الحزب: ما يزال الوضع تحت السيطرة
الكاتب: إيلي القصيفي | المصدر: اساس ميديا
15 حزيران 2023
لا تعدو الحملة الإعلامية، التي نظمّها الإعلام القريب من الحزب غداة ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، كونها تهويلاً “عاديّاً” الهدف منه تذكير الجميع في الداخل والخارج بالخطوط الحمر التي لا يسمح الحزب بتجاوزها على الساحة اللبنانية. فكلّ الكلام عن محاولة خارجية – داخلية لعزل الحزب لا يمتّ إلى الواقع الراهن بصلة. بل هو يخالف الواقع، والحزب يعلم تماماً هذا الأمر ويتصرّف على أساسه.
2023 غير الـ 2005
لا تشبه المرحلة الحالية البتّة مرحلة عام 2005، لا داخلياً ولا خارجياً. فليس هناك مرادفٌ الآن للضغط الدولي الذي واجهه النظام السوري ومعه الحزب وقتذاك في أعقاب اجتماع النورماندي الشهير بين الرئيسين الأميركي جورج بوش الابن والفرنسي جاك شيراك (7 حزيران 2004)، الذي أنتج لاحقاً القرار 1559 (3 أيلول 2004) غداة تعديل مجلس النواب الدستور وتمديد ولاية الرئيس إميل لحّود. بل إنّ الدينامية الغربية في التعاطي مع لبنان، وبالأخصّ مع الحزب، التي تعبّر عنها السياسة الفرنسية بشكل أساسي، لا تنحو باتجاه الحوار الدائم مع الحزب حول رئاسة الجمهورية وحسب بل حول الوضع اللبناني برمّته. وهذه سياسة فرنسية لم تتغيّر بتغيّر الفريق الفرنسي المعنيّ بمتابعة الملفّ اللبناني.
طبعاً لا يمكن توقّع تطابق كامل بين الموقفين الفرنسي والأميركي من الأزمة اللبنانية الراهنة، لكن لم تظهر حتى الآن إشارات جدّية إلى تناقض كبير بين هذين الموقفين. ولم تصل أصلاً التطوّرات اللبنانية، وبالأخصّ الرئاسية، إلى مرحلة يمكن معها لهذا التناقض، إن وجد، أن يظهر، فالأمور لم تصل إلى خواتيمها بعد لكي تكشف الأطراف الدولية والإقليمية عن كامل أوراقها في اللعبة اللبنانية الجهنّمية.
الواقع أنّ تفكيك شيفرة الرسائل الإعلامية والسياسية التي أرسلها الحزب إلى من يعنيهم الأمر خلال الأسبوع الماضي أظهرت بوضوح تحسّسه من حركة النائب جبران باسيل
مشاغبة محدودة
لأسابيع خلت أمكن رصد مشاغبة أميركية-عربية على المبادرة الفرنسية التي طرحت الوزير السابق سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية مقابل الدكتور نوّاف سلام لرئاسة الحكومة، لكنّها مشاغبة محسوبة ولا تنقلب على الدور الفرنسي في لبنان. حتّى إنّه تردّدت أنباء في بيروت عن أنّ السعوديّين ملتزمون التنسيق مع الفرنسيين بشأن الملف اللبناني، وهذا يعني أنّ فرنسا تحظى بشبه تكليف عربي-دولي لإنتاج “تخريجة” للأزمة اللبنانية المستعصية، وهذا أمر لا يزعج الحزب بل بالعكس تماماً.
بالتوازي ليس هناك أدنى شكّ في أنّ العواصم الدولية والإقليمية تتبادل رسائل صامتة وتحت الحزام على الساحة اللبنانية، وخصوصاً بين واشنطن وطهران وبين الرياض وطهران. لكنّ هذه الرسائل لا تخيف الحزب اللاعب الرئيسي في لبنان ولا تحيي لديه هواجس عام 2005، وإن كان الحزب يترقّب التطوّرات بدقّة ويحاول تفكيك التقاطعات بين أفرقاء الداخل والتقاطعات بين الداخل والخارج في الموضوع الرئاسي، وبالتحديد في ما يخصّ ترشيح أزعور. لكن حتّى الآن ما تزال الأمور بالنسبة للحزب تحت السيطرة، وبالتالي لا داعي للهلع بالنسبة إليه، والأهمّ أن لا داعي له حتى الآن لأن يستخدم وسائل “غير تقليدية” في المعركة.
تفكيك الشيفرة
الواقع أنّ تفكيك شيفرة الرسائل الإعلامية والسياسية التي أرسلها الحزب إلى من يعنيهم الأمر خلال الأسبوع الماضي أظهرت بوضوح تحسّسه من حركة النائب جبران باسيل، لكنّه تحسّسٌ يحمل في حدود التعبير عنه وفي مفرداته رسالة ضمنيّة إلى باسيل بأن “لا تتخطّى الخطوط الحمر”، والأخير ليس أصلاً في هذا الوارد، وهو ما عبّر عنه تكراراً في مجمل مواقفه وحركته، ولا سيما لجهة دعوته بالتوازي مع ترشيح أزعور إلى التوافق بشأن الرئيس الموعود.
لكنّ التطوّر الداخلي الذي يعني الحزب ليس حركة باسيل وحسب، بل أيضاً حركة وليد جنبلاط، وهي أكثر مدعاة لقياس حجم التقاطعات الداخلية – الخارجية في شأن الأزمة الرئاسية. لكن في هذا الشأن أيضاً الحزب غير متخوّف من انقلاب “اشتراكي” على المسار الذي ينتهجه جنبلاط منذ عام 2009، وإن شهد هذا المسار هبوطاً وصعوداً في العلاقة بين الحزب و”زعيم المختارة”.
صورة غير مكتملة
عند هذا الحدّ تبدو الصورة الداخلية والخارجية بشأن الأزمة الرئاسية واضحة في تفاصيلها الرئيسية وإن كانت غير مكتملة بالنظر إلى عدم وضوح المسارات الإقليمية والدولية في المنطقة التي يتأثّر بها لبنان بقوّة. فالمسار السعودي – الإيراني يتقدّم لكن ببطء، وهو أمر طبيعي لأنّ من غير المتوقّع أصلاً الانتقال من حالة العداء المطلق بين البلدين إلى حالة التوافق التامّ. وأساساً حاول السعوديون منذ البداية رسم حدود لهذا الاتفاق، وهو ما دلّ عليه مبكراً كلام وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بقوله إنّ توقيع الاتفاق مع إيران لا يعني حلّ كلّ المشكلات العالقة معها.
تبدو الصورة الداخلية والخارجية بشأن الأزمة الرئاسية واضحة في تفاصيلها الرئيسية وإن كانت غير مكتملة بالنظر إلى عدم وضوح المسارات الإقليمية والدولية في المنطقة التي يتأثّر بها لبنان بقوّة
الواقع أنّ حدود هذا الاتفاق ترتسم تباعاً بحيث لا يمكن تأويله بأكثر ممّا يحتمل، لا بالنسبة للعلاقة الثنائية بين البلدين، ولا بالنسبة لنظرة كلّ منهما لأزمات المنطقة. وهو ما يعني لبنانياً أن لا صدام مفتوحاً سعودياً – إيرانياً على الساحة اللبنانية كما في السابق، لكن في الوقت عينه ليس هناك استعدادٌ سعودي للتعامل مع لبنان بوصفه ساحة إيرانية.
في السياق عينه ليس تفصيلاً أن يستعيد بيان وزراء الخارجية الخليجيين، يوم الأحد في 11 من الشهر الجاري، الأدبيات الكلاسيكية بشأن إيران، سواء لجهة المطالبة بالمشاركة في المفاوضات النووية وأن تشمل هذه المفاوضات “كلّ القضايا والشواغل الأمنيّة لدول الخليج”، أو إدانة التدخّلات الأجنبية في اليمن في إشارة ضمنية إلى إيران، وهو ما استدعى ردّاً من طهران، خصوصاً أنّ البيان الخليجي جاء غداة زيارة وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن للسعودية.
لا يعني ذلك بأيّ شكل من الأشكال خروجاً عن المسار الجديد للعلاقات الإيرانية – السعودية بعد اتفاق بكين. لكن في الوقت عينه أصبح من الواضح أنّه ليست هناك وتيرة واحدة لهذا المسار، وهو ما يلقى ارتدادات في ساحات التنافس الإقليمية، ومنها لبنان. ولذلك يُفترض بأيّ تسوية بشأن لبنان أن تؤمن مصلحة الطرفين لا طرف واحد بعينه، وبالتحديد إيران صاحبة النفوذ الأمنيّ والسياسي الأقوى في لبنان.
ما يجري من استئناف المفاوضات بين طهران وواشنطن بشأن إطلاق المعتقلين الأميركيين لدى إيران، وتخفيف مستوى تخصيب اليورانيوم مقابل تقليص العقوبات الأميركية على طهران ورفع الحظر عن بعض أصولها في الخارج، سيكون عاملاً مسهّلاً للتسوية في لبنان في حال بلغ خواتيمه.
إقرأ أيضاً: الحزب “حائراً” في مواجهة المتغيّرات: هل انتصرنا فعلاً؟
رئاسة أم نظام؟
بالعودة إلى الملفّ الرئاسي لا يُنظر إلى ما يجري داخلياً من تقابل للمرشّحين من حيث مفاعيله الآنية بل من حيث تأثيره على المسار العامّ والطويل للملفّ الرئاسي الذي ما يزال العامل الفرنسي عاملاً رئيسياً فيه. فمعطيات الساعة تفيد بأنّ كلا المرشّحين فرنجية وأزعور لن يُكملا المعركة إلى النهاية، ويقوم السيناريو المتوقّع على أن يجري البحث عن مرشّح ثالث تحضّر باريس أرضيّة التوافق على اسمه بالاتفاق أوّلاً مع الحزب، ثمّ محاولة تسويقه لدى الأفرقاء الآخرين. وهنا يمكن التقاط إشارات جديدة في العلاقة بين الحزب وقائد الجيش، سواء من خلال مجريات إطلاق المخطوف السعودي وحادثة كفرشوبا أو من خلال امتصاص الحزب مفاعيل القرار القضائي بشأن مقتل الجندي الإيرلندي في العاقبية. لكنّها إشارات غير كافية لتأكيد تقدّم أسهم قائد الجيش في بورصة المرشّحين، خصوصاً أنّ فيتو جبران باسيل عليه ما يزال قائماً فضلاً عن تعديل دستوري لا يسعى إليه الرئيس برّي. لكنّ الأهمّ أنّ هذا السيناريو برمّته ليس السيناريو الوحيد والنهائي، إذ لا يمكن استبعاد أن تؤدّي استعصاءات الملفّ الرئاسي بسبب تقاطع الشروط الداخلية والخارجية إلى البحث عن تسوية أكبر من رئاسة الجمهورية قد تطول النظام السياسي نفسه. وليس عابراً في هذا السياق أن يواصل الدكتور سمير جعجع تشكيكه في “التركيبة” حتّى بعد ترشيح أزعور، وأن يتحدّث فرنجية للمرّة الأولى، الأحد، عن اللامركزية الإدارية. إذ في هذا الكلام ما يؤكّد أنّ هذا المطلب المسيحي التاريخي أصبح بنداً رئيسياً في الأجندة السياسية المسيحية بالتوازي مع رئاسة الجمهورية، حتّى بالنسبة إلى فرنجية “المرتاح” في إمارته الزغرتاوية-الإهدنيّة. لكنّ السؤال: هل الطريق إلى هذه التسوية الأكبر من رئاسة الجمهورية ستكون آمنة وسالكة أم مليئة بالعبوات الناسفة والمتفجّرات؟!