خيانات و«خناجر» في جلسة الوقت الضائع و«الصوت الضائع»: أزعور فاز ولم ينتصر وفرنجية خسر ولم ينْكسر

خيانات و«خناجر» في جلسة الوقت الضائع و«الصوت الضائع»: أزعور فاز ولم ينتصر وفرنجية خسر ولم ينْكسر

الكاتب: وسام أبوحرفوش | المصدر: الراي الكويتية

15 حزيران 2023


– نكسة سياسية لـ «حزب الله» وخيْبة مكتومة لمعارضيه

– إيران عاجَلتْ حصيلة جلسة الـ لا انتخاب وأطلقت نفيراً: إلى الحوار الداخلي دُر

– التمرّد الحزبي انفجر بوجه باسيل رئاسياً فتسرّبت أصواتٌ من خلف ظهره؟

– الأمم المتحدة: جلسة رئاسية أخرى غير حاسمة والفراغ المطوَّل يقوّض الممارسات الديموقراطية

– بريطانيا «محبَطة لفشل البرلمان مجدداً بانتخاب رئيس وعرقلة التصويت تؤخّر حل الأزمة الاقتصادية»

– المعارضة اعتبرت النتائج «انتفاضة بوجه محاولات الفرض» و«الممانعة» مضت في هروبٍ إلى الأمام

– الخلاصات السياسية والرقمية لجلسة الانتخاب تلفح الموقف الفرنسي عشية لقاء محمد بن سلمان

– ماكرون

… جهاد أزعور فاز ولم ينتصر، وسليمان فرنجية خسر ولم ينكسر. معادلةٌ «على الطريقة اللبنانية» طبعتْ «جلسةَ الوقت الضائع» رقم 12 لانتخابِ رئيسٍ للجمهورية في لبنان والتي سرعان ما انطبعتْ بـ «الورقة الضائعة» التي كادت أن تحجب ما بدا هنْدسةً على «الورقة والقلم» استبطنتْ «خيانات» أو «غدراً» بـ «خناجر» سياسية، داخل «البيت الواحد» وبين ضفاف الاصطفافات، وهبّت معها على البرلمان «رياح خمسينية» حيكتْ في ليلٍ طويل وأريد أن ترفع «سكور» مرشح فريق الممانعة (فرنجية) إلى فوق 50 صوتاً، وإبقاء أصوات مرشح تقاطُع غالبية المعارضة و«التيار الوطني الحر» تحت عتبة الـ 60.


14 يونيو، الذي لم يتوهّم أحد في لبنان ولا خارجه أنه سيُفْضي إلى استيلاد الرئيس 14 للجمهورية ويُنْهي شغوراً يستجرّ منذ 7 أشهر ونصف الشهر، مرّ بسلامٍ خالَفَ مواقف نارية سبق «أمّ الجلسات» وبدت كأنها «خارقة لجدارِ الصوت» في دويّها الذي تَردَّدَ في أكثر من اتجاه، إلى أن استقرّت العاصفةُ الهوجاء أمس في صندوقة الاقتراع التي ثبّتت الأصواتُ الـ 128 التي أُسقطت فيها «الجدارَ المسدود» الذي يصطدم به الاستحقاق الرئاسي، وإن مع مجموعة مفارقاتٍ ترتبط بـ «جردة الربح والخسارة» التي ارتسمتْ من الأرقام التي نالها كلٌّ من أزعور (59 صوتاً) وفرنجية (51 صوتاً) وزياد بارود (6 أصوات) و«لبنان الجديد» (8) والعماد جوزف عون (1) وورقة بيضاء (1) وورقة ملغاة (جهاد العرب).


– فعلى ضفّة غالبية المعارضة – التيار الحر، بدا فوز أزعور بالنقاط على فرنجية وكأنه بطعْمِ المرارة الأقرب الى الخيْبة من «سكاكين في ظهر» مرشّحِها، جاءت من أقربين أو «مقتربين جدد» حرمتْه تجاوُز عتبة الـ 60 صوتاً، وسط رهاناتٍ عشية الجلسة لم تُسْقِط احتمالَ بلوغ أزعور رقم 64 أو حتى 65 صوتاً (أي النصف زائد واحد)، الذي وإن لم يكن كفيلاً بإعلانه رئيساً في الدورة الأولى (تتطلب غالبية الثلثين أي 86 نائباً) إلا أنه كان سيتوّجه «رئيساً مع وقف التنفيذ» رغم تطيير نواب الممانعة نصاب الدورة الثانية الذي تَعَطَّلَ للمرة 12 وهذه المَرة من دون تحديد أي موعد جديد للجولة 13.


وسريعاً استوعَب داعِمو أزعور النتيجة، وركّزوا الضوءَ على أنه «لو حصلت الدورة الثانية كما كان طبيعياً أن يحصل لكان لدينا الآن رئيس للجمهوريّة، وما جرى هو تعطيل حقيقي وفعلي لانتخابات رئاسة الجمهوريّة ككل» كما أعلن رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وأيضاً على أن خسارةً لا غبار عليها لحقتْ بفرنجية وبفارق 8 أصوات أمام مرشّح غالبية المعارضة – التيار الحر، وأن مرشّح الممانعة نالَ ما مجموعه «77 لا» وإن تَشَتَّتَتْ باتجاهات عدة، معتبرين أن ما حصل «انتفاضة حقيقية لنواب لبنان من كل الانتماءات الذين اجتمَعوا لرفض عملية الفرض والتهديد، ومحاولات الايحاء بأن القرار الرئاسي موجود بمكان واحد في لبنان، ولحملات التخوين واتهامنا بالعمالة وبأن أي رئيس غير سليمان فرنجية يعيش في تل أبيب»، كما قال رئيس «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميّل.


«سرّ» الورقة الضائعة


ووفّر «سرُّ» ورقة اقتراعٍ «اختفتْ» بعد إنهاء الفرز الذي رسا على 127 صوتاً، فيما كان الحضورُ مكتملاً أي من 128 نائباً (وهي المرة الأولى تلتئم جلسة رئاسية منذ أول الجولات في سبتمبر الماضي بنصاب عددي كامل)، مادةً للمعارضة لاعتبار ما جرى أبعد من «سوء إدارة» من رئيس البرلمان نبيه بري بل أقرب إلى «سوء نية» أخْفت وراءها رغبة في الحؤول دون بلوغ أزعور الرقم 60 وما يعنيه معنوياً بحيث يبقى مع فرنجية تحت «السقف الخمسيني»، مستدلّين على ذلك من رفْض بري حتى معاودة فرز الأوراق على قاعدة «ان ورقة بالناقص لن تغيّر في النتيجة».


وفيما اعتبرت النائبة ستريدا جعجع، أن الجلسة «غير دستورية»، دار «الصندوقُ الأسود» للورقة – الشبح دورةً كاملة بين اعتبار أنها كانت تحمل صوتاً إضافياً لأزعور، ثم أنها كان يفترض أن تضاف للأصوات التي رفعت شعار «لبنان الجديد» (صوّت به نواب غالبيتهم سنّة من قدامى تيار المستقبل) قبل أن يعلن الأمين العام لمجلس النواب، أن الصوت الـ 128 المفقود«هو مغلف فارغ من أي ورقة».


…«خياناتٌ»؟


على أن عملية «البحث والتحري» الأدقّ كانت داخل أروقة تَجَمُّع المعارضة – التيار الحر حول النواب الذين تفلّتوا من وعودٍ بالتصويت لأزعور وتسرَّبوا من صفوفه إلى فرنجية الذي كانت البوانتاجات تشير إلى أن أصواته ستقارِب 47 وليس 51.


وبعد تسريباتٍ عن إمكان أن يكون نائبان من كتلة تيمور وليد جنبلاط الثمانية مَنَحا صوتيْهما لفرنجية، وهو ما نفاه النائب هادي ابو الحسن الذي أكد التزام الكتلة بالتصويت بكامل أعضائها لأزعور، شخصتْ الأنظارُ على كتلة«التيار الحر»التي يترأسها النائب جبران باسيل، وسط مؤشرات إلى أن 5 منها غرّدوا خارج السرب ورُجِّح أن 2 منهم اقترعا لفرنجية و2 ربما لبارود، وهم الذين سبق ان اعتُبروا متمرّدين على خيار باسيل وجرت تدخلات على أعلى مستويات حزبية لحضّهم على عدم الخروج عن القرار الحزبي بمنْح أصوات التكتل لأزعور، وهي تدخلات دخل على خطها الرئيس السابق ميشال عون شخصياً مع كل من النواب آلان عون، ابراهيم كنعان، سيمون ابي رميا وأسعد درغام، إلى جانب نائب رئيس البرلمان الياس بوصعب.


وما عزّز الاقتناعَ بأن ثمة «نكسةً» داخلية وأخرى سياسية أصابت باسيل جراء عدم القدرة على ضمان أكثر من 11 أو 12 صوتاً كحد أقصى لأزعور من كتلته (بلا نواب حزب «الطاشناق» وعددهم 3 وتردد أنهم صوّتوا لفرنجية)، تمثّل في امتناع باسيل عن أي كلام بعد الجلسة وترؤسه اجتماعاً داخل البرلمان شارك فيه عدد من نواب كتلته، هو الذي كان يطمح بحسب خصومه لمباغتة حليفه السابق «حزب الله» بإيصال أزعور لرقم يلامس 65 يستقوي به لحفْر مسارٍ جديد يقوم على «الخيار الثالث»، وهو ما تم «تنفيسه» بحِسبة الـ 51 – 59، علماً أن رئيس «التيار» كان اتّهم عشية الجلسة الحزب وبري بـ«التدخّل في شؤون التيار الداخلية وتحريض عدد من المسؤولين والنواب في التيار على خيارات مختلفة»، واصفاً هذا الأمر بأنّه «منافٍ للأخلاق» وداعياً إلى وقفه.


وما أضفى «صدقية» على كلام المتحدّثين عن دورٍ محوري لمَن عصوا قرار باسيل في فرْملة مسار أزعور الرئاسي، أن مرشّح غالبية المعارضة كان نَجَحَ حتى في جمْع صوتيْن إضافييْن من التغييريين (فراس حمدان وابراهيم منيمنة) الذين صوّتت غالبيّتهم (7 من 11) لأزعور، رغم تسريباتٍ لم تستبعد أن يكون أحد هؤلاء «نقل البارودة» في اللحظة الأخيرة.


الممانعة… هروب إلى الأمام


– وفي مقلب فريق الممانعة، انبرى هؤلاء إلى ما يشبه «الهروبَ إلى الأمام» على قاعدة أن النتيجة التي حقّقها فرنجية ثبتت موقعه في المعادلة الرئاسية وكرّست تَوازُناً سلبياً وعاكستْ «الأحلام الوردية» لخصوم هذا الفريق، معتبرين أن ما جرى «هو انتصار للمعركة الديموقراطية ولحلف يحمل مشروعاً سياسياً واضحاً، في مقابل تقاطعٍ قال عناصره انه مرحلي وينتهي مع هذه الجلسة»، كما قال المعاون السياسي للرئيس بري النائب علي حسن خليل.


واستُشفّ من مواقف «الممانعة» أن وقائع الجلسة وخلاصاتها تؤكد المؤكد لجهة الحاجة إلى حوار وتفاهُم من دون أي إشارة إلى إمكان التخلي عن ترشيح فرنجية، الذي تَعتبر أوساط مطلعة أن «حزب الله» يقارب دعمه من الزاوية نفسها التي اعتمدها في تأييد العماد ميشال عون حين دفعه «الصبر الاستراتيجي» (في 2014) إلى الانتظار نحو 30 شهراً إلى أن جاءت الغالبية المطلوبة الى هذا الخيار الذي لم يكن حينها يحظى بدعم إلا قوى 8 مارس.


رسالة إيرانية عاجلة


واستوقف الأوساط المطلعة الموقف البارز الذي عاجَل به السفير الايراني مجتبى أماني الجميع ولم يكن جفّ بعد حبر نتائج الجلسة 12 الانتخابية إذ غرّد عبر حسابه على«تويتر»: «أكدنا ودعونا مراراً أن الحل الوحيد لإنهاء الفراغ الرئاسي، هو عبر الحوار والتفاهم والاجماع الداخلي»، وهو الموقف الذي تم التعاطي معه على أنه يعكس ارتياحاً من طهران لمجريات الجلسة يُلاقي اقتناع فريق الممانعة بأن خيار فرنجية لم يسقط بـ«ضربة النصف زائد واحد المعنوية» ولا بأي رقم ستيني وأن مرحلة ما بعد 14 الجاري ستحمل افتراقاً لمَن تلاقوا على خيار أزعور فقط بهدف إقصاء زعيم«المردة»ما يجعل من الأسهل «تفتيت» تَقاطُعهم الظرفي.


ولم يقلّ دلالة أن يكمل بري على موجة السفير الإيراني نفسها، إذ وجّه نداء إلى النواب دعا فيه «إلى عدم تقاذف كرة المسؤولية بين الأطراف حول إطالة أمد الفراغ، وإلى حوارٍ من دون شروط لا يلغي حق أحدٍ بالترشح»، معتبراً «أن الإمعان بهذا السلوك والدوران في هذه الحلقة المفرغة وانتهاج سياسة الانكار لن يوصلنا الى النتيجة المرجوة، التي يتطلع اليها اللبنانيون والأشقاء العرب والاصدقاء في كل أنحاء العالم».


وأكد «أن الإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية لن يتحقق إلا بالتوافق وبسلوك طريق الحوار ثم الحوار ثم الحوار. حوار تتقاطع فيه إرادات الجميع حول رؤية مشتركة لكيفية إنجاز هذا الاستحقاق دون إقصاء أو عزل أو تحد أو تخوين.. حوار تحت سقف الدستور يحافظ على الميثاقية والشراكة».


استياء أممي وإحباط بريطاني


في موازاة ذلك، كانت إشاراتُ إحباط دولي تبرز من التطيير المتعمّد للدورات الثانية من جلسات الانتخاب، من دون أن يُعرف إذا كان هذا الاستياء سيُستتبع بخطواتٍ زاجرة.


فالمنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا غرّدت عبر حسابها على «تويتر»: «جلسة انتخاب رئاسية أخرى غير حاسمة في مجلس النواب. يحتاج قادة لبنان وأعضاء البرلمان إلى اتخاذ خطوات عاجلة لضمان انتخاب رئيس للبلاد لصالح بلدهم وشعبهم. الفراغ المطول يقوض الممارسات الديموقراطية في لبنان ويزيد من تأخير الإصلاحات والحلول اللازمة التي طال انتظارها لاعادة البلاد إلى مسار التعافي».


ولم يقل دلالة موقف بريطاني عبّر عنه وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اللورد طارق أحمد الذي أعرب «عن إحباطه لفشل مجلس النواب اللبناني مجدداً بانتخاب رئيس للجمهورية»، معتبراً أنّ «عرقلة التصويت على اختيار رئيس جديد تؤخر حل الأزمة الاقتصادية في لبنان».


وشدد الوزير البريطاني عبر «تويتر» على أنّ «لبنان بحاجة ماسة إلى رئيس لتوحيد البلاد، وتقديم رؤية للإصلاح، ومحاربة الفساد، والدفاع عن سيادة القانون».


الانسداد الداخلي يعزّز المسار الخارجي


وفيما كان طرفا أول منازلة رئاسية بين مرشحيْن في «جمهورية الطائف» يعلنان الشكر للنواب، مع اعتبار فرنجية «اننا نحترم رأي النواب الذين لم ينتخبوني وهذا دافع لحوار بنّاء مع الجميع نبني عليه للمرحلة المقبلة»، وتمني أزعور «أن يكون المشهد الجديد حافزاً على التلاقي على خيار إخراج لبنان من الأزمة، من خلال احترام ما عبّرت عنه غالبية النواب»، لم يكن ممكناً الجزم بما سيكون عليه الواقع السياسي – الرئاسي في الفترة المقبلة وإن مع ترجيح أن المطاحنة ستستمر وأن الفراغ باقٍ وسيتمدّد.


وفيما لم تستبعد الأوساط المطلعة أن يُترك لمجريات جلسة أمس تأخذ مداها، قبل أن يعمد أي فريق لبلورةِ إذا كان لديه خطة ب على قاعدة «الخيار الثالث» ومتى وأين سيطرحها، فإن ثمة اقتناعاً متزايداً بأن الأفقَ مقفلٌ في شكل كامل داخلياً، رغم قراءةٍ رأت أن بالإمكان «تسييل» تفوّق تَقاطُع المعارضة – التيار الحر على صعيد منْحهم أفضلية في التفاوض على رئيس التقاطُع مع الممانعة وفق معادلة«نحن نسمّي والفيتو للفريق الآخر».


ويعزز هذا الانسداد المحلي الاقتناعَ بأن المرحلة المقبلة سيحكمها بالدرجة الأولى المسار الخارجي للأزمة الرئاسية الذي تتصدّره علناً باريس التي ستوفد على الأرجح مطلع الأسبوع المقبل وزير خارجيتها السابق جان – إيف لودريان إلى بيروت لتدشين مهمة كلّفه به الرئيس ايمانويل ماكرون واعتُبرت طياً لصفحة تولي الاليزيه دور الرافعة لخيار فرنجية.


وإذ تعاطت بعض الدوائر مع خسارة فرنجية أمام أزعور أمس، على أنها رسالة مدوية برسْم باريس، كونها أول لا عارمة نيابية له منذ تبلْور المبادرة الفرنسية أوائل السنة، اعتبرت أيضاً أن جبهة الرفض لزعيم «المردة» سيكون لها بطريقة أو أخرى وقْع على محادثات ماكرون مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المرتقبة غداً في العاصمة الفرنسية، حيث يُرجَّح أن يحضر الملف اللبناني رغم زحمة عناوين البحث ذات الطابع الثنائي والدولي، علماً أن الرياض وباريس هما جزء من مجموعة الخمس حول لبنان التي تضم ايضاً الولايات المتحدة ومصر وقطر.