العقوبات الأميركية على “حزب الله”… أيّ تأثير في اقتصاد لبنان؟
المصدر: نداء الوطن
13 حزيران 2023
كثيراً ما نسمع في لبنان عن شخصيات مرتبطة بـ «حزب الله» أدرجت على لائحة العقوبات الصادرة عن «مكتب مراقبة الأصول الأجنبية» التابع لوزارة الخزانة الأميركية «أوفاك» OFAC. وقد أُقِرّ ضمن هذا الإطار قانون «هيفبا 1» ثم تبعه قانون «هيفبا 2»، وقد سبقت هذين القانونين لوائح عقوبات، ثم تبعتها مراسيم تطبيقية لـ «هيفبا 1».
تأتي هذه العقوبات بسبب تورّط هذه الشخصيات بشكل أو بآخر في تأمين الأموال لاستمرارية «حزب الله» الذي تصنّفه الإدارة الأميركية «منظمة إرهابية مدعومة من إيران، وتتعارض أهدافها في غالب الأحيان، مع مصالح الشعب والحكومة اللبنانيين».
إن إدراج هذه الأسماء على اللائحة الصادرة عن أوفاك والمعروفة باسم SDN list يعني أنّ المواطنين الأميركيين محظور عليهم التعامل مع أصحابها. كما أنّه يجمّد أي أصول عائدة لهم في الولايات المتحدة، ويحد أيضاً من قدرتهم على الاستفادة من النظام المالي الأميركي.
ولم تكتفِ وزارة الخزانة الأميركية بإصدار الـ SDN list، بل طالبت الحكومة اللبنانية أيضا بوقف التعامل مع الأشخاص المدرجين عليها. وقد سبقت هذه الخطوة، سلة من قوانين وتدابير لجأت إليها واشنطن، بالطرق الدبلوماسية والعسكرية والتشريعية والتنفيذية، عبر عقوبات اقتصادية ضد إيران وبرنامجها النووي ومنظومة صواريخها الباليستية، وكذلك تمدّدها عبر ما تعتبره الإدارة الأميركية «حركات إرهابية تابعة لها في دول عدة، منها لبنان والعراق وسوريا وصولاً إلى اليمن».
عدد من الذين سبق وشملتهم العقوبات
ومن هؤلاء الذين أدرجوا على هذه اللائحة، وعلى سبيل المثال لا الحصر:
− أسعد بركات الذي وصفته وزارة الخزانة الأميركية بأنه «الذراع اليمنى لزعيم «حزب الله» حسن نصر الله في أميركا الجنوبية»، متهمة إياه بإدارة شبكة سرية لجمع الأموال لصالح «حزب الله» عبر تهريب المخدرات والسلع المقرصنة.
− حسن حدرج، عضو المجلس السياسي للحزب والمسؤول عن الشؤون الفلسطينية، الذي وجهت اليه مع آخرين تهمة الاتجار في العملات المزيفة والبضائع المقرصنة وجوازات السفر المزورة، واستخدام الأموال الناجمة عن هذه الأنشطة في شراء أسلحة لصالح الحزب.
− أمين شرّي النائب في البرلمان اللبناني الذي اتهمته الإدارة الأميركية «باستغلال منصبه الرسمي، لدفع أهداف الحزب المتعارضة مع مصالح لبنان حكومة وشعباً».
− رجل الأعمال أدهم طباجة، ومجموعة «الإنماء» التي يملكها وعلي حسين علي فاعور، وشركته «كار كير سنتر» CAR CARE CENTER التي يملكها مع قاسم حجيج، بدعوى أنهم يشكلون جزءاً من شبكة دعم لـ «حزب الله»، وواجهة لنشاطاته في لبنان والعراق.
− رؤوف سلمان القيادي في «حزب الله» المتهم «بتنسيق الهجوم المدمّر في بيونس آيرس عاصمة الأرجنتين على أكبر مركز يهودي في أميركا الجنوبية في العام 1992»، بحسب ما جاء في بيان وزارة الخزانة الأميركية.
− محمد قصير الذي يحمل عدة ألقاب أبرزها «الحاج فادي»، يُعدّ من الممولين الرئيسيين لـ»حزب الله»، وقناة مهمة للإنفاق المالي من فيلق القدس الإيراني الذي يُستخدم لتمويل أنشطة الحزب، كما يساعد في الإشراف على العديد من الشركات الأمامية المستخدمة لإخفاء دور فيلق القدس.
− محمد قاسم البزال المسؤول عن موازنة المحاسبة المالية بين «حزب الله» وفيلق القدس، وأحد مؤسسي مجموعة «تلاقي»، كما أنه يشرف على مؤسسات تمويل أخرى مثل «حقول إس أيه إل أوفشور» و»نغم الحياة» وشركات أخرى يستخدمها لتمويل العديد من الشحنات النفطية غير المشروعة المرتبطة بالحرس الثوري وتنسيقها وإخفائها.
− علي قصير ممثل «حزب الله» في إيران والميسر الرئيسي للأنشطة المالية والتجارية التي تفيد فيلق القدس وحزب الله، وتشمل مسؤولياته التفاوض على أسعار بيع البضائع وتسوية المدفوعات المتعلقة بسفن الشحن والتعاون لتغطية النفقات وتسهيل شحن النفط الإيراني.
− محمد إبراهيم بزي الذي يحمل الجنسيتين اللبنانية والبلجيكية، وهو مموّل رئيسي لـ»حزب الله»، وقد قدم الملايين من الدولارات للحزب من الأنشطة التجارية التي يقوم بها عبر الشركات التي يملكها أو يسيطر عليها.
− حسيب محمد حدوان المعروف أيضاً باسم الحاج زين، هو مسؤول بارز في الأمانة العامة لـ»حزب الله»، ويشرف مع مدير مكتبه علي الشاعر على جمع الأموال من متبرعين ورجال أعمال من خارج لبنان.
− حسين الشامي المسؤول الكبير في «حزب الله» وأحد قادته المؤسسين، وقد شملته عقوبات سابقة لترؤسه «بيت المال» في الحزب حتى ما قبل وفاته في آذار الماضي.
− قاسم تاج الدين المتّهم مع حاتم بركات بغسل الأموال لصالح «حزب الله».
− بالإضافة إلى النائب محمد رعد والقيادي في الحزب وفيق صفا.
تمويل «الحزب» نحو مليار دولار سنوياً
وتجدر الإشارة إلى أنّ الخارجية الأميركية تقَدّر بنحو مليار دولار حجم الأموال التي يحصل عليها الحزب سنويّاً من خلال الدعم المباشر من إيران، وشركات الأعمال التجارية العالمية، والاستثمارات، وشبكات المانحين، والفساد، وأنشطة غسل الأموال وفقاً للتعريفات الأميركية.
هذا ويُتوقّع أن تتوسّع هذه العقوبات وتتصاعد بشكل ممنهج، ضمن أطر زمنية ومراحل محدّدة للتنفيذ، لتستهدف شخصيات أخرى، سواء أكانت مرتبطة بشكل مباشر بالحزب أم بشكل غير مباشر. وذلك في سبيل الوصول إلى «عقوبات أكثر فعالية من أجل التضييق على الحزب وتجفيف مصادر تمويله الشرعية وغير الشرعية « وفقاً للمصادر الأميركية.
إذاً فإنّ هؤلاء وغيرهم من الأشخاص الذين طالتهم العقوبات الأميركية أو قد تطالهم، يشكّلون واجهات «شرعية» متعددة لأعمال وأنشطة تهدف إلى تمويل «حزب الله»، واجهات قد يتعامل معها كثير من اللبنانيين دون معرفة من يقف وراءها، الأمر الذي يجعلهم عرضة للعقوبات أو الملاحقات القانونية. كل هذا يحدث على «عين» الدولة اللبنانية دون أن تحرّك ساكناً، وكأنه لا يعنيها الأمر لا من قريب ولا من بعيد.
غريزي: هذه هي طبيعة العقوبات
يرى المحامي رفيق غريزي أنّ «أوفاك» (هيفبا 1 وهيفبا 2) و»ماغنيتسكي» هي كلها عقوبات صادرة عن وزارة الخزانة الأميركية وهي تعنى بتحديد العقوبات الاقتصادية والتجارية وتنظيمها وفرضها المعايير التي تتخذ لفرض هذه العقوبات تنطلق من السياسة العامة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية كما تنطلق من معايير تهدف إلى حماية الأمن القومي الأميركي.
قد تكون هذه العقوبات محدّدة وموجّهة ضد دول معيّنة وقد تكون عقوبات موضوعية. وأشهر العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية هي على روسيا وإيران وسوريا و»حزب الله» وكوريا الشمالية وفنزويلا وكوبا…
تبدأ هذه العقوبات الاقتصادية، كما يشرح المحامي غريزي، بحظر الدخول إلى الولايات المتحدة الأميركية ثم حجز الأصول وتجميد الأموال وحظر التعامل مع أي من هذه الأنظمة… وكل من يتعامل مع هذه الأنظمة أو مؤسساتها يعدّ خاضعاً للعقوبات الاقتصادية، وبالتالي هي تهدف إلى إخراج هؤلاء من نظام التبادل العالمي أو النظام المصرفي العالمي أو SWIFT.
هذا العزل يؤدي، بحسب غريزي، إلى جعل هذه الدول تحت العقوبات والحظر. ومن المعلوم أن المصارف في سوريا وفي إيران وحتى بعض المصارف العراقية سابقاً محظورة، وأي تعامل معها يعدّ بمثابة التعامل مع دول خاضعة للحظر. والسبب هو في السياسة الخارجية لحماية الأمن القومي ومكافحة غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب والجرائم السيبرانية… كل هذه الأسباب تدفع الخزانة الأميركية لاتخاذ هذه الإجراءات.
يضيف غريزي أن الولايات المتحدة الأميركية ما دامت هي دولة عظمى ولديها هذه القوة الاقتصادية الأحادية في العالم، فإن العقوبات التي تفرضها لها معايير معيّنة تجعل من الدول التي هي تحت الحظر خارج المنظومة المالية الدولية ويؤدي هذا الموضوع بالنتيجة إلى التأثير في اقتصاد هذه الدول. وكلنا نرى ما يحدث في دول المنطقة نتيجة للعقوبات والحظر الذي أدى إلى تدهور العملات وغيره.
«القرض الحسن» مثالاً
ويشير غريزي إلى جمعية «القرض الحسن» على سبيل المثال، فهي مؤسسة تابعة لـ»حزب الله» مدرجة على لوائح الإرهاب ومحظور التعامل معها حسب العقوبات الاقتصادية الاميركية، وبلسان الأمين العام للحزب يقول إن المواطنين لم يعد لهم ثقة بالمصارف، ما دفع بعضهم إلى وضع أموالهم في هذه الجمعية. إذن فهؤلاء يتعاملون مع مؤسسة تحت الحظر وبالتالي قد يكونون عرضة للعقوبات وللتدابير التي يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة.
العزلة هي النتيجة
بالخلاصة، يقول غريزي إنّ أخذ لبنان إلى مثل هذا النوع من العقوبات بسبب تصرّف حزب قرّر أن يوالي نظاماً يعزل نفسه عن المجتمع الدولي، من شأنه أن يؤدي إلى نتائج اقتصادية وسياسية ومالية وتجارية وخيمة. نحن بالفعل أصبحنا في العزلة فكيف إن أكملنا في هذا المسار؟
طعمة: نهاية الوهم المالي
في الإطار نفسه، يرى المحامي أديب طعمة أنّ بداية نهاية الوهم المالي كانت في العام 2011 مع فضيحة البنك اللبناني الكندي، أول مصرف لبناني يتعرض لعقوبات من الخزينة الاميركية، ومن ثم تسارعت القوانين:
− في العام 2012: قانون ماغنتسكي العالمي.
− في العام 2014: قانون منع التمويل الدولي لـ»حزب الله» هيفبا 1 ثم هيفبا 2، أول قانون أميركي يطبّق على مؤسسات مالية غير أميركية.
− في العام 2016: توسيع نطاق قانون ماغنتسكي العالمي.
− في العام 2016: كان الإفلاس غير المعلن، وتمّت تغطيته بالهندسات الماليّة.
− في العام 2019: حصل الانهيار الرسمي وقبله العقوبات على جمّال ترست بنك، التي تراكمت مع عقوبات عربية.
القطاع المصرفي في حالة survival mode
اليوم، بحسب المحامي طعمة، القطاع المصرفي هو في حالة survival mode وتحت رحمة مشيئة الإدارة الأميركية وبعض المصارف المراسلة يمكنها في أيّ وقت وقف التعامل مع المصارف اللبنانية، وقد سقط هذا القطاع لعدة أسباب أساسها زوال الثقة به على كل الأصعدة. لذا نحن في ظل الاقتصاد النقدي وهو الإطار المناسب لكل عمليات تبييض الأموال، ولا يمكننا إلا أن ننظّر فقط بمدى خطورة النتائج وماذا ستقرر أميركا.
وهنا يطرح طعمة السؤال: إلى أيّ مدى يريد المجتمع الدولي التعمق في أساليب المصارف في المدة الزمنية السابقة، سواء أكان ذلك على مستوى القطاع المصرفي أم على مستوى المصرف المركزي، وما كمّية الأموال غير الشرعية المتداولة وتلك التي يريد أن يفضحها؟
في الوقت نفسه، هناك حرب مخابراتية بين الإدارة الأميركية ومموّلي «حزب الله»، وهنا السؤال الآخر: إلى أي مدى ستستمر هذه الحرب وأين ستقف؟
نهاية حقبة وبداية أخرى
ويبقى الأمل، حسب ما يرى طعمة، في أن تخلق سلطة مضادة تؤدي في نهاية المطاف إلى زوال المنظومة الحاكمة، شرط أن يخلق شيء جديد. لكننا نلعب في الوقت الضائع ويمكن أن نذهب في كل الاتجاهات:
− إمّا مساحة لعمليات التهريب كافّة.
− وإمّا دولة مع قطاع مصرفي جديد واقتصاد حقيقي جديد.
− وإمّا عمليّة إعادة ضبط دون تغيير أي شيء.
ويختم طعمة «أنّ كل شيء محتمل حتى الآن، لكنّ المؤكّد هو أننا في نهاية حقبة وبداية أخرى، وأمام اتجاهين لا ثالث لهما: فإمّا إعادة ضبط، وإعادة الأشخاص أنفسهم، والمصارف نفسها، والنموذج نفسه، مع أغنياء جدد وفقراء جدد… وإمّا محاسبة وتغيير النموذج برمّته. أنا أعتقد أن الاتجاه الأخير سينتصر في النهاية».