تصويبٌ يُقابل موقف الخارجيّة: “اللاجئون ليسوا كمغتربينا”

تصويبٌ يُقابل موقف الخارجيّة: “اللاجئون ليسوا كمغتربينا”

تصويبٌ يُقابل موقف الخارجيّة: “اللاجئون ليسوا كمغتربينا”

الكاتب: مجد بو مجاهد | المصدر: النهار

20 ايار 2023


الخطأ التشبيه بين لاجئ يتمثل هدفه الأساسيّ في عودته إلى بلاده

وبين مغترب يعيش في دولة بأطر طبيعيّة

لم يمرّ تعقيب وزير الخارجية اللبنانية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بو حبيب حول مسألة اللجوء على هامش الاجتماعات التحضيرية للقمّة العربيّة وكأنّه لم يُقَل، بل إنّ أصداءه انتقلت بوتيرة أشبه بـ”سرعة الصوت السياسيّ” في إحداث ردود أفعال أتت منها من منطلق المستغرب والمستنكر في آن معاً، للربط بين حال لاجئ ومغترب.

وفي فحوى تعليق وزير الخارجية، مقارنته غير المباشرة بين اللاجئين السوريين والمغتربين اللبنانيين الذين “لا نستطيع إلزامهم بالعودة”، مع تعبيره عن “ترحيب الحكومة السورية بعودة اللاجئين”. وقد أدّى الموقف الآنف الذكر إلى ردّ بارز لـ”القوّات اللبنانيّة” على لسان رئيس جهاز العلاقات الخارجية ريشار قيومجيان، اعتبر فيه أنّ “موقف وزير الخارجية لا يعبّر عن الهمّ الوطنيّ وعن إجماع اللبنانيين حول أولويّة عودة النازحين السوريين إلى بلادهم… ويُعبّر إمّا عن غرابة وجهل وإمّا عن “تبييض وجه” مع النظام السوريّ، تقديماً لأوراق اعتماد رئاسية هي كحلم إبليس في جنّة شياطين بشياطين”.

وتشمل الاستنكارات نطاقاً أوسع يتضمّن مقاربات لخبراء علميين في شؤون اللجوء والهجرة، ومتضلّعين من الشؤون الدستورية والقانونية. وقد لاحظت “النهار” هذه الأجواء التي لا تَستحسن معنى التعابير الصادرة عن وزير الخارجية اللبنانية، كأن يعتبرها المدير التنفيذيّ لـ”ملتقى التأثير المدنيّ” زياد الصائغ “تصاريح ومواقف مؤكّدة على الارتجال والديماغوجيا والشعبوية المستمرّة سيّدة الموقف في شتى مقاربات الديبلوماسية اللبنانية، وفي كلّ القضايا المطروحة على طاولة البحث.

ويكمن العنصر الأهمّ من ذلك في الانتقال من كلام عن مؤامرة كونية غايتها توطين اللاجئين السوريين في لبنان، إلى مقارنة اللاجئ مع الاغتراب أو تصنيف اللجوء على أنّه اقتصاديّ بحت. ويعبّر ذلك عن حلف موضوعيّ للخارجية اللبنانية مع النظام السوريّ… ومن الواضح أنّه ورغم ترحيب النظام السوري بعودة اللاجئين إلى سوريا، لكنّ الوقائع تثبت العكس التام”. وثمّة مخاطر ومحاذير ترصدها قراءة الصائغ الآتي من موقع الخبرة في شؤون اللجوء، لأنّ “من يشبّه اللاجئين السوريين بالمغتربين اللبنانيين يمهّد بشكل معيّن إلى تحويل هؤلاء إلى مقيمين، وينزع عنهم اللجوء، ما يساعد في فرض الأمر الواقع ديموغرافيّاً في سوريا.

وتلغي هذه المواقف أسباب اللجوء السوريّ القسريّ إلى لبنان ومفاعيله المستقبلية بإنهاء كامل للهوية القانونية للاجئين، علماً أنّ اللجوء فُرض عليهم بطريقة قسرية ولم يكن طوعيّاً؛ ويتمثّل الأخطر من ذلك في إلغاء مفاعيل تطبيق قانون العمل اللبنانيّ على الأجراء الأجانب، بما يعني عدم التعامل مع الكتلة العاملة للاجئين على أنّها معنيّة بأن تكون منظّمة داخل سوق العمل اللبنانيّ”.

سياسيّاً، هناك غياب للاستغراب لدى البعض المواكب لفحوى الموقف المقارن بين الاغتراب واللجوء، وهذا ما يعبّر عنه رئيس “حركة التغيير” المحامي إيلي محفوض، طالما بالنسبة إليه أنّ “السؤال لا يعود مطروحاً نظراً لموقع وزير الخارجية اللبنانية والفيلق السياسيّ المنتمي إليه والأسلوب المتعامل به على رأس الديبلوماسية؛ فيما يُعتبر إيلي سالم آخر وزير للخارجية شهده لبنان وتلاه جان عبيد. ويلاحَظ أنّ الوزراء الحاليين لا يفقهون الأصول المعمول بها، ويخطئون في استخدام مصطلحات غير جائزة كعبارة نزوح التي لا وجودَ فعليّاً لها على مستوى القانون، لأنّ ظاهرة النزوح تحصل ضمن البلد الواحد خلافاً لواقعة عبور شعب أجنبيّ للحدود إلى بلد آخر ما يحوّله إلى لاجئ، رغم أنّ لبنان ليس بلد لجوء ولم يسبق أن وقّع بروتوكولات لجوء. ولا يلغي ذلك أنّ السوريين يقيمون على أساس وضعية لجوء في لبنان”. ويضاف إلى المعاني التي يقرأ محفوض فحواها في الاحتكام إلى عبارة “مغتربين” في المقارنة مع واقع اللاجئين السوريين، ما يؤشر إلى “اعتبار وزير الخارجية وكأنّ لبنان وسوريا أشبه ببلد واحد. وليس هناك ما يسمّى خطأ من رأس الديبلوماسية اللبنانية، الذي لا يحقّ له أن يخطئ بطريقة مماثلة. ويبدو أنّ الغاية من مقارنة ظاهرتي اللجوء والاغتراب مهادنة النظام السوريّ على حساب السيادة الوطنية والشعب اللبناني، مع الإشارة إلى طرح اقترحته لانتقالٍ مباشر للاجئين السوريين إلى الحدود اللبنانية السورية، ما يجنّبهم أيّ تعرّض لهم من النظام السوريّ ويضعهم في منطقة آمنة برعاية المجتمع الدوليّ الذي يمكن أن يتولّى تقرير اللحظة المناسبة لعودتهم إلى بلادهم”.

وكذلك، لا يُعتبر جائزاً أو ممكناً أو واقعيّاً انطلاقاً من زاوية تعريفية قانونية علمية بحتة تشبيه اللاجئ بالمغترب كسرديّة “في غير موقعها”، بحسب مقاربة أستاذ القانون الدوليّ المحامي أنطوان صفير، في اعتبار أنّ “الحالتين لا تتشابهان قانونيّاً؛ فيعمل المغترب اللبنانيّ في دولة، ولديه رخصة عمل ويدفع ضريبته أو يهاجر إلى دولة ويقيم فيها بطريقة شرعية. ومن ناحيتها، تقيم فئات من اللاجئين السوريين في لبنان بصورة غير قانونية أو غير مسجّلة؛ أمّا المسجّلون، فمنهم يعمل في لبنان بشكل مخالف للقوانين أو يقيم وسط ولادات مكتومة القيد”. وتنطلق التساؤلات المشار إليها في ملاحظات صفير من طرح علامات استفهام حول “أسس استمرار ظاهرة اللجوء في لبنان، طالما تغيب المخاطر عن أولئك الذين يزورون سوريا، وتُعتبر عودتهم بمثابة واجب طالما أنّهم ليسوا مهاجرين أو مقيمين أو مواطنين. وبذلك، من الخطأ التشبيه بين لاجئ يتمثل هدفه الأساسيّ في عودته إلى بلاده، وبين مغترب يعيش في دولة بأطر طبيعيّة”.