مساعي توحيد «الثنائي المسيحي»: لن تصلح الرئـاسة ما أفسدته الصراعات

مساعي توحيد «الثنائي المسيحي»: لن تصلح الرئـاسة ما أفسدته الصراعات

مساعي توحيد «الثنائي المسيحي»: لن تصلح الرئـاسة ما أفسدته الصراعات

ميسم رزق - الاخبار

ماذا لو أعادت معراب والرابية إحياء تفاهمهما؟ التساؤل، وإن كان جوابه شبه محسوم في أوساط الفريقَين المسيحيَّين المُتخاصمَين، «يستنفر» حلفاء الطرفَين، وخصوصاً بعدَ ما خلّفه دعم حزب الله لترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية من فتور مع التيار الوطني الحر.

 

وحدة «الثنائي المسيحي» في وجه مرشح «الثنائي الشيعي» خيّمت في اليومين الماضيين على أجواء القواعد الحزبية والشعبية لكليهما. لكن الحرارة التي يتمنى كثر بثّها في عروق «تفاهم معراب» لا تبدو كافية لنفخ الروح فيه. فما يضمره الطرفان من تنافر وانعدام ثقة أبعَد بأشواط من أن يمحوه تقاطع في الموقف على رفض ترشيح فرنجية. انعدام الود بين الطرفين ينسحب أيضاً انعداماً للود منهما للصيفي التي تبادلهما الشعور نفسه. فقدان «الكيمياء» بينَ المكونات المسيحية لا يعوّض عنه الموقف من الرئاسة. في أحسن الحالات، قد يجتمِع هؤلاء على ما لا يريدونه، كما في حالة رفض فرنجية… لكنهم حتماً لن يجتمعوا خلفَ ما يريده كل منهم.


 

في كانون الثاني 2016، عندما أعلنَ رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع دعمه لترشيح خصمه الدائم والأبدي، العماد ميشال عون، بدا أن الرجلين يتخذان خطوات تهدف إلى رصّ الصفوف وإنهاء حقبة من التناحر على الساحة المسيحية. وقّع الفريقان، وهما بكامل قواهُما السياسية، تفاهم «إعلان النوايا»، قبل أن تفضح النفوس ما لم يكُن في صلب النوايا، وهو التخلي عن سياسة الإلغاء. آنذاك، كانَ الهدف منع فرنجية من الوصول إلى الرئاسة، لذا كان تفاهم «أوعا خيك»، وافترض جعجع أنه سلّف عون دَيْناً على أن يسدّده الأخير بعدَ انقضاء السنوات الستّ، وهو ما لم يحصل.

في كانون الأول 2022، عندما انفجر الخلاف بينَ التيار الوطني الحر وحزب الله (ظاهره مشاركة وزراء الحزب بجلسة للحكومة في ظل الفراغ وباطنه الملف الرئاسي)، افترض رئيس تكتل لبنان القوي جبران باسيل أن تلويحه بالخروج من «مار مخايل» سيغدِق عليه العروض السياسية، وأن حصوله على دعم مسيحي مرشح ثنائي أمل - حزب الله سيدفع بهما إلى التراجع والعودة إلى تفاهم معه وفقَ ما يناسبه هو. وهو ما لم يحصل. فلا باسيل نال الدعم المسيحي ولا تلويحه بتمزيق التفاهم حال دون ترشيح زعيم المردة. وأخفق في إحداث كوة في الجدار القواتي (والكتائبي) لإعادة إحياء تفاهم ظرفي على موضوع الرئاسة. وحتى «طاقة» بكركي التي حاول أن يطلّ منها لجمع «الأبناء المسيحيين» حول طاولة حوار، أقفلها جعجع بإحكام. بدا أن الحفرة بين الرجلين أوسع من رقعة قصر بعبدا وأبعد من ست سنوات من الحكم.


 

صحيح أن الأسابيع الماضية أظهرت تقارباً بين كل من «التيار» و«القوات» و«الكتائب» حيال مواضيع شتّى، إلا أنه تقاطع آني على الموقف من الحدث لا على هدف. في موضوع الحكومة، يرفض التيار انعقاد أي جلسة وزارية، بينما تربط القوات انعقادها بحالات الضرورة القصوى، وضمن جدول أعمال ضيق جداً ومختصر. في مجلس النواب، يربط التيار انعقاد جلسة تشريعية بالأولويات وجدول أعمال ضروري، فيما تعارض القوات ذلك في المطلق. وما بينهما، يغالي رئيس حزب الكتائب سامي الجميل في أداء دور «التغييري» بالاعتراض على «المنظومة». غيرَ أن هذا التقاطع، الذي تظهّر أيضاً بالانسحاب من جلسة اللجان المشتركة الأخيرة، ليس إلا على القطعة، ولن يؤدي إلى اتفاق كبير الأثر في الملف الرئاسي.

في الكواليس العونية مقاربتان لكل ما يُثار عن إمكانية فتح خطوط مع القوى المسيحية الأخرى، وفي مقدمها معراب. مقاربة أولى تعتبره تفاؤلاً كاذباً في نفوس الذين ينتظرون أن تتعامل القوات من منطلق أبعد من حساباتها الشخصية. ومقاربة ثانية تتمسك بخشبة أمل «مسيحية» تبعِد كأس فرنجية المرّة عن طاولة التفاوض الرئاسي.

 

ترفض القوات أن تعوّم باسيل وهو «في حال انعدام توازن وطنياً ومسيحياً»

 

اما معراب، من جهتها، فهي تدرك تماماً أن «الجواب النهائي» عند «الحليف» السعودي. وفي انتظار كلمة السر، فإن الفرصة مؤاتية للانتقام من باسيل. هو زمن القواتيين بالنسبة إلى القواتيين أنفسهم. لا بل هو زمنهم أكثر من أي وقت مضى. باسيل من «دون حلفاء ولا أصدقاء». وهذا ما يجعلهم «بيضة قبان» الساحة المسيحية، لذلك فإنّ أيّ كلام عن تفاهم جديد مع رئيس التيار الوطني الحر لا طائل منه.

ثلاث قراءات تقدّمها معراب لقطع الطريق على أيّ تقارب:

1- تباين باسيل مع حزب الله ليسَ مبدئياً، بل مرتبط بالملف الرئاسي، لذا لا يُمكن أن يجمعه مشروع سياسي واحد بين القوات والتيار.

2- لن تسمح معراب لباسيل بتوظيف علاقته مع القوات لتحسين شروط التفاوض مع حارة حريك، وترى أن محاولة التقرب من القوات هي عملية «تحايل» لإعادة فتح باب مع الحزب على أسس جديدة.

3- ترفض القوات أن تكون صندوق بريد أو سبباً لإعادة تعويم باسيل وهو «في حالة تراجع وانعدام توازن على المستوى الوطني والمسيحي» كما يدّعي القواتيون.

وبالمثل، لا تختلف مقاربة الكتائبيين الذين يغلّفون موقفهم بشعارات التغيير والثورة ومقاطعة كل القوى السياسية المتورطة بالفساد ومن ضمنها التيار الوطني الحر «حليف حزب الله».


 

يتكتّل هؤلاء ضد باسيل الذي «يدفع ثمن تمرّده على المسيحيين وبقية القوى السياسية، وسحب يده من يد الآخرين في لحظات صعوده التي وفّرها له حزب الله، والآن في مرحلة النزول لن يجِد يداً ممدودة إليه» كما يقول خصومه. رغمَ كل ما يُحكى عن «تجمّع» مسيحي يبقى خيار عدم التلاقي مع التيار هو الأوفر حظاً، وهو خيار قائم على كثير من النكايات، وتاريخ من الصراعات والخصومات.