العوامل التي لا تتيح لـ “الحاكمين” قطع ورقة مبكرة لـ “الحاكم”

الكاتب: ابراهيم بيرم | المصدر: النهار
24 ايار 2023
ثمة من يبكر في استشراف مآلات قضية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المحاصر من اكثر من جهة بفعل القرار القضائي الفرنسي الذي جعله في وضع “المطلوب ” للعدالة الفرنسية، ويبادر الى الاستنتاج بان الرجل المتربع سعيدا وقادرا منذ اكثر من ثلاثة عقود على رأس هرم منظومة النقد اللبنانية، لن يخرج من مقره الحالي في المبنى المركزي للمصرف في اول شارع الحمراء الا في اليوم الاخير من ولايته القانونية اي في 31 تموز المقبل .
اصحاب هذا الاستنتاج شبه الجازم يبنونه على حزمة معطيات ووقائع تبلورت صورتها جلية في الساعات الـ48 الماضية ، وتحديدا منذ اللحظة التي تسلم فيها لبنان عبر الاليات القضائية – الامنية المعمول بها دوليا نشرة الانتربول الحمراء التي تجعل الحاكم سلامة مطلوبا من النظام القضائي الفرنسي بعد رفضه المثول امامه والاجابة على استنطاقاته والرد على مضبطة الاتهام الموضوعة بحقه.
غداة تبلغ لبنان تلك النشرة في شأن سلامة والتي كان كثر يتوقعونها، وقبل انعقاد اللقاء الوزاري في السرايا الذي ترك الامر برمته للقضاء اللبناني، كان بديهيا ان تتوجه الانظار نحو صرحي عين التينة والسرايا الحكومية لمعرفة ماذا في جعبة الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي من خيارات لمواجهة هذه القضية التي ترقى الى مستوى “المعضلة” واستطرادا لمعرفة طبيعة الاجرءات والتدابير التي يمكن للبنان الرسمي اللجوء اليها وتوسلها ليدرأ عن نفسه التبعات والمسؤوليات المتوقع ان تتداعى عن اجراء كهذا الذي يبدو “قدرا مستعجلا” .
الردود القليلة الصادرة عن هذين الصرحين اوشكت ان تتقاطع على اجابة موحدة وفحواها ان لاقرارات جاهزة وممكنة ولا تدابير حاضرة عندنا بقصد استيعاب تداعيات هذا التطور الدراماتيكي الفارض نفسه، واستطرادا لامتصاص النتائج السلبية التي يمكن ان تتأتى عن هذا التطور وهو ما خالف بطبيعة الحال جملة توقعات سرت في الاونة الاخيرة جوهرها ان بيروت عالمة سلفا ولاشك ان الفرنسيين “لايمزحون ولايساومون في هذا الموضوع، وانهم تاليا ماضون حتى النهاية في ما اعتبروه “مواجهة مفتوحة ” مع سلامة تنتهي بعقاب له.
واقع الحال هذا كان امرا متوقعا من جانب لبنان الرسمي لانه ما زال قاصرا عن اخذ قرارات جريئة وتدابير حاسمة لمعالجة هذه القضية وملفاتها المفتوحة وفصولها المتوالية منذ اكثر من عام.
وعليه وفيما اعتصمت مصادر عين التينة، التي تنطق عادة بلسان سيدها، بالصمت في الساعات الماضية، كانت مصادر السرايا الحكومية تبادر الى الرد على السائلين لها بالاشارة الى ان انعقاد اللقاء الوزاري التشاوري اول من امس هو بداية حراك بغية الاتفاق على طريقة والية معالجة ومواكبة القضاء اللبناني في ما سيقوم به حيال ملف سلامة .
وفي سياق الضياع والالتباس عينه كان بعض الوزراء الذين تسرعوا واطلقوا احكاما حول مصير سلامة يضطرون الى التراجع والتخفيف من وقع تصريحاتهم السابقة والتي اوحت بانه من الوارد ان تسلم بيروت سلامة الى باريس انفاذا لمذكرة الانتربول، اذا ما اتخذ القضاء اللبناني المختص احكاما وتدابير تفضي الى مثل هذا الاجراء. وفي مقدم هؤلاء وزير الداخلية بسام مولوي. ولكن الخطوات القضائية الأولية لا توحي اطلاقا بذلك وحتى مع صدور مذكرة توقيف المانية أخرى امس بحق سلامة .
وهكذا تبددت تدريجا الرهانات الكثيرة على مقولة ان نهاية سلامة الحاكم بامر المال قد اقتربت وان موسم “قطاف راسه” قد اينع ودنا. وفي المقابل بدا واضحا ان حكومة تصريف الاعمال مضطرة الى ان تؤمن حمايات وحوائط صد دفاعا عن الرجل من خلال لعبة التزام تكتيكات قضائية – ادارية من شانها ان تدخل عملية تسليمه في متاهة تمتد من الان وحتى الساعة الاخيرة من ولايته القريبة .
والمعلوم انه قبل ساعات من وصول النشرة الحمراء الصادرة عن القضاء الفرنسي بحق سلامة كان الرجل يسارع الى تنظيم اطلالة اعلامية قدم فيها دفوعات شكلية بدت مقنعة لكثر وهي تعتمد في طواياها على امرين اثنين:
الاول، انه غير مستعد اطلاقا لتقبل مقولة انه سيكون “كبش المحرقة والفداء” لمرحلة بدات زاهية واعدة وانتهت ماسوية كارثية. وقد تجلى هذا في دعوته الصريحة التي مازالت اصداؤها تتردد الى اليوم ، لمحاسبة السياسيين ومساءلتهم قبل محاسبته. وتلك كانت في عرف البعض رسالة قوية منه الى من يعنيهم الامر، تحذرهم من مغبة تركه وحيدا والتخلي عنه وتحميله وحده التبعة والاوزار.
الثاني، انه ليس مستعدا لتقبل حلول من نوع “اكفنا الشر وقدم استقالة طوعية” لتوفر على البلاد نتائج صعبة وتبعات ثقال. وهو الخيار الذي اثار انقسامات وخلافات بين الوزراء في اللقاء التشاوري الاثنين الماضي .
هذا في الجانب المعلن، اما في الخفاء فقد ذكرت معلومات بان سلامة ابلغ الى من يعنيهم الامر مباشرة انه ما زاليملك اوراقا يمكن له ان يتصرف بها وفي طليعتها ورقة الاستقرار النقدي المستمر ببراعته منذ منتصف شهر رمضان الماضي ولحد اليوم. ولاشك ان الامور ستنقلب راسا على عقب اذا ما اشتدت حلقات الضغط عليه.
ولاحقا توفرت للرجل ايضا اوراق قوة منها تبدد الانباء عن قرب توقف البنوك المراسلة عن التعامل مع مصرف لبنان وهذا الامر لايتم الا بقدرة قادر قاهر، ومن غير الاميركيين الاقدر على التصرف. لذا بدا واضحا ان واشنطن التي امنت حصانات متكررة لسلامة ليست في وارد نزعها قبل نهاية ولايته. ووفق استنتاجات خرج بها معنيون اجتمعوا قبيل ايام مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، بدا واضحا لهم ان المناخات المسيحية عموما لاتماشي توجها يقضي بان يجلس النائب الاول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري على كرسي الحاكم ويقبض على صلاحياته .
ويقول هؤلاء ان باسيل وان كان يعد العدو الاول لسلامة فانه يتمسك بامرين:
– الاول، الاستعداد لمواجهة اي تدبير يسلم صلاحيات الحاكم الى نائبه الاول، وهو في هذا السياق يرفض المقارنة بتسليم صلاحيات المدير العام السابق للامن العام اللواء عباس ابرهيم الى ضابط مسيحي رفيع .
-الثاني، انه يرفض اي صيغة من شانها ان تبيح لحكومة تصريف الاعمال تعيين حاكم للمصرف لان الامر منوط حصرا برئيس الجمهورية المقبل.
والامر الوحيد المستعد ان يتعامل باسيل معه هو تعيين حارس قضائي لادارة موقتة لهذا المرفق العام المهم انطلاقا من اعتباره ان هذا التدبير لا يأكل من صلاحيات الرئاسة الاولى وموقعها وهو فقط اجراء موقت لملء الشغور.