استهداف الإعلام في حاصبيا وشهداء من «الميادين» و«المنار»: «إسرائيل » لا تريد شهوداً على إجرامها
لم تمر ساعات على تهديد الناطق باسم «الجيش» الإسرائيلي أفيخاي أدرعي مجموعة من الصحافيين في غزة، وقصف مكتب قناة «الميادين» في منطقة الجناح في بيروت، حتى استهدف فجر أول من أمس مجموعة من الصحافيين اللبنانيين في منطقة حاصبيا
«أصوّر نفسي لأنّ المصوّر الذي رافقني لأشهر استشهد». بهذه العبارة رثى مراسل قناة «المنار» علي شعيب زميله المصور وسام قاسم الذي استشهد فجر أول من أمس على إثر غارة شنها العدو الإسرائيلي على مقرّ عمل الصحافيين في حاصبيا (جنوب لبنان). لم يكن قاسم الشهيد الوحيد في تلك الغارة التي استهدفت مجموعة من الصحافيين الذين كانوا ينامون في مقرّ إقامتهم، بل استشهد أيضاً المصور في قناة «الميادين» غسان نجار ومهندس البث محمد رضا، إلى جانب وقوع إصابات بين الصحافيين نُقلوا إلى أحد مستشفيات حاصبيا لتلقي العلاج، من بينهم المصوّرون في قناة «الجديد» إيلي أبو عسلي وقناة «الجزيرة» علي مرتضى، والتلفزيون التركي حسن حطيط وزكريا فاضل.
التقط علي شعيب كاميرا هاتفه الخلوي، ونقل واقع الدمار الذي حلّ بمقر إقامة الصحافيين الذين يبلغ عددهم قرابة الـ 17 يعملون في سبع مؤسسات إعلامية. وقال في فيديو مؤثر: «رافقني المصوّر وسام قاسم طوال الحرب ليل نهار، وأصبح الآن شهيداً. أفتقد المصوّرين محمد رضا وغسان نجار. في هذا المكان، كنّا نسكن. نغادر صباحاً إلى خطوط الجبهة ونعود مساءً. هنا لا يوجد سلاح ولا أي مظاهر عسكرية أو أشخاص لهم علاقة بالعسكر. إنّ سلاحنا هو الكاميرا والصورة والرسالة. إنّه السلاح الذي بات يرعب العدو الإسرائيلي كما تعرّيه صواريخ المقاومين. هذه جريمة بحق الإنسانية. كنا ننقل الحدث ومعاناة الضحايا، وأصبحنا نحن الحدث ونحن الضحايا».
يعدّ شعيب أحد أقدم الصحافيين الذين يغطون الحروب في لبنان، رافق صوته ورسائله المقاومين على مدار ثلاثين عاماً، ونقل انتصارات في الجنوب بكل شجاعة. من جانبه، يقف مراسل قناة «الجديد» في الجنوب محمد فرحات ووجهه مسودّ بسبب الدخان الذي تصاعد في موقع الغارة التي استهدفت الصحافيين في حاصبيا. خرج الصحافي من دون سترته الواقية في رسالة مباشرة قائلاً «لم نعد بحاجة لا إلى أن نرتدي الزي الصحافي ولا حتى الخوذة لأنها فقط شعارات لا يرضخ لها الإسرائيلي ولا يحترمها». وعرف فرحات برسائله التي دحضت السردية الإسرائيلية التي كانت تروّج لنجاحها في العملية البرية، ونقل عمليات المقاومين بكل ثقة.
أما مراسل «التلفزيون العربي» القطري رامز القاضي، فقد خرج في رسالة معرباً عن ألمه جراء ما أصاب زملاءه، وقائلاً «جاؤوا صحافيين ورحلوا شهداء. عند الساعة الثالثة والثلث فجر أمس، استهدف العدو بشكل مباشر الصحافيين وهم نائمون. بعد إخلاء منطقة مرجعيون حيث اشتد القصف هناك وتحديداً منطقة إبل السقي، قدمنا إلى حاصبيا وتشاركنا إياهم في تغطية الحرب الإسرائيلية». وأطلت مراسلة قناة «الميادين» فاطمة فتوني برسالة، كاشفةً فيها عما تبقى من أغراضها، «هذا ما تبقّى لي من درعي وخوذتي وميكروفوني... هذه هي أهداف العدو».
لم يكن استهداف إسرائيل للصحافيين الأول في تاريخها الإجرامي، بل قتلت أواخر العام الماضي مصور وكالة «رويترز» عصام عبدالله أثناء تواجده مع مجموعة من زملائه في منطقة علما الشعب. ولا تزال قضية عصام عالقة في أدراج الشبكة العالمية التي تتباهى بحرية الرأي. رغم وجود الأدلة والبراهين على استهداف العدو مباشرة لسيارة عصام إلى جانب زملائه، لكن «رويترز» لم تنصف عصام. كما استشهدت أواخر العام الماضي، فرح عمر مراسلة «الميادين» وزميلها المصور ربيع معماري في غارة إسرائيلية استهدفتهما في بلدة طيرحرفا في جنوب لبنان. وفي بداية العدوان الحالي، استشهد مصوّر قناة «المنار» كامل كركي في غارة إسرائيلية استهدفت بلدة القنطرة في جنوب لبنان.
في السياق نفسه، أدان مجلس «نقابة العاملين في الإعلام المرئي والمسموع»، في بيان له استهداف الصحافيين قائلاً «الصمت العالمي المدوّي على الجرائم الإسرائيلية المتواصلة على البشر والحجر من دون رادع أو آذان صاغية، والتي أتى في سياقها الاعتداء الذي تعرض له الصحافيون في حاصبيا، انتهاك واضح لا لبس فيه للقوانين والأعراف الدولية، في ظل سبات وصمت يعتري دولاً ومؤسسات حقوقية ومجتمعاً مدنياً لطالما ادعت أنّها واحات للدفاع عن الحقوق والحريات».
باختصار، وصفت الباحثة في العلاقات الدولية ليلى نقولا استهداف الصحافيين على إكس بأنه «جريمة حرب كاملة الأركان»، في دلالة واضحة على مدى التهاون الصهيوني بكل الدساتير والقوانين الدولية، فيما وقف العالم صامتاً أمام استشهاد أكثر من 170 صحافياً في غزة، من دون أن يرف له جفن. وحالياً بدأ العدو باستهداف الصحافيين اللبنانيين بعد فشله في العملية البرية في محاولة لإطفاء كاميراتهم ومنع كشف حقائق عمليات المقاومين في جنوب لبنان. يأتي الاستهداف وسط صمت الجمعيات العربية والعالمية التي تنادي بحرية الإعلام وتواطؤ بعض الإعلام اللبناني والعربي الذي نصّب أفيخاي ادرعي، رئيس تحرير، يوزّع عليه المهمات من حسابه على منصة إكس!
`ذكية الديراني