البعثات الديبلوماسية اللبنانية: بحثٌ عن “تحديث للحلول”

البعثات الديبلوماسية اللبنانية: بحثٌ عن “تحديث للحلول”

الكاتب: مجد بو مجاهد | المصدر: النهار

8 آذار 2023

لا تُفرح أو تسرّ أحوال البعثات الديبلوماسية اللبنانية حول العالم نتيجة استمرار واقع الأزمات الاقتصادية التي تعصف بلبنان وحال شبه “الجفاف” المالي على مستوى الدولة ومؤسساتها ما يلقي بثقله على واقع السفارات اللبنانية في الخارج.

وإذا كان السؤال الأساسي يتمحور حول حجم الصعوبات التي تواجهها البعثات وسبل الاستمرارية في المرحلة المقبلة، فالأكيد أن السفراء اللبنانيين جميعهم دخلوا مرحلة ما يشبه “إعادة هيكلة” و”شدّ أحزمة” للنفقات إلى مستويات غير مسبوقة مقارنة مع مرحلة بداية الأزمة. ويحاول بعض ديبلوماسيي السفارات اللبنانية الاحتكام إلى سياسة الانتظار قبل إطلاق “صرخة صادحة”، لكن الأكيد أنّ ثمة استحالة في إمكان الاستمرار على المنوال الراهن. ويحاول السفراء اللبنانيون الإبقاء على الصورة العامة “طبيعية ظاهرياً” وخدمة المواطنين وتسريع معاملاتهم، لكن بعض السفارات اللبنانية – خصوصاً في الدول البعيدة و”الباهظة المعيشة” – لا تقوى على الاستمرار من دون “قطرة ماء” اقتصادية. ووضعها الاقتصادي أكثر صعوبة من البعثات اللبنانية في الدول العربية. ويتحدّث طاقمها عن محاولة صمود بانتظار “انفراجة” موعودة.

وفيما استطلعت “النهار” الأجواء والمعطيات على نطاق مصادر رفيعة في بعثات ديبلوماسية لبنانية حاضرة في دول قريبة أو بعيدة من جهة ومتوسطة أو باهظة تكاليف الإنفاق من جهة ثانية، فإن عبارة واحدة يبدو أنها جائزة لاختصار مجمل الواقع العام للمشهد الواسع والتي يردّدها أحد السفراء في مجالسه: “نحن في زمن عصر النفقات والجميع يعاني من ذلك”. لكن، لا شكّ أن البعثات الديبلوماسية اللبنانية الحاضرة في دول بعيدة وذات تكلفة معيشية مرتفعة، هي الأكثر تعبيراً عن الحاجة إلى حلول قبل الوصول إلى مرحلة انعدام الأفق أمام الموظفين. وبحسب المعلومات المستقاة من مصادر بعثة ديبلوماسية لبنانية في دولة تشكّل أولوية وأهمية للبنان على مستوى قارة أخرى، فإن بعض الموظفين ليس في مقدورهم دفع مترتبات بدل الإيجار ومنهم انتقلوا للسكن في غرفة واحدة مع عائلاتهم ويبحثون عن سبل البقاء. ويضاف إلى ذلك تأخر رواتبهم منذ أربعة أشهر والتي كانت قلّصت قيمتها ما يقارب 30% في مرحلة سابقة، قبل أن تستجد مشكلة جديدة معبّر عنها راهناً لناحية كيفية احتساب الرواتب والصيغة التي يمكن مصرف لبنان اعتمادها في ظلّ تعدد أسعار الصرف وتقلّباته والتي أدّت للدخول في “معمعة وضعضعة” لا تقوى بعض البعثات على فهمها. وهناك بعض الموظفين في السفارات اللبنانية البعيدة خصوصاً الذي يعبّرون عن رغبة في العودة قريباً إلى لبنان، اذا استمرت الأوضاع على حالها نتيجة افتقار مقومات الصمود خصوصاً بالنسبة إلى موظفي المراتب الأدنى.

ما هي الأساليب التي تعتمدها البعثات الديبلوماسية للحفاظ على استمرارية حضورها ودورها، إذا كانت أوساطها تعبّر عن هذا الكمّ الكبير من الصعوبات المعيشية؟ لا تتردّد أوساط ديبلوماسية لبنانية معنية في الإجابة عن هذا السؤال من ناحية إشارتها إلى محاولة تقليص الكلفة التشغيلية ومصروف الكهرباء على وجه الخصوص إضافة الى الاعتماد على مدخرات شخصية بانتظار الحصول على الرواتب الموعودة في مرحلة قريبة. وتُحاول بعض البعثات تقليص كلفة النفقات، بما يشمل الحدّ من المشتريات الخاصة والقرطاسية إلا بما هو ضروري وآني فحسب. وفي الموازاة، لا يحبّذ ديبلوماسيون لبنانيون الحديث عن “هبات” أو “عطاءات” مقدّمة من المغتربين اللبنانيين للسفارات اللبنانية، وهي بالنسبة إلى ما يشيرون اليه غير موجودة راهناً ولا تبرّعات… وهي إذا وجدت تعتبر وفق تعبير بعضهم مسألة لا تتناسب مع صورة لبنان ودوره التاريخي الطليعي على مستوى الديبلوماسية الخارجية.

في غضون ذلك، تشير معطيات “النهار” إلى وعود مكثّفة تلقّتها بعثات لبنانية في سفارات لبنان في الخارج من #وزارة الخارجية في لبنان، فحواها امكان الوصول إلى حلول قريبة على صعيد دفع الرواتب المتأخرة ما يحفز عدداً من الموظفين على التمسك بآمال للحضّ على الصمود والاستمرار مرحلة قصيرة خصوصاً بالنسبة إلى أصحاب الوظائف العادية. وعملياً، تعبير المصادر الديبلوماسية اللبنانية عن إجراءات تقشفية وتأخر في رواتب البعثات ليست بمسألة جديدة من نوعها بل كانت ظهرت سابقاً مطلع العام الماضي عندما طلب لبنان نتيجة الأزمة المالية التي يعانيها من السفارات البحث عن مانحين للمساعدة في تغطية نفقات تشغيل البعثات، مع تأخره عن دفع رواتب الديبلوماسيين وتفكيره في إغلاق بعثات لبنانية في الخارج. وحينذاك، طلبت وزارة الخارجية من البعثات الخارجية، في منشور بتاريخ 25 كانون الثاني السعي للحصول على تبرعات من المغتربين اللبنانيين، مع الإشارة إلى بدء تطبيق خطة لتقليل نفقات السفارات بما يشمل بدلات الإيجار ورواتب الديبلوماسيين ونفقات الحفلات والسفر. وأشارت الأرقام وقتذاك إلى هامش يراد من خلاله أن يصل حجم التخفيضات إلى 18 مليون دولار في موازنة تبلغ 95 مليون دولار إجمالا. لكن، إجراءات التقشف من جهة والبحث عن حلول مادية على تنوعها من جهة ثانية مطلع العام الماضي، يبدو جلياً أنها باتت تحتاج الى تحديث جديد كي يكون في استطاعة البعثات الديبلوماسية الاستمرار.



آخر الأخبار