600 شخص من ذوي الإحتياجات الخاصة يُعانون في ظلّ الحرب

600 شخص من ذوي الإحتياجات الخاصة يُعانون في ظلّ الحرب


في ظل الأزمات المتتالية التي يشهدها لبنان، يتفاقم وضع المهجرين بشكل عام، لكن معاناة المهجرين ذوي القدرات الخاصة، تشكل واقعا مريرا يستدعي تسليط الضوء بشكل خاص على احتياجاتهم ومتطلباتهم الإنسانية. هؤلاء الأشخاص الذين يواجهون تحديات جسدية، يجدون أنفسهم في مواقف حرجة وصعبة، خصوصا في الأماكن التي تفتقر إلى التجهيزات اللازمة لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

فمراكز الإيواء التي أُعدت لاستقبال المهجرين غالبا ما تكون غير مجهزة لاستضافة الأشخاص الذين يستخدمون الكراسي المتحركة أو يحتاجون إلى مساعدات خاصة. لا يستطيعون التنقل بسهولة داخل هذه المرافق، ولا يمكنهم دخول الحمام أو الوصول إليه، كما أن النوم على الأرض يشكل تحديا خطرا بالنسبة لهم، إذ يحتاجون إلى مساعدة للجلوس على كرسيهم، وإذا كانت إصابتهم تمنعهم من النوم على الأرض، فإنهم يتعرضون بسرعة لقروح مزعجة بسبب الوسادات القاسية.

“الديار” خلال جولاتها على دور الإيواء وفي الشوارع، حيث لا يزال هناك عدد كبير من المهجرين الذين يفترشون الطرقات، التقت المهجرة من الضاحية الجنوبية لبيروت سيلفانا زعيتر، وهي سيدة في الستينات من العمر، كانت جالسة على الأرض بجانب كرسيها، وتتحرك بصعوبة بالغة. هذا المشهد الذي حمل في طياته معاناة إنسانية عميقة، فتح أمامنا بابًا واسعًا للتحقيق في ظروف هؤلاء النازحين ذوي التحديات الجسدية، ومدى استعداد الجهات المختصة للتعامل مع احتياجاتهم

وفي حديثها روت السيدة سيلفانا معاناتها اليومية وألمها بسبب وضعها الصحي، وكيف أن الظروف القاسية قد جعلتها تجد نفسها في الشوارع، بلا مأوى مناسب، تطلب العون من وزارة الشؤون الاجتماعية، لتأمين مكان ملائم لها ولغيرها من الأشخاص ذوي الهمم.

الوضع في الكوارث: معاناة مضاعفة

بدورها، تقول رئيسة الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيا سيلفانا اللقيس لـ “الديار”: “للأسف، وضع الأشخاص المعوقين كما يحدث دائما في الكوارث، يجعلهم يدفعون الثمن الأكبر. يزداد عدد هؤلاء، خاصة كبار السن، بنحو أربع مرات بسبب انعدام الجهوزية لدى الدولة لاستيعاب احتياجاتهم، مثل مراكز الإيواء”. مشيرة الى “ان معظم هذه المرافق لا تناسب شخصا يستخدم الكرسي المتحرك، حيث لا يمكنه التنقل بحرية أو دخول المرحاض أو حتى الوصول إليه. كما لا يستطيع النوم على الأرض ومن ثم الجلوس على كرسيه مجددا، إذ يحتاج إلى من يساعده. وإذا كانت إصابته تمنعه من النوم على الأرض، فإنه يتعرض سريعا للقروح، ولا يمكنه استخدام الوسادات القاسية”.

المبادرات لحل الأزمة…

تحديات كبيرة وموارد محدودة

وتضيف: “نحن كغيرنا من المنظمات والجمعيات نبادر لإيجاد حلول، لكن هذه المرة الوضع أصعب من كل المرات السابقة، حيث الموارد قليلة جدًا”. أما في ما يتعلق بالمدينة الرياضية، فتوضح اللقيس “لقد تابعنا مع المحافظة في بيروت، وذهبت شخصيًا وتابعت التحضيرات على الأرض مع المهندس المتخصص في المعايير الهندسية بشار عبد الصمد. رأينا المكان، وبحسب ما شهدنا، فإن التجهيزات جيدة ومقبولة، حيث ان الموقع معد لاستقبال حوالي 800 شخص، وقد تم تخصيص 24 غرفة للأشخاص ذوي الهمم، وهذه الحجرات قريبة من المراحيض التي جُهزت لتشمل الحد الأدنى من المواصفات الرئيسية، بحيث يستطيع شخص على كرسي متحرك الدخول بسهولة”.

عدد الغرف غير كافٍ: التحديات تزداد

وتكشف ان “الترتيبات في هذه الظروف معقولة جدا، لكن العدد المطلوب يفوق ما انشئ. كانت هناك أقوال عن افتتاح قسم جديد، لكنني لم أعد أعرف إلى أين وصلوا في هذا المشروع”.

المعاناة في الشوارع والحالات في ارتفاع

وعن السيدة سيلفانا زعيتر، التي التقتها “الديار” وهي تفترش جانبًا من الطريق المؤدي إلى اللعازارية، تعلق قائلة: “شاهدنا الكثير من الأشخاص في الشارع ، وتواصلنا مع وزارة الشؤون الاجتماعية لتأمين أماكن لهم. والسيدة هيام صقر، مسؤولة مصلحة المعوقين في وزارة الشؤون الاجتماعية، تتولى إحالة الأشخاص الذين لديهم تحديات جسدية. لكن عند إجراء الإحالة، لا يقبل الجميع بسبب عدم وجود أماكن إضافية مجهزة في بيروت. قبل اقتراح تهيئة المدينة الرياضية، كان يُرسل هؤلاء إلى الشمال، لكن الموارد والإمكانات هناك أقل بكثير من باقي المناطق، والمراكز غير مجهزة. لذا، يرفض الكثيرون هذه الخيارات، مما يعمق مأساتنا”.

البحث المستمرّ عن مراكز

مُجهّزة… تحديات إضافية

وتتابع اللقيس: “نواصل في الاتحاد البحث عن مراكز مجهزة، لكن للأسف، الخيارات قليلة جدًا. نتابع الحالات التي تحتاج إلى استشفاء، ولدينا مطبخ لتحضير الوجبات، لكن هذه الجهود لا تمثل سوى نقطة في بحر الاحتياجات. السكن ما زال غير محسوم، وحتى الآن يعيش البعض في أماكن غير مجهزة، ويعانون مشاقًا كبيرة، وقد تواصلنا مع حوالي 600 شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة”.

مُطالبات بإنشاء وحدة لإدماج

الإعاقة ضمن إدارة الكوارث

وتقول: “منذ حوالي سنة، عندما بدأت الاشتباكات تتصاعد في القرى الحدودية الجنوبية، طالبنا رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ووزير إدارة الكوارث بإنشاء وحدة لإدماج الإعاقة ضمن إدارة الكوارث، لكن للأسف، جاء الوقت الصعب قبل تنفيذ هذه الترتيبات، مما عقّد الموضوع وجعل الوضع أصعب. قبل الحرب، كانت هذه القضية غير مدرجة في أولويات الوزارات، وكان التعامل معها مجزأً ومنفصلًا”.

وزارة الشؤون الاجتماعية:

جهود محدودة وسط موارد قليلة

من جهتها، توضح منسقة وزارة الشؤون الاجتماعية في خلية الأزمة في محافظة بيروت الدكتورة سهير الغالي، لـ “الديار” مدى تأثيرات المحنة في الأشخاص ذوي القدرات الخاصة وكبار السن قائلة: “في الأزمات والطوارئ، تتعرض هاتان الفئتان باعتبارهما الأكثر تأثرا للتهميش والخطر، ولا يتلقيان الخدمات بشكل كافٍ، وهذه حقيقة علمية بديهية. أما في الوقت الحالي وبصفتي منسقة، فقد تأكدت شخصيا من صحة هذه النظرية، خاصة في بيروت، حيث تبيّن أن ذوي الاحتياجات وكبار السن هم الأكثر معاناة، سواء كانوا مصابين بتحديات جسدية أو اضطرابات ذهنية مثل الزهايمر”.

وتكشف ان “هؤلاء دخلوا مراكز الإيواء الجماعية، التي ثبت لنا من خلال مشاهداتنا أنها غير ملائمة ولا توفر الامان لهم. اذ يحتاج ذوو الهمم أو المسنون إلى رعاية خاصة وخدمات مخصصة، لا سيما إذا كانوا فاقدين للاستقلالية. لذلك، في ظل الحرب العشوائية الحالية، تأثرت العديد من المؤسسات، وبالأخص تلك الموجودة خارج بيروت، والتي كانت تقدم خدمات متميزة. للأسف، أصبح معظمها خارج الخدمة، مما اضطر الافراد الذين كانوا يتلقون الرعاية فيها إلى الانتقال إلى منظمات أخرى، في مناطق مختلفة، حيث تم استقبالهم مع ذويهم أو بمفردهم وتأمين الخدمات اللازمة لهم”.

وتشير الغالي إلى أنه “هناك بعض المؤسسات الرعائية المتخصصة التي استوعبت هذه الشريحة، مثل مؤسسات الرعاية الاجتماعية التابعة لدار الأيتام، التي استقبلت النازحين مع ذويهم، لكنها وصلت إلى طاقتها الاستيعابية القصوى ولم يعد لديها مجال لاحتضان المزيد من الأشخاص، خصوصا الذين يعانون من تحديات جسدية أو يحتاجون إلى رعاية خاصة. لذا، كشف هذا الوضع عن هشاشة نظام الحماية في لبنان، الذي يعاني أساسا من قلة الخدمات قبل الأزمة، فكيف سيكون الحال في ظل الحرب وزيادة عدد المحتاجين؟”

وتتطرق الى “أمر آخر تَفَاقم نتيجة الحرب، وهو زيادة عدد المصابين الذين أصبح لديهم إعاقات مكتسبة، بالإضافة إلى أن الكثيرين تأثروا نفسيا وذهنيا، مما رفع عدد الأفراد الذين يحتاجون إلى رعاية وعناية خاصة. لذلك، أصبحنا أمام تحدٍ كبير: أين سيذهب هؤلاء؟ فلا يمكنهم البقاء في الشوارع، ومن الضروري أن يتواجدوا في مراكز إيواء مؤقتة إلى حين إيجاد حل دائم”.

وتؤكد “نحن كوزارة الشؤون الاجتماعية نعمل على توزيع الفرق الميدانية في المحافظات، حيث يقوم المنسقون في بيروت، وأنا منهم، بجولات ميدانية على دور الإيواء لتقييم أوضاع الأشخاص، بخاصة ذوي القدرات الخاصة وكبار السن، وتقديم الخدمات بالتعاون مع المؤسسات لتوفير المعونات اللازمة. كما نسعى لتحسين تجهيزات الأماكن بحيث تكون ملائمة لتحرك هؤلاء الأشخاص وتمكينهم من دخول الحمام والاستحمام”.

وتختم “نواصل التنسيق مع الجمعيات لتقديم الخدمات، وفي حال لم نتمكن من تقديم المساعدة لحالات خاصة، نحولها إلى مؤسسات تمتلك القدرة الاستيعابية اللازمة، لكن هذا الأمر في غاية الصعوبة. اليوم، نحن في اللعازارية حيث يتواجد معنا فريق من أوتيل ديو، لإجراء معاينات للصحة النفسية”.

ندى عبد الرزاق – الديار