في مسؤوليّة الحُكُم: مِين؟ بيعمل شو؟ أيمتى؟ وكيف؟

في مسؤوليّة الحُكُم: مِين؟ بيعمل شو؟ أيمتى؟ وكيف؟

سمير قسطنطين- النهار

 

الزمن زمنُ توقّعات للانتخابات الرئاسيّة، إنّما الأحاديث عن الأشخاص فقط. البعض يقول إنّ الوزير سليمان فرنجيّة هو الأوفر حظّاً، والبعض الآخر يعتقد أنّ النائب ميشال معوّض مرشَّحٌ أساس. آخرون يرون أنّ الزمن الآتي هو لصالح قائد الجيش، فيما البعض الرابع يعتقد أنّ الرئيس المقبل هو من خارج هذه الأسماء، والبعض الخامس لا يرى انتخاباتٍ رئاسيّةً في المدى المنظور.

 

الدولة اللبنانيّة مؤسّسة كبيرةٌ. وفي عالم المؤسّسات هناك أربعة أسئلةٍ محوريّةٍ تُطرحُ، وهي باللغة المحكيّة: “مين؟ بيعمل شو؟ أيمتى؟ وكيف”؟ هذه الأسئلة تُمثّل أربعة أبعادٍ للإنجاز أي الـ Accomplishment. البُعد الأوّل هو الـ “مين” أي الشخص، وتحديداً الشخص الذي سيقوم بالمهمّة. البُعد الثاني يتعلّق بالـ “شو”؟ بكلامٍ آخر، ماذا ينتظر هذا الشخص الذي ننتقيه للمهمّة؟ ماذا نتوقّع منه أن يُنجز؟ وما هي الأهداف التي نتوقّع منه أن يُحقّقها؟ البُعد الثالث يتعلّق بكيفيّة قيامه بهذه المهمّة وهذا هو سؤال الـ “كيف”؟ ما هي التقنيّات التي سيستعملُها؟ ما هي المهارات التي يجب أن يتمتّع بها؟ وما هي النتائج المرجوّة؟ البُعد الرابع والأخير هو الـ “أيمتى”؟ في عالم المؤسّسات، لا ينطبق المثل القائل “أن تحضر متأخّراً خيرٌ من ألا تحضر أبداً”. في المؤسّسة، الشخص المُحدّد، يقوم بمهمّة محدّدة، بطريقة مُحدّدة، في وقتٍ مُحدّد. أيُّ خللٍ يتعلّق بانتقاء الشخص، أو بتحديد المهمّة، أو بكيفيّة تنفيذها، أو بتوقيت التنفيذ، قد يقود المؤسّسة إلى التهلُكة خصوصاً إذا كان موقع هذا الشخص أساسيّاً وحسّاساً.

 

أعود إلى انتخابات رئيس الجمهورّية. نتحدّث كثيراً عن الشخص. لا لا مشكلة لديّ. لكنّي أريد أن أسأل الناخبين الكبار: ماذا تتوقّعون من هذا الشخص؟ ومتى تتوقّعون منه تنفيذ هذه الأهداف؟ وكيف تتوقّعون أن يتحرّك؟ الأجوبة عن هذه الأسئلة تُحدّد أهمّية الانتخاب من أهميّة الفراغ.

 

إذا انتخَبْنا شخصاً مُعيّنا رئيساً للجمهوريّة. هذا ممتاز. لكن ماذا نُريده أن يفعل؟ لأيّة مهمّة يا تُرى نحن ننتخبُه؟ هل نُريدُه أن يقود مفهوم “خيار الدولة وبِنائها”؟ هل نُريدُه فعلاً أن يتصدّى للفساد بحكمةٍ ونقاء نادرَيْن؟ هل نُريدُه أن يقود السفينة إلى برّ الشفاء من العجز المالي والأخلاقي والفكري وأن نكون جميعاً إلى جانبِه؟ هل نُريدُه أن يُهذّب، في الحدّ الأدنى، حجم المحسوبيّات في توظيفات القطاع العام وتلزيماته وصفقاته؟ أم نُريد لهذا الرجل أن يُبقي الأمور على غاربِها، وألا يتصدّى للمُعضلة الأساس التي نخَرَت جسم الدولة وهي الفساد الفاقع؟ هل نُريدُه أن يُبقي القديم على قِدَمِه وأن يُبدي مرونة كبيرةً في تقبُّل الأمر الواقع بكلّ أشكاله النافرة كما هو حاصلٌ الآن؟ هذه الأسئلة تُحدّد ماذا نُريد لوطننا في القريب العاجل.

 

من هو الشخص الذي ننتخبُه مسألةٌ مُهمة. لكن الأهم بكثير هو معرفة المهمّة التي ننتخِبُه من أجلها. مُهمٌّ جدّاً أن نُحدّد لأنفسنا أولاً، وللناس ثانياً، ولهذا الرجل ثالثاً ماذا نُريد له أن يُحقّق. أطرح هذه الأسئلة لئلّا يخيب ظنُّنا لستِّ سنواتٍ عجافٍ مرّة أُخرى خصوصاً أنّ الرئيس هذه المرّة سيبدأ عهدَه بانهيار المؤسّسات وهو في كلّ حالٍ لا يُحسدُ على نقطة انطلاقتِه. من يُدرك منذ الآن كيف سيُنهي عهده إنْ لم يُجب الكبار على هذه الأسئلة منذ الآن؟