فرنجية في باريس رئيساً مؤكداً أم ناخباً مُقرِّراً؟

فرنجية في باريس رئيساً مؤكداً أم ناخباً مُقرِّراً؟

الكاتب: نقولا ناصيف | المصدر: الاخبار

1 نيسان 2023


عام 2015، كانت باريس محطة لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية كي يترشح ويوشك ان يصير رئيساً للجمهورية بتسوية أبرمها على اراضيها مع الرئيس سعد الحريري، ما لبث ان حرمه إياها حليفه حزب الله ايفاء لوعد قطعه للرئيس ميشال عون


تعود باريس مجدداً محطة لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية. قبل ثماني سنوات كانت اكثر استعجالاً منه بأن خابره الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مهنئاً اياه بالرئاسة اللبنانية قبل التأكد من امرار ترشيحه لدى حلفائه اولاً. كانت المكالمة تلك إشعاراً وكأن الانتخاب تم، ثم تلاحقت ردود فعل سلبية انتهت بعد سنة الى انتخاب الرئيس ميشال عون. قيل حينذاك ان فرنسا باركت التسوية المبرمة دونما ان تنسب الى نفسها علناً على الاقل الفضل الاخير فيها. في الاستحقاق الحالي، تحاول استعادة الدور نفسه بمغالاة وأكثر حيوية وفائدة يجعل منها للمرة الثانية، في مئة عام تقريباً منذ اعلان الجمهورية اللبنانية عام 1926 وتزكيتها انتخاب الرئيس شارل دباس، صانع انتخاب رئيس للبنان. اذا صح ستكون المرة الاولى مذذاك.

الى ان يُفصح تماماً عن دوافع دعوة فرنجية الى باريس واجتماعه بمستشار الرئيس الفرنسي المكلف شؤون الشرق الاوسط باتريك دوريل، ستظل التكهنات المتضاربة تطارد الزيارة المفاجئة. قيل انها خاتمة رحلة ترشيح فرنجية. قيل العكس كذلك، كأنها توطد تكريس انتخابه. بيد ان الاكيد ايضاً ان زيارة باريس ليست بالضرورة آخر مراحل الشغور الرئاسي. يعزز الانطباع هذا بضعة معطيات اخيرة:

اولها، ان دعوة فرنجية الى باريس ليست منفصلة عن الاتصالات المستمرة بين الفرنسيين وحزب الله حيال الاستحقاق الرئاسي. يُعزى الى الحزب توجيهه «نصيحة» الى باريس لدعوة نائب زغرتا سابقاً والخوض معه في الصعوبات التي يواجهها امرار ترشيحه وتالياً انتخابه رئيساً للجمهورية. ما يُفترض ان يسمعه في باريس من شأنه تحديد المسار المقبل بعدما تيقن الجميع، مؤيدو فرنجية ومعارضوه، ان انتخابه يصطدم بعقبات اساسية في الداخل كما مع الخارج يصعب تذليلها. احدى علامات هذا التعثر ان يسمع فرنجية من الفرنسيين موقفهم من ترشيحه ويُخرَّج الانتقال الى خيار سواه تبعاً لذلك.


ثانيها، ان دعوة فرنجية الى باريس لمقابلة مسؤول رفيع فيها في الاليزيه يراد منه اثبات الاعتبار له بأن لا يكتفى امامه بالطلب منه التخلي عن ترشيحه، بل الاقرار له كناخب كبير في الاستحقاق وفي مَن قد يصير الى التوافق عليه كخيار بديل يحظى بتأييده ويعوّضه في المرحلة المقبلة. تريد باريس ان تكون هي – لا حزب الله – عرّاب خروج فرنجيه من السباق على انه مدخل الى الحل.


ثالثها، بعض مَن يلتقي بمسؤولين في حزب الله يلمسون جدية تقييمهم السلبي في المضي في معركة ترشيحه دونما وصولها الى الخاتمة المتوخاة. ليس في حسبان الحزب سياسياً واخلاقياً، في اي لحظة محتملة، ان يطلب من فرنجيه التخلي عن ترشيحه، مع ان الثنائي الشيعي رشحه من دون ان يترشح هو بالذات. ما لم يفعله مع الرئيس ميشال عون طوال سنتين ونصف سنة لن يُقدم على عكسه معه. بيد ان المهم كذلك في ما افضى الى انتخاب عون ولا يزال الى الآن يحول دون ان يخلفه فرنجية ان الفرصتين، المسيحية والسنّية عام 2016، تقفان الآن في المقلب المناوئ له. الى تكتل الخصوم المسيحيين جميعاً دفعة واحدة ضده، ليس خافياً ان الرياض معارضة بدورها انتخابه. اعاد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط تأكيد عدم مجاراته انتخاب فرنجية كإحدى الرسائل السعودية المضمرة، ناهيك بإحجام الاتجاهات السنّية المتأثرة بالموقف السعودي عن اشهارها تأييدها له.


رابعها، ما يأتي على ذكره مسؤولون في الحزب في لقاءات مغلقة يفصح عن مبرر حقيقي للعقبات التي يجبهها انتخاب فرنجية. ما يتيقن منه حزب الله ان لا انتخاب لحليفه الزغرتاوي في ظل مقاطعة الاحزاب والكتل المسيحية كلها الاكثر تمثيلاً في طائفتها، ما خلا نواباً مسيحيين حلفاء للثنائي الشيعي لا يسعهم تغطية امتناع الآخرين ورفضهم. هو السبب نفسه الذي حمل الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله على تأكيد التزام النصاب الموصوف لجلسة انتخاب الرئيس وهو 86 نائباً، غير المتاح لأي من الافرقاء كما للثنائي الشيعي وحلفائه. ليست الاشارة هذه سوى ان حزب الله لا يريد رئيساً منتخباً ضد ارادة طائفته وان كان الى جانبه ولا يعثر على بديل منه. في ذلك ايضاً مغزى قول الرئيس نبيه برّي – استطراداً للدلالة على الحاجة الى نصاب 86 صوتاً على الاقل – ان الرئاسة كما في تاريخ الموارنة مشكلتهم هم اولاً.

خامسها، ليس خروج فرنجية من الرئاسة – اذا كان ذلك بالفعل ما ترمي اليه الزيارة – وحده الثمن الذي يدفعه حزب الله وكذلك رئيس البرلمان اول مَن جهر بترشيحه. ثمة ثمن آخر يقتضي بباريس ان تتكبّده بدورها بتخليها عما رفضته الرياض، وهو مقايضة انتخاب فرنجية بتسمية السفير السابق نواف سلام لرئاسة الحكومة. لم يقل الفرنسيون مرة انهم وراء طرح المقايضة، مكتفين على الدوام بالرد انها طرحت عليهم وجاروها علّها تختم الشغور الرئاسي. بذلك يُعاد صوغ معادلة العهد الجديد على نحو متوازن ومتكافىء بين بروفيلين متشابهين، احدهما يكمل الآخر، رئيس للجمهورية ورئيس للحكومة يتمتعان بمواصفات متطابقة ومتماثلة فلا يؤتى بكل منهما من وادٍ. ذلك ما مثلته لوهلة وبدا انها مقايضة مستعصية في جمع اثنين كفرنجية وسلام ينتميان الى طبقتين سياسيتين متنافرتين، والى طرازين من الطباع والعلاقات والثقافة السياسية يصعب ان يكونا معاً.