ورشة عمل لجمعيّة “عدل ورحمة” عن المُخدّرات والإيدز في لبنان

ورشة عمل لجمعيّة “عدل ورحمة” عن المُخدّرات والإيدز في لبنان

نظّمت جمعيّة “عدل ورحمة” ورشة عمل بعنوان “بناء القُدرات والاستدامة لاستراتيجيّات الحدّ من أضرار تعاطي المُخدّرات ورعاية فيروس نقص المناعة البشريّة/الإيدز في لبنان”، في اوتيل “رامادا” وسط المدينة(بيروت) شاركت فيها ريتا عقيقي (ممرضة مُجازة)، دنيز أبو نصار (أخصائية اجتماعية، مديرة بيت الإيواء التابع للجمعيّة)، جنيفر جيرماني (أخصائية نفسيّة)، واستهدفت مُقدّمي الرعاية الصحيّة، بما في ذلك الأطباء والمُمرِّضات والصيادلة وعُلماء النفس والاختصاصيين الاجتماعيّين وغيرهم من الاختصاصيين في الخُطوط الأماميّة المُشاركين في الرعاية المُباشرة للمرضى.


بداية، تحدث رئيس الجمعيّة الأب الدكتور نجيب بعقليني عن “المخدرات: مأساةٌ، غير أن… ضياع حياة”، أوضح فيها أن “أجيال هذا العصر تُعاني، يومًا بعد يوم، أزمات فادحة وصعوبات جمة، وتعقيدات خانقة، وتحديات كبيرة. أصبح عصرنا في مهبّ الرياح العاتية، التي تعصف بقوّة بمصير أفراد المُجتمع، لا سيّما الشبيبة ومُستقبلها”.


وأشار إلى أن “عصرنا مطبوع بالأحداث الأليمة والإنجازات المتطوّرة والتقدّم التكنولوجي الهائل خصوصا في مجال الذكاء الاصطناعي، والمناسبات العالمية، مع ذلك، نرى سلوكيات الإنسان وإدارته وتفاعله مع البيئة سيئة جدًا كما مع الآخر المُختلف، من هنا لا بدّ من إعادة الاعتبار إلى الإنسان والإنسانيّة لأن إرادة الخالق تكمُن في جمع الناس حول السلام و “العيش معا” بأمان ونمو مستدام”.


أضاف: “يبحث عُلماء الاجتماع والنفس والاقتصاد، كما الديانات السماويّة، عن أسباب تلك الحالة القاسية التي تؤثّر سلبًا وبشكل مُباشر على حياة أفراد المُجتمع. دخل عصرُنا في عتمة الظُلمة الموحشة، رافضًا نور الفِكر والمنطِق، كما التعاليم السماويّة، والمبادئ الأخلاقيّة والإنسانيّة. نعم، راهنت شريحةٌ من المجتمع على أن الحُلول لتلك الأزمات تكمُن في الهُروب إلى الأمام، من خلال العُزلة والتخاذُل والضعف وعدم المواجهة والارتهان إلى الخيال، ومن خلال استخدام المُخدِّرات. نعم، يحاول قسم كبير من مدمني المخدرات الهُروب من الواقِع، عبر اللُّجوء إلى حُلولٍ خياليّة ووهميّة تؤدّي إلى نتائج سلبية ومؤذية”.


تابع: “لن ندخل كثيرا في المسببات المتعددة للإدمان على المُخدِّرات، لكن سنتوقف قليلاً عند بعض العوامل المُتعارف عليها عِلميًا، وأبرزها العوامل الشخصيّة، ومنها: عدم توافُر معلومات صحيحة حول المُخدِّرات، وتأثيرها ونتائجها على الحياة الصحيّة والنفسيّة والعلائقيّة والاجتماعيّة على المدى القريب والبعيد، عدم النُّضج والوعي، انعدام المهارات الشخصيّة والحياتيّة، مثل تقدير الذات، والقُدرة على اتّخاذ القرارات الصائبة، وحلّ الصُّعوبات ومواجهة التحديَّات والضغوط الحياتية على الصعد كافة”.


وأكّد أن “الأمراض والاضطرابات النفسيّة تجتاح عالمنا، مما يؤثر على الذين يعانون صعوبات جمّة، لا سيما الارتهان للمُخدِّرات. نعم لا يُمكننا إلّا مُتابعة نضالنا وتحرُّكنا ومُطالبتنا بشتى أنواع الوسائل والطرائق السليمة، للدفاع عن الإنسان والإنسانيّة معًا”.


ختم: “بالتأكيد لا يُمكننا تجاهُل أنين المُتألّمين وصُراخ المظلومين والمُهمّشين وفاقدي العدل والعدالة الاجتماعيّة لا سيّما المُساواة وتكافؤ الفرص، فضلًا عن الانتهاكات ضدّ الإنسان والإنسانيّة والبيئة. نعم، لنعمل كلّنا على إنجاح عمليّة تخفيف الآلام والأحزان، بالتعاون والتعاضُد والمُناصرة، من أجل مساعدة المُدمنين على المُخدِّرات، لتصويب حياتهم وحياة جميع أفراد المجتمع. لننشر التوعية ونعمل على الوقاية، ولنُطبّق العلاج ونطوّر الدعم ولنُسهِم في عمليّة “التواصل” لتغيير السُّلوك، من أجل تحسين المهارات وتعزيز الشُّعور بالكفاءة الذاتيّة، والثقة بالذات، ما يدفع المُدمن إلى اتخاذ قرارات لحماية نفسه والشفاء من المرض، أو التعايُش معه من دون العودة إلى الوراء. لنُؤمن بقُدرة العلاج وفاعليَته. لنُؤمن بقُدرة المُدمن على قُبوله العلاج وحمايته من الانتكاس. لنُؤمن بالقُدرة على الاندماج الاجتماعي. لنُؤمن بالحياة”.

انطلقت ورشة العمل مع ريتا عقيقي التي ألقت الضوء على أنواع المُخدِّرات المنتشرة في لبنان القانونيّة منها وغير القانونية، والأضرار الناجمة عن استعمالها وتأثيرها السَّلبي على الجسم والعقل، وعلى العلاقات الأُسريّة والاجتماعيّة، وعلى سُلوك المُدمن سواء في عائلته أو في البيئة المُحيطة به، والذي يتسم بالعُنف وأعمال خارجة عن القانون وحتى الانتحار أحيانًا. كذلك شرحت بعض السياسات الاستراتيجيّة للحدّ من مخاطر المُخدِّرات مثل: برامج الإبرة والمحاقن، الاختبار والمشورة الطوعيّة لفيروس نقص المناعة البشريّة، العلاج المُضادّ للفيروسات القهقريّة، الوقاية والعلاج من الأمراض المنقولة جنسيًّا، برامج الواقي الذكري لمُتعاطي المُخدِّرات بالحقن وشركائهم الجنسيّين، تطعيم وتشخيص وعلاج التهاب الكبد الفيروسي، الوقاية والتشخيص والعِلاج من مرض السلّ، النالوكسون (الخطوات الواجب اتخاذها في حالة تناول جرعة زائدة من المواد الأفيونيّة).


بعد ذلك، قدّمت دنيز أبو نصار عرضًا شاملاً عن برنامج العِلاج بالبدائل الأفيونيّة ودوره المُهمّ في الحدّ من الأضرار للأشخاص الذين يُعانون من إدمان الأفيونيّات، استهلّته بتسليط الضوء على الهدف الأساسي للبرنامج، وهو تقليل المخاطِر الصحيّة المُرتبطة باستخدام الأفيونيّات، بخاصة انتقال العدوى بالأمراض المنقولة عبر الدم الناتجة عن تبادُل الإبر بين مُدمني المُخدِّرات. أيضًا شرحت العلاج بالأدوية مثل البوبيرنورفين وسوبوكسون، اللذين يعملان كناهضات جزئية للأفيون، مما يُخفّف من أعراض الانسحاب ويُقلّل من الرغبة في تعاطي المواد غير القانونيّة، وأوضحت أن البرنامج يستهدف الأشخاص الذين تجاوزوا الـ 18 عامًا، والذين واجهوا صُعوبات في الحفاظ على الامتناع وعانوا انتكاسات مُتكرّرة.


كذلك تناولت الدعم الشامِل الذي يقدّمه البرنامج، بما في ذلك فريق متعدّد الاختصاصات يضمّ أطباء نفسيّين، وعلماء نفس، واختصاصيين اجتماعيّين وممرضين، ما يوفر نهجًا مُتكاملًا للتعامُل مع جوانب الإدمان الجسديّة والنفسيّة والاجتماعيّة، مُشدّدة على أهميّة التزام البروتوكولات التي وضعتها وزارة الصحّة العامة، بما في ذلك المُراقبة الدوريّة عبر اختبارات البول والدعم المستمرّ لمُساعدة المُشاركين في تحقيق الاستقرار والحِفاظ عليه.


بعد عرض دراسة تحليليّة عن التكلفة الفعّالة للبرنامج، أشارت إلى الأداء الاقتصادي للبرنامج باستخدام نِسب التكلفة الفعّالة المُتزايدة، ورغم بعض الارتفاعات في مُعدّلات الانتكاس، أثبت البرنامج فعاليّته في تقليل الأضرار المُرتبطة بالمُخدِّرات ومنع الانتكاسات، فضلًا عن تأثيره في منع الجُرعات الزائدة والوفيّات المُرتبطة بالمُخدِّرات، مع استقرار تكلفة العِلاج لكلّ مريض رغم ارتفاع التكاليف العامّة. في النهاية قدّمت توصيات لتعزيز التمويل والحِفاظ على فعاليّة البرنامج، بما في ذلك تحسين تدريب مُقدّمي الرعاية، الاستثمار في المُراقبة المُستمرّة، ودمج العلاج بالبدائل الأفيونيّة ضمن استراتيجيّة شاملة لعلاج الإدمان. جنيفر جيرماني بدورها تناولت جنيفر جيرماني التأثيرات النفسيّة لاستخدام المواد المخدّرة وتأثيرها المباشر على الصحّة العقليّة والنفسيّة، وسلطت الضوء على الضُّغوطات والظروف التي تدفع الأفراد إلى اللجوء إلى الكُحول والمخدّرات، إلى جانب الآلام النفسيّة والجسديّة التي يعاني منها المُدمن، وتأثير هذه المعاناة على حياته وحياة أفراد أُسرته.


كذلك ناقشت قضيّة الوصمة الاجتماعيّة والتمييز الذي يواجهه مستخدمو المخدّرات، مبيّنةً كيف تنعكس هذه الوصمة سلبًا على صحّتهم النفسيّة. في سياق آخر، تطرقت إلى مسألة المساواة بين الجنسين في الحصول على الرعاية الصحيّة، مشيرة إلى أن نسبة الرجال الذين يلتمسون المُساعدة تفوق بشكل واضح نسبة النساء، وشرحت الأسباب الكامنة وراء هذا التفاوت، موضحةً كيف تشكّل العوائق الاجتماعية والثقافية حاجزًا أمام النساء في الوصول إلى العلاج، ما يستدعي مُعالجة هذه التحديات لتعزيز العدالة والمساواة في هذا المجال”.


ختامًا، قدمت استراتيجيّات عملية تهدف إلى تقليص الوصمة والتمييز داخل مراكز الرعاية الصحيّة، مؤكدة أهمية التعليم والتواصُل كأداتين رئيسيّتين لزيادة الوعي وتعميق الفهم حول هذه القضايا، بما يُسهم في خلق بيئة أكثر شموليّة وعدالة للجميع. دراسة حالة تفاعُليّة.


في ختام الورشة أجرت ريتا عقيقي دراسة حالة تفاعُليّة، طُلب خلالها من المُشاركين تحليل الحالة المُقدّمة وتطوير خطّة عمل شامِلة لمعالجتها. قسِّم المشاركون إلى مجموعات صغيرة لتسهيل عمليّة النقاش والتعاون، ما أتاح لهم استعراض المشكلة في جوانبها المختلفة وتقديم حلول واقعيّة بناء على خبراتهم ومجالات تخصُّصهم.


بعد وضع خطط العمل، دار نقاش مُعمّق بين المُشاركين عن الاستراتيجيّات المُقترحة، وتم تبادل الآراء والأفكار، مع التركيز على التحديّات المُحتملة وسُبل التعامُل معها، وقد أسهم هذا النقاش في تعزيز الفهم الجماعي للسياسات الاستراتيجيّة اللازمة للحدّ من أضرار المُخدِّرات”.________ متابعة === عايدة حسيني