العالم يتغيّر ونحنُ “نَسْتَهبِل”

العالم يتغيّر ونحنُ “نَسْتَهبِل”

 المصدر: “النهار”


سمير قسطنطين


العالم يتغيّر بشكلٍ دراماتيكي. مرحلةٌ انتهت وأخرى بدأت. مرحلة تفتيت #العالم العربي والسنّي تحديداً انتهت. دامَت هذه الفترة من غزو العراق إلى انتخاب #جو بايدن رئيساً لأميركا. حقّقَت المرحلةُ أهدافَها، فوازَنَت بين قوّتَي #إيران والعرب، وأتَتْ بدولٍ عربيّة إلى تطبيعٍ مع إسرائيل، ومن لم يأتِ غرِقَ في الدماء وتفتّت كاليمن والعراق وليبيا وسوريّا.


المرحلة الثانية بدأَتْ عند انسحاب الأميركيّين من أفغانستان في آب ٢٠٢١. مذّاك والعالم يتغيّر بشكلٍ مذهل في وقتٍ واحدٍ وقصيرٍ نسبيّاً.


في أوروبا، حربُ أوكرانيا هي الحدَث. روسيّا “اتنددلِتْ” في أوكرانيا. لا هي حسَمَت الحرب لصالحِها ولا هيَ خسرَتْها.


في الخليج، اتّفاق إيران والسعوديّة وانعكاسُه السريع في اليمن هو الحدث. رعايةُ الصين للاتفاق السعودي الإيراني تجعلُكَ تسأل: هل تمّ ذلك برضى الأميركيّين أم غصباً عنهم؟ الولايات المتّحدة لم تُعارِضْه علناً. ويلفتُكَ اندلاعُ الثورة الايرانيّة التي خبا قسمٌ كبيرٌ منها. وزيارةُ وزير الخارجيّة السعودي لدمشق فيستقبلُه الرئيس بشار الأسد. أيضاً قطر والإمارات تعلنان أنّهما تعملان على إعادة فتح السفارات قريباً بعد توتّر العلاقات.


في آسيا، وعدا عن دور الصّين في رعاية اتّفاق السعوديّة وإيران، يتنافس الدولار واليوان. تنافسٌ يبدو لصالح عملةِ الصين في الوقت الحاضر. ثلثُ التعامل النقدي العالمي في آذار كان باليوان!


عربيّاً، احتمال عودة سوريا الى الجامعة العربيّة بشروط هو الحدث. سوريّا مهتمّة بالعلاقات الثنائيّة أكثر من اهتمامِها بالعودة إلى مقعدِها الشاغر في الجامعة.


في #لبنان، اتّفاق ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل بتسهيلٍ من “حزب الله” هو الحدث. مَن كان يظنُّ أنّ حدوثَ ذلك ممكنٌ وبسرعة قياسيّة؟


في إسرائيل، الانقسام الحالي يحدثُ للمرّة الأولى. انقسامٌ وجوديٌّ وليس سياسيّاً فقط.

السودان، وما أدراكَ ما يجري هناك! هوَ أيضاً دراماتيكي ومُتمِّمٌ لهذه التغيُّرات المتسارعة.


من ميزات هذه المرحلة الجديدة أنّ الأقطاب لا يتقاتلون مباشرةً، فلا روسيّا قاتلت أوروبا مباشرةً، ولا الولايات المتّحدة تقاتل الصين مباشرةً. تركَت المهمّة لتايوان إذا اجتاحَتها الصين.


ولا إيران قاتلت السعودّية مباشرةً. تقاتلتا في اليمن. ولا “حزب الله” قاتل إسرائيل مباشرةً. ترك المهمّة لصواريخ فلسطينيّة لا تُسمِن ولا تُغني من جوع، وإسرائيل تأكّدت من أنّ أيّ مواطنٍ لبناني لن يُقتل في ردّها الذي استهدف بساتين الموز في صور.


تغيُّراتٌ ليست وليدة الصُدف. ولا هيَ تحدُث بين ليلةٍ وضُحاها. هي أحداثٌ مترابطة من انسحاب أفغانستان إلى الحرب الحاليّة في السودان. أحجارُ شطرنج تتحرّك يَمنةً ويَسرةً. من الواضح أنّ الـDomino Effect مستمرٌّ. هل تكون تايوان التالية على الخريطة؟ من يدري! الواضح أنّ تغييرات بهذه الأحجام وراءها أدمغةٌ تجلس خلف أبوابٍ مغلقة. لعلّها أدمغة شرّيرة تخطّط، تهيّئ الظروف وتنفّذ من خلال أدوات.


عندما غزَت أميركا العراق، هل خطرَ ببالِنا أنّ تفتيتَ العالم العربي السنّي الممانع هو الهدف؟ طبعاً لا. أصدقاء أميركا رأوا فيه تأديباً لصدّام، وأعداء أميركا اعتبروه تعدّياً غيرَ مُبرّرٍ على بلدٍ عربيٍّ يُزعجُ إسرائيل. “طِلْعِت القصّة أكبر بكتير”.


يجري كلُّ ذلك ونحن منقسِمون بسبب انتخاباتٍ بلديّة تحصُل أو لا تحصُل، ودولار جمركي وصيرفي وأسود ولولار، وامتحانات رسميّة بأشباه المناهج، والتلبُّك حيال التعاطي مع النازحين.


ببساطة، العالم يتغيّر ونحنُ “نستهبِل”.