التقاطعات المطلوبة سريعاً لتفكيك الأزمات التي تقبض على «بلاد الأرز» بدءاً من ملء الشغور في رئاسة الجمهورية وضخّ الحياة في «النظام التشغيلي» للحُكْم الذي يكبّله صراعٌ سياسي بأبعاد خارجية فوق ركام انهيارٍ مالي مازال يتمدّد منذ نحو 3 أعوام.
واعتُبر موقف ماكرون مؤشراً إلى مَخاوف باريس من أن يلتحقَ الوضع اللبناني بالساحات اللاهبة في المنطقة، وتأكيداً في الوقت نفسه على أن الأزمة والحلّ في «بلاد الأرز» لهما بُعد إقليمي – دولي يعْلو على الوقائع المحلية، رغم أهمية التوازنات الداخلية في تحديد كيفية «توزيع المَقاعد» حول أي «طاولة» خارجية ولو اتّخذت شكل لقاءات ثنائية أو ثلاثية تتناول كيفية وقف تَدَحْرُج الوطن الصغير في قلب القعر المفتوح.
وشخصتْ الأنظارُ في بيروت على اللقاءاتِ التي تُعقد على هامش قمة بغداد 2 وسط رصْدٍ لِما إذا كان إعلاءُ الغرب عنوانيْ «وقف الدعم العسكري لروسيا والقمْع الداخلي في إيران» في مبحاثاته مع طهران وذلك على حسابِ الملف النووي الذي وصلتْ مفاوضاته الى طريق مسدود، سيجعل طهران تَمْضي في ما يبدو محاولاتٍ لفتْح «أبواب جانبية» – سواء على سبيل المناورة أو تخفيف الضغوط – عبّر عنها خطاب «إعادة بناء الثقة والتعاون البنّاء مع دول الخليج»، وتالياً تُظْهِر مرونةً في الملف الرئاسي اللبناني، وسط اقتناعٍ بأن أيّ مآل لهذا الاستحقاق تحت هذا السقف لن يَعكس إلا تراجُعاً تكتياً أقرب الى «احتواء العاصفة» لبنانياً في ضوء حجم تحكُّم «حزب الله» بمفاصل اللعبة و… ونتائجها.
ولم يكن عابراً أمس أن مجمل الواقع اللبناني والانتخابات الرئاسية كانا محور زيارة السفير السعودي في بيروت وليد بخاري للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، الذي يرفع الصوت تكراراً داعياً للإسراع بإنهاء الشغور الرئاسي والدعوة لمؤتمر دولي حول لبنان واعتراضاً على وضعية «حزب الله» والسلاح غير الشرعي.
ورغم أن بخاري غادر بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، فإن تقارير أشارت إلى أن السفير السعودي تمنى انتخاب رئيس يكون مقبولاً من الجميع ومنفتحاً على الجميع وقادراً على أن يعيد علاقات لبنان إلى أفضل أحوالها مع الدول العربية، وأنه أكد ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية بأسرع وقت وتشكيل حكومة منسجمة مع الرئيس للنهوض بالبلد، وان المملكة لن تتردد في القيام بأي جهد يُطلب للمساعدة في موضوع الانتخابات وان التنسيق مع الجانب الفرنسي مستمر.
وفي موازاة ذلك، وفيما كانت العملة الوطنية «تحترق» على نار قياسية مع بلوغ دولار بيروت للمرة الأولى 45 ألف ليرة وسط خشية من ألّا تكون عتبةَ الـ 50 ألفاً بعيدة، احتلّ العنوان الأمني حيزاً من الاهتمام الداخلي على جبهتين:
الأولى ما أعلنه المتحدّث باسم الجيش الاسرائيلي أفيخاي أدرعي أن «قوّات الجيش رصدت مسيّرة درون تسلّلت من داخل لبنان، في بلدة زرعيت، وقامت بإسقاطها بعدما تابعتها أنظمة المراقبة طيلة الحادث». ولفت إلى أن «المسيّرة، كما يبدو»، تعود إلى حزب الله.
* والثانية التحقيقات في الاعتداء على اليونيفيل في جنوب لبنان قبل أسبوع ومقتل الجندي الإيرلندي وجرْح 3 آخرين من وحدة بلاده.
وفيما كانت تقارير في وسائل إعلام ايرلندية تشير إلى أنّه ليس من الواضح إذا كانت حادثة العاقبية ستدفع إيرلندا لتقييم التزامها مع قوات «اليونيفيل» في لبنان، فإن أوساطاً مطلعة ترى أن مآل التحقيقات في جريمة العاقبية ومدى قدرة فريق المحققين الايرلنديين كما مخابرات الجيش اللبناني على كشْف كل ملابسات ما حصل، وتوقيف الفاعل أو الفاعلين ستكون حاسمة في تحديد الخطوة التالية أقله من جانب ايرلندا «المصابة» مع الجندي الذي قُتل برصاصة في الرأس.
وعلى وقْع معلومات عن أن اللجنة الإيرلندية المكلفة متابعة مسار التحقيقات اللبنانية استمعتْ لشهادات الجنود الإيرلنديين الذين «أفلتوا» من حادثة العاقبية، وهو ما سيتيح تكوين صورة حقيقية عن ملابسات دخول الآلية الطريق الداخلية حيث تجمهر حولها «الأهالي» وهل استُدرجت للدخول وهل تم إطلاق النار على الجندي الضحية وتالياً قتله بعد انقلاب الآلية وليس بالرصاص «عن بُعد»، أعلنتْ المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا أن ما حصل في العاقبية «حادث مأسوي جداً»، كاشفة أنه «من اللحظة الأولى كنت واضحة جداً بأننا بحاجة لتحقيق سريع وشفاف لأن فقط هذا سيتيح أن نعرف ما الذي جرى، وهنا مفهوم المحاسبة مهم جداً، وإيرلندا التي تشارك في اليونيفيل منذ بداية عملها في الجنوب تستحق التقدير لجنودها الذين يخدمون السلام والاستقرار».
وقالت في حديث تلفزيوني رداً على سؤال حول كلام رئيس وزراء ايرلندا عن «بيئة معادية في الجنوب» وهل تعتقد أن لـ«حزب الله» يداً في ما حصل: «بعد الحادث السلطات اللبنانية اتخذت موقفاً مما جرى، وقدّموا التعازي لليونيفيل وسلطات ايرلندا وأسرة الجندي، وهذا ايجابي ونشعر بنوع من التضامن، وهذا له بُعد انساني».
واضافت: «لكن في هذه الظروف، التعاون بين السلطات المحلية والأمم المتحدة مهمّ لنثبت ماذا حصل. وأفضّل في هذه الظروف انتظار نتائج التحقيق لأن هناك اجراءات معينة من اليونيفيل وسلطات لبنان وكذلك السلطات الايرلدنية. وأحياناً هذه إجراءات دقيقة وكلٌّ يقوم بها بسرية إذ هكذا نصل للحقيقة بموضوعية».
وحين سئلت عن التمديد الذي حصل نهاية أغسطس لليونيفيل وما تضمّنه من أن القوة الدولية «لا تحتاج لإذن مسبق للقيام بمهماتها وأن لها حرية الحركة ضمن مناطق عملها وهذا ما تم رفضه من بعض الجهات وخصوصاً حزب الله»، وهل هذا كان وراء ما جرى في العاقبية، قالت: «كل سنة يتم تمديد ولاية اليونيفيل من مجلس الأمن.
والبند عن ولاية اليونيفيل البعض يقرأون انه جديد ولكن بصراحة ولاية اليونيفيل لم تتغيّر منذ بداية وجودها.
ومن حقّها أن تتحرّك في لبنان بحرّية وفق القرارين 1701 و2560، وبعد التمديد كان واضحاً بأنّ كل شيء تقوم به اليونيفيل في لبنان يكون بالتنسيق مع الجيش اللبناني.
وبالنسبة لي أشجّع التواصل لأنّ الجميع ليس خبيراً بقرارات مجلس الأمن فهي صعبة وكلّ طرف يفسّرها وفق رؤيته الخاصّة وحينما نوضّح الموقف نصل إلى النتائج المرجوة».
واعتبرت فرونتسكا أنّ «الفراغ الرئاسي يسبّب القلق والمجتمع الدولي والأمم المتحدة يتمنيان للبنان الازدهار وانتخاب رئيس وهذا الأمر بديهي ومن الممارسات الديموقراطية، والمصلحة الوطنية اللبنانية يجب أن تكون فوق كل شيء وفوق الأجندة الشخصية والسياسية، إذ من حقّ الشعب اللبناني أن يعيش في ظروف جيدة وأن يتجاوز الأزمة، هذا الشعب لديه كفاءات ممتازة ومن الخسارة أن يعيش في هذه الظروف».
وتابعت: «التخوّف على لبنان وشعبه حاضر والأمم المتحدة موجودة في لبنان منذ سنوات ونحن نقدّم المساعدات ونهتم، ولكن من دون تعاون وتنسيق مع السلطات ومؤسسات الدولة لا يمكن تنفيذ أي شيء، إضافة لكون كل مقومات الدولة اللبنانية تأثرت بالأزمة».
وبالنسبة لمطالبة الراعي بمؤتمر دولي، اعتبرت أن «هذا الموقف يدلّ على اهتمام كبير بالتطوّرات في لبنان، لكنّنا ننظر إلى هذا الموضوع من بعد سيادي وأيّ حل سياسي يجب أن يكون داخل لبنان وهذا الأمر من مسؤولية السلطات اللبنانية. اللبنانيون قادرون ونحن مستعدون أن نساعد عندما يصلون الى حل».