استهانت بالسعودية طويلاً فهل بدأت تقلق منها؟

استهانت بالسعودية طويلاً فهل بدأت تقلق منها؟

 المصدر: “النهار”


سركيس نعوم



إيرانيون يسيرون في أحد شوارع طهران (أ ف ب).

لم تكن المملكة العربية السعودية تُقلق إيران الشاهنشاهية أو تهدّدها بإمكانياتها العسكرية الذاتية. طبعاً كانت الثانية تعرف أن الولايات المتحدة هي الحامية المباشرة للأولى من أي تهديد جدّي لها في الخليج كما في الشرق الأوسط. فالأخيرة كانت حليفاً أساسياً لها وعنى ذلك في حينه أن العلاقات بين الجارتين الخليجيتين العربية والفارسية لن تصل يوماً الى العداء والحرب رغم القلق السعودي من الأرجحية الإيرانية في ذلك الوقت. ويبدو استناداً الى الوقائع كما الى تحليلات باحثين جدّيين أميركيين وآسيويين أن غياب قلق الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي “خلفت” إيران الشاهنشاهية من المملكة العربية السعودية لم يكن موجوداً بدوره في البداية أو بالأحرى لم يكن كبيراً. السبب هو الإمكانيات العسكرية السعودية القليلة والتفاوت الديموغرافي بين البلدين واستمرار اعتماد الرياض على الحماية الأميركية وانتقال إيران الى بناء ترسانة عسكرية ضخمة تحميها من غدرات الزمان وعداء الأقربين والأبعدين.

هل لا يزال عدم القلق الإيراني من السعودية على حاله؟ تفيد معلومات باحث آسيوي غير غربي جدّي أن المفكّرين الاستراتيجيين في طهران بدأوا يعتقدون أن تهديد المملكة لجمهوريتهم الإسلامية ارتفعت نسبته، إذ بعدما كانت تُعتبر مجرّد امتداد للولايات المتحدة صارت اليوم تهديداً أمنياً لها. والسبب تركيز المملكة على تعزيز قدراتها العسكرية بعد تعثّر محادثاتها مع إيران برعاية عراقية، كما بعد ضعف الآمال في إحياء الاتفاق النووي بين أميركا وإيران، وبعبارات عسكرية كانت السعودية في نظر إيران ساحةً تُستهدف من خلالها المصالح الإيرانية. تعزّز ذلك عندما اختارت السعودية عدم الردّ مباشرةً وبقوتها الذاتية على الهجوم الإيراني على مؤسّسات نفطية لها عام 2019 رغم تعطيلها نحو خمسة في المئة من إنتاجها. كانت تلك المرة الأولى التي تضرب فيها إيران أهدافاً على الأرض السعودية. لكن المملكة امتنعت عن الردّ بعدما أوضحت واشنطن أنها لن تردّ بدورها على ذلك. منذ ذلك الوقت أظهرت إيران “احتقارها” للمملكة كقوة عسكرية وانتهجت حيالها استراتيجيا ردعية. نتج عن ذلك إعادة تقويم للتهديد الناجم عن أن إيران محاطة بدول معادية وهي مستهدفة من أميركا وإسرائيل. وكان هدف الجميع وربما لا يزال تغيير النظام الإسلامي فيها.

هل تغيّرت النظرية الفوقية الإيرانية هذه، ولأيّ سبب؟ نعم تغيّرت، يُجيب الباحث الآسيوي نفسه بسبب العقوبات الأميركية المُشلّة وبدء الاقتناع بعدم القدرة على التنافس مع “العضلات” المالية والاقتصادية للسعودية ولوبياتها في العواصم الغربية ونفوذها في واشنطن وإسرائيل. الى ذلك نجحت وسائل الإعلام المدعومة سعودياً والناطقة بالفارسية في اجتذاب جمهور إيراني ودفعه للاشتراك في الاحتجاجات الشعبية على ممارسات النظام الإسلامي. و”إيران الدولية” كانت إحدى أهم الوسائل الإعلامية المؤثّرة وتعرّضت لـ15 محاولة تعدٍّ وقتل وربما خطف. هذا ما دفع المسؤولين عنها الى نقلها الى الولايات المتحدة. أهميتها كمنت في متابعة الاحتجاجات الأخيرة ونقلها مع كل ما رافقها الى الجمهور الإيراني والعالم. و”إيران الدولية” (إنترناشونال) كانت تديرها “فولانت ميديا” التي يمتلك فهد إبرهيم الدوغيثر 75 في المئة من حصصها. وفي عام 2018 امتلك عادل عبد الكريم حصص الدوغيثر في “إيران إنترناشونال” وموّلها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بنحو 250 مليون دولار أميركي. بعد ذلك كله صارت إيران أكثر جذباً في تحذيراتها للمملكة. أهم تحذير أعلنه حسين سلامي قائد “الحرس الثوري الإسلامي الإيراني” وممّا جاء فيه: “أنا أحذّر العائلة السعودية الحاكمة… راقبوا تصرّفكم واضبطوا هذا الإعلام… وإلّا فستدفعون الثمن. هذا آخر إنذار لنا لأنكم تتدخلون في قضايا دولتنا. قلنا لكم كونوا منتبهين وحذرين”. كما حذّر وزير الاستخبارات الإيراني إسماعيل خطيب من نفاد صبر إيران بقوله: “حتى الآن مارست إيران صبراً استراتيجياً مع عقلانية جازمة. لكنها لا تستطيع أن تضمن استمرار ذلك إذا استمرّت الأعمال العدائية”. ثم تطرّق الخطيب الى دول خليجية عدّة لم يسمّها فقال مهدّداً: “إذا قرّرت إيران الانتقام أو الردّ على الأذى بمثله والمعاقبة فإن “قصور الزجاج” ستتقوّض وتنهار. كما أن هذه الدول لن تعود قادرة على اختيار الاستقرار أي العيش فيه”.

ما أثار اقتناع إيران بأن التهديد السعودي يتعزّز كان الإنفاق الكثيف جداً على الدفاع، والجهود السعودية لبناء صناعة دفاعية داخلية، وتعاون المملكة مع الولايات المتحدة لتحويل الجيش السعودي قوة مقاتلة فعلية. هذا فضلاً عن استحواذ المملكة على أنظمة تسليحية أميركية وأوروبية لا تستطيع إيران الحصول عليها، وجهود المملكة لبناء صناعة دفاعية داخلية هدفها خلق طاقات وتوفير إمكانيات لاستهداف العمود الفقري لاستراتيجية الدفاع الإيرانية منها المسيّرات والصواريخ الباليستية. وقد اتفقت أخيراً المملكة مع الصين لبناء مصنع مسيّرات على أرضها. وتنوي الولايات المتحدة والمملكة إجراء أول مناورات مشتركة للمسيّرات أواخر الشهر الجاري. وتفيد معلومات الاقمار الاصطناعية أن السعودية تبني قواعد صاروخية بمساعدة تكنولوجية صينية. ومع اقتراب إيران من امتلاك قدرة لصنع سلاح نووي تعمل السعودية لبناء مفاعلات نووية على أرضها، ولامتلاك المعرفة والمعلومات اللازمة للحصول على ما تحتاج إليه لبناء أسلحة نووية إذا اجتازت إيران هذه العتبة. وقد حذّر مسؤولون سعوديون منهم وليّ العهد من أنهم سيطوّرون قدراتهم النووية إذا صارت إيران دولة نووية، علماً بأن المملكة نفت تقارير تفيد أنها تبني مصنعاً لاستخراج الكعكة الصفراء من الأورانيوم بمساعدة الصين. علماً أيضاً بأنها تمتلك احتياطات أورانيوم مهمة وعلماً أيضاً بأنها تسلّمت الشهر الماضي عروضاً لبناء أول مفاعل نووي. وخطتها هي بناء 16 مفاعلاً. كما أن لديها اتفاقات في هذا الشأن مع دول عدة.