جنبلاط – برّي… علاقة “أبعد” من 14 حزيران
جنبلاط – برّي… علاقة “أبعد” من 14 حزيران
الكاتب: أحمد عياش | المصدر: اساس ميديا
12 حزيران 2023
ما من صداقة بين رجلَيْ سياسة في لبنان دامت كتلك التي جمعت الرئيس نبيه بري والزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط. إنّها تعود إلى زمن كان فيه الرجلان في مطلع الشباب، مع تميّز الزعيم الشيعي بأنّه أكبر سنّاً من الزعيم الدرزي. وعندما كان برّي يشقّ طريقه إلى عالم السياسة في مطلع العقد السابع من القرن الماضي، كان جنبلاط ذا شعر طويل يمتطي درّاجته النارية لابساً سترة جلدية، رافضاً الاقتراب من صالون والده كمال جنبلاط لأنّه كان ممتعضاً من سياسة ذلك الزمن.
يقول السياسي المخضرم محسن دلّول الذي عاش زمناً طويلاً في كنف كمال جنبلاط إنّ الأخير ارتبط بصداقة عميقة مع الإمام موسى الصدر، لكنّ جنبلاط الأب كان ميّالاً إلى الشابّ برّي عندما صار قيادياً في حركة أمل كي يكون الوسيط بين حركة جنبلاط الوطنية وبين حركة الصدر “أمل”. ويروي دلول أنّ جنبلاط الأب جاهر مراراً برغبته في صعود برّي في مواجهة القيادي الشيعي الشابّ الآخر، الأقرب في ذلك الزمن إلى الإمام الصدر، السيد حسين الحسيني الذي كان أسرع وصولاً إلى رئاسة مجلس النواب من منافسه برّي.
في غفلة من الزمن، وبتدبير من الأقدار، رحل كمال جنبلاط عن الدنيا بقرار من الرئيس السوري حافظ الأسد في آذار 1977، ثمّ غاب الصدر في آب من العام التالي 1978 في غياهب الجماهيرية الليبية على يد معمّر القذافي. وهكذا جمع الاغتيال والغياب الشابّين الشيعي والدرزي ليكونا على رأس حركة وحزب كانا وما يزالان في قلب النفوذ السياسي في لبنان.
صديقان يتيمان… في الشام
التقى جنبلاط الشابّ، الذي فقد والده، وبرّي، الذي افتقد زعيمه الروحي، في مكان واحد هو دمشق. وعلى الرغم من أنّ وليد جنبلاط وريث الزعيم الاشتراكي والوطني الكبير كمال جنبلاط، كان مدركاً أنّه يقيم صفقة مع قاتل والده، لكنّه كان قد وطّد النفس على الصبر بانتظار مرور الجثّة في النهر. ومثله فعل برّي الذي كان يعلم علم اليقين أنّ الإمام قد غاب في جماهيرية القذّافي تحت سمع الأسد وبصره.
لم تأتِ الصداقة بين زعيم “أمل” الشابّ وزعيم الاشتراكي الشابّ في مستهلّ ثمانينيات القرن الماضي على طبق من فضّة، بل جاءت تحت خوذة وجعبة ورشّاش. ومن كان في تلك المرحلة وعاش حتى اليوم يدرك كم لعلع الرصاص في بيروت الغربية بعدما خرجت الثورة الفلسطينية إثر الاجتياح الإسرائيلي في عام 1982 إلى المنافي القريبة والبعيدة. وقتذاك كان نظام الأسد يتمدّد على السجّادة اللبنانية التي مدّها الاجتياح، وكانت حركة “أمل” طليعة النفوذ السوري في لبنان حتى عام 2005. وكان الصدام الذي لا بدّ منه بين طلائع التمدّد السوري وبين اشتراكيّي جنبلاط ومرابطي إبراهيم قليلات الذي كان جنباً إلى جنب مع الراحلين الفلسطينيين عن لبنان.
من صراع البقاء إلى صراع التحالف. هكذا بدأت الصداقة العميقة بين برّي وجنبلاط، وكانت باكورتها انتفاضة 6 شباط 1984 في بيروت الغربية التي أنهت في قسم من العاصمة اللبنانية نفوذ الحكم الكتائبي برئاسة أمين الجميّل. لكن ما ميّز هذه الصداقة منذ نحو 40 عاماً أنّها كانت ودودة ولدودة في آن، كما هو الحال بين الأشقّاء في العالم البيولوجي. وكم مرّت تجارب كان فيها الشقيقان الشيعي والدرزي على طرفَيْ نقيض كما كان الحال في حرب المخيّمات التي شنّها برّي بقرار من الأسد، وأحداث 8 أيار عام 2008 التي أطلقها “الحزب” ومضت في ركابها حركة “أمل”.
أسرار عين التينة – كليمنصو
هناك الكثير من الأسرار بين عين التينة وكليمنصو، ستبقى طيّ الكتمان حتى يأتي الزمن المناسب لكي تُذاع. لكن ما أصبح معلناً وتداولته الألسن في الأيام الماضية أنّ هناك ما هو أكثر من وعكة في علاقة الشقيقين. وعلى ما يبدو، هناك بداية فراق بينهما سيكون شبيهاً بالطلاق، في السياسة طبعاً. لم يكتم الرئيس برّي الذي يخوض غمار حرب ضروس من أجل فوز مرشّحه سليمان فرنجية برئاسة الجمهورية، أنّه شعر بالخيبة لابتعاد جنبلاط عنه في مرحلة تتطلّب أن يكون “الصديق وقت الضيق”. يدور في الصالونات همسٌ بأنّ سفر جنبلاط الأخير أوّلاً إلى قبرص ثمّ إلى فرنسا لم تُقنع مبرّراته برّي الذي أدرك أنّها ذرائع في الشكل، لكنّها تعني في المضمون الافتراق السياسي في عزّ الاستحقاق الرئاسي.
عندما قرّر جنبلاط الابتعاد عن زعامة الحزب الاشتراكي كان ذلك خطوة أخيرة كي يضع كلّ الأثقال على كاهل نجله تيمور الذي يتأهّب ليثبت لوالده أنّ ساعده قد اشتدّ كفاية، والبرهان هو اتّخاذه قرار تأييد ترشيح جهاد أزعور في مواجهة فرنجية.
يبقى أنّ علاقة جنبلاط وبرّي مرّت بمطبات كبيرة، وتاريخية، لا تبدأ في حروب بيروت الثمانينات، ولا تنتهي في 7 أيّار 2008. و14 حزيران هو عنوان آخر من عناوين “الافتراق الطفيف”، ستليها محطّات ستجمعهما بالتأكيد… أبعد من 14 حزيران، وجلسة ومرشّح وتقاعد أحدهما…
كتب وليد جنبلاط رسالة إلى صديقه القديم جداً برّي وأودعها في صندوق بريد عين التينة، وجاء فيها: “آن الأوان يا صديقي أن اتقاعد. أنا بدأت ويوماً ما ستحذو حذوي لنتلاقى معاً كما كنّا نفعل أيّام الشباب قبل أن تجرفنا السياسة آخذة معها معظم العمر”.