سلامة في اليوم العالمي للتراث

سلامة في اليوم العالمي للتراث

نظمت وزارة الثقافة- المديرية العامة للاثار، أ وبدعوة من الوزير الدكتور غسان سلامة، فعالية ثقافية بعنوان "التراث الثقافي في لبنان :التحديات والافق" لمناسبة اليوم العالمي للتراث، وذلك في مقر المكتبة الوطنية- الصنائع، بحضور المدير العام للاثار المهندس سركيس الخوري والرئيس الفخري لايكوموس لبنان المعمار جاد تابت، مديرة المكتب الاقليمي لمنظمة اليونسكو في لبنان كوستانزا فارينا، النائب ابراهيم منيمنة، مدير المركز الثقافي الايطالي في بيروت انجيلو جيوي وحشد من المنظمات والهيئات المعنية بالتراث وجمعيات المجتمع الاهلي.

وكان لوزير الثقافة كلمة اعتبر فيها ان "لليوم الوطني للتراث ابعاده العلمية والوطنية والجمالية والاقتصادية، وهناك بعد خامس لم ننتبه له وهو مصالحة الشباب مع التراث مما يعطي املاً كبيرًا للمستقبل".

وقال: "اشكر حضوركم هذا الاجتماع الذي آمل ان يتكرر وان نتمكن من خلال عمل جاد من بناء علاقات امتن بين الوزارة وبالذات المديرية العامة للاثار وبين الجامعات التي تدرب على الآثار وبين جمعيات المجتمع الاهلي المهتمة بالاثار".

وأضاف: "لا اعلمكم بشيء اذا قلت اني متأكد من الابعاد المختلفة لأهمية التراث في يوم التراث العالمي، هناك بعد علمي واضح بمعنى انه من غير الممكن وغير الجائز ان نكتب تاريخ منطقة أو وطن او بلد مثل لبنان دون ان نعمل على استخراج اجوبة على اسئلتنا الكبرى من الحجر ومن اثار الحضارات التي كنا جزءا منها عبر التاريخ. هناك ايضاً بعد علمي اذن ولكن هناك ايضا بعدا وطنيا بمعنى ان التراث هو جزء من هويتنا وبالتالي صعب ان تبنى الهوية بادارة الظهر لماضينا الذي نراه ونقرأه في الحجر. وهناك بعد جمالي لا يتم التركيز عليه بصورة كافية ولكن لنتصور لحظة اننا نعيش في بلد ليس فيه بعلبك، أو صور، أو صيدا أو جبيل او طرابلس او اي من هذه الاماكن لكننا نعيش في صحراء قاحلة. إذًا هناك بعد جمالي له علاقة بابداعنا كأبناء هذه الارض الذين حظينا ان يكون لدينا هذا الكم الهائل من الاثار ومن الابنية التراثية. ثم هناك بعد رابع وهو البعد الاقتصادي ونحن لدينا امكانيات سياحة ثقافية من الطراز العالي لم نستفد منها بصورة كاملة في السنوات السابقة، وآمل ان تستتب الامور الامنية في الاسابيع والاشهر المقبلة لكي نتمكن ايضا من ان نحدد السياحة الثقافية باسقاطاتها الاقتصادية المعروفة والمالية التي نشعر بأن البلاد بحاجة ماسة اليها. كل هذه الابعاد تعرفونها افضل مني".

واستطرد سلامة: "الا ان هناك بُعدا يستوقفني لاسيما منذ انفجار المرفأ ولكن ربما قبل ذلك ايضا وهو مصالحة الشباب مع التراث. ان تعدد جمعيات المجتمع الاهلي التي طبعت التراث في صلب اهتمامها والتي رأينا امثلة عديدة عنها لاسيما بعد انفجار المرفأ، ومنذ ذلك الحين ينشأ بعدً خامسً لم نكن منتبهين اليه وهو ان المجتمع الاهلي بدأ ايضاً يتكون حول قضايا تراثية وليس فقط حول القضايا التي عرفناها في شبابنا مثل الدفاع عن الحريات او الدفاع عن السيادة او الدفاع عن الأمور السياسية المعروفة. وهذا امر في غاية الاهمية برأيي وهي ان تبنى منظمات المجتمع الاهلي حول فكرة المحافظة على التراث وبهذة الطريقة الواسعة والمتنوعة عبر البلاد من طرابلس الى صور مرورا ببيروت واماكن أخرى. هو بُعد لم نكن منتبهين له، وارى فيه املاً كبيرًا بالنسبة للمستقبل".

وقال: "لذلك اعدكم بأن نعود بعد شهر الى بحث هذه المواضيع، لمناسبة اليوم الوطني للتراث الذي يقع بعد شهر من الان اعدكم بأن المديرية العامة للآثار التي هي احدى المديريات النموذجية في الدولة اللبنانية في إدارات عامة مترهلة ان تبقى هذه المديرية على قدر من النشاط والتماسك وهو امر في غاية الأهمية وانا فخور بما يقومون به. المديرية العامة للاثار ووزارة الثقافة لن تكل عموما عن القيام بهذا الامر."

وختم سلامة: "آمل ان نعقد مؤتمرا يجمع كل الأطراف مطلع الخريف المقبل يضم المديرية العامة للاثار، الجامعات المهتمة بالاثار ، المنظمات الدولية المعنية ايضا ً بالاثار جمعيات المجتمع الاهلي والبحث معا في كيفية التعاون اكثر في عملية تعظيم دور الابعاد الخمسة التي ذكرتها امامكم."

ثم كانت مداخلة للخوري تحت عنوان :"حماية المواقع التراثية في وجه العدو الاسرائيلي" والذي اعتبر ان لبنان بلدٍ التحديات الدائمة والمتواصلة"، مشيرًا الى انه "في حرب 1975 تعرض المتحف الوطني ومحيطه لحرب عبثية الا ان إرادة المسؤولين عنه كانت قوية وفعالة لإنقاذ محتوياته، وعام 1982شهد لبنان اجتياحًا من العدو الاسرائيلي هدد المعالم الاثرية مرورًا بحرب 1996 و2006 وصولًا الى انفجار مرفأ بيروت الذي طاول أيضا محيط المرفأ والابنية التراثية".

وتابع: "كما ان الحرب الاسرائيلية العبثية على لبنان مؤخراً دمرت عددا من القرى والحقت الضرر بمواقع اثرية في محاولة لالغاء هويتنا الثقافية بكل ابعادها حتى المزروعات وشجر الزيتون والتجمعات المدينية اسواق النبطية والمعالم التاريخية والدينية والتلال الأثرية ما يقارب ال250 تل اثري"، مؤكدا نوايا إسرائيل الخبيثة تجاه لبنان ومستشهدًا بما فعلته في قلعة شمع التي فجرتها انتقامًا.

وتطرق الى ما تقوم به مديرية الاثار والتدابير التي تتخذها في مواجهة آلة القتل الاسرائيلية لحماية اثارنا من التدمير باعتماد الحماية المسبقة الوقائية من خلال:توقيع إتفاقية لاهاي "البروتوكول الثاني " عام 2019، برنامج جهوزية مع الجيش اللبناني وجمعية بلادي، وضع شعار الدرع الازرق على العديد من المواقع الاثرية لحماية هذه المواقع من استهدافها لانها ممتلكات ثقافية، وضع خطة طوارئ مع موظفي المديرية للتدخل عند الحاجة الماسة، اخلاء القطع الأثرية الصغيرة من المواقع الاثرية الاكثر عرضة للاستهداف وايداعها مستودعات امنة، اخلاء القطع الصغيرة في المتحف الوطني وتحسين التخزين في المستودعات وتحضير مواد لحماية القطع الاثرية الكبيرة من الاضرار غير المباشرة، وتأمين مساعدة من منظمة Aliph في تأمين سكن لموظفي المديرية القاطنين في مناطق تتعرض لاعتداءات".

وشدد على "عمل الموارد البشرية في مديرية الاثار والتعاون مع المعنيين من مهندسين ومرممين وعلماء اثار والتواصل مع البعثات الدولية وتقديم الشكاوى عبر القنوات الديبلوماسية من اجل التدخل لردع إسرائيل في التعرض لمواقعنا التراثية والطلب من بعثة لبنان الدائمة لدى منظمة اليونسكو عبر السفير مصطفى اديب ولمكتب اليونسكو في لبنان ومركزي التراث العالمي واتفاقية لاهاي لتحييد مواقعنا من التعرض للأضرار".

ولفت مدير عام الاثار الى انه"ونتيجة الجهود المتواصلة من قبل المديرية تم تحضير ملف متكامل مزودًا بخرائط يطلب بموجبه تصنيف 34 موقعًا على لائحة الممتلكات الثقافية المشمولة بالحماية المعززة وهذا ماحصل موجها الشكر الى كل من السفير اديب والخبير الدولي في منظمة اليونسكو المعمار جاد تابت لدعمهما في ما تقدمت به المديرية عبر القنوات الرسمية".

وتطرق الخوري في مداخلته الى موضوع الطلب من اليونسكو ارسال بعثة من قبلها للكشف على المواقع المدمرة لتقييم الضرر اللاحق جراء العدوان وتم ذلك، كما أن المديرية تعمل حاليا على تحضير العديد من الملفات بالتعاون مع اصحاب الخبرة في الجامعات والجمعيات على سبيل المثال المؤسسة الوطنية للتراث من اجل اعادة الاعمار وفق رؤية نحافظ من خلالها على ارثنا الثقافي.


وكان للرئيس الفخري لايكوموس لبنان المعماري جاد تابت مداخلة تطرق فيها الى موضوع تراث لبنان الثقافي في ضوء اتفاقيات منظمة اليونسكو، لافتا الى تعدد اشكال التراث ": التراث الطبيعي ، التراث المختلط، التراث الثقافي ، التراث غير المادي ، التراث المادي ، التراث غير المنقول والتراث المنقول".

كما اشار الى "نظام التراث العالمي لليونسكو وفق الاتفاقيات: 1954 إتفاقية لاهاي لحماية المواقع الثقافية في حالة نزاع مسلح، 1965 الاتفاقية حول وسائل حظر استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة، 1972 إتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي 2001 اتفاقية حماية التراث المغمور بالمياه، 2003 اتفاقية صون التراث غير المادي، 2005 إتفاقية حماية وتعزيز تنوع اشكال التعبير الثقافي"، موضحًا ان "العناصر اللبنانية المسجلة على لائحة التراث غير المادي هيي :"الزجل ، شعر منشد او مُغنى، الخط العربي: المعرفة والمهارات والممارسات، المنقوشة: ممارسة طهي رمزية في لبنان. ولبنان في لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو: بعلبك 1984، جبيل 1984، عنجر 1984،صور 1984، وادي قاديشا 1998،معرض رشيد كرامي الدولي 2022،".

ولفت الى ان "شروط تسجيل المواقع على لائحة التراث العالمي يجب ان تتوفر في الموقع: قيمة - عالمية استثنائية - السلامة والأصالة".

واشار تابت الى ان "المواقع اللبنانية التي هي على اللائحة التمهيدية للتراث العالمي: "الاثار التاريخية والمواقع الطبيعية في بلدة منجز. مدينة طرابلس القديمة. رأس القلعة، رأس الناطور ، رأس المليح وأنفة. الوسط التاريخي لمدينة البترون، موقع نهر الكلب الاثري، معبد اشمون. الوسط التاريخي لمدينة صيدا، قلاع جبل عامل، جبل الشيخ. ومن التحديات الرئيسية للحفاظ على مواقع التراث العالمي وحمايتها قضايا مطروحة ومخاطر في القضايا المطروحة: غياب منطق الحماية ، غياب الخطط الإدارية ، حالة صون الموقع ، دراسة الاثر التراثي ،غياب مشاركة المجتمعات المحلية ، غياب التزام اصحاب القرار، والمخاطر:"الانشاء العمراني ،البنى التحتية ، النشاطات العشوائية ، الحروب والاعمال المسلحة، التغيير المناخي ، الكوارث الطبيعية ، التحولات الاجتماعية، السياحة ، الدمار المتعمد".

وختم تابت مشيرًا الى ان "التحديات الرئيسية لافق المستقبل تستوجب: تحديد مناطق الحماية وانظمتها لكافة المواقع المسجلة على لائحة التراث العالمي، تطوير المخططات الإدارية لكافة المواقع المسجلة على لائحة التراث العالمي، تطوير نظرة متكاملة للحيز الذي يحيط بكل موقع بناء على توجه المشاهد الخضرية التاريخية، اعداد ملفات الترشيح لمواقع مختارة من القائمة التمهيدية، إعادة النظر بالقائمة التمهيدية وإضافة مواقع عليها تعبر عن انماط تراثية جديدة".


وعرضت رئيسة جمعية "بلادي" جوان فرشخ للواقع الميداني في الجنوب وخاصة في النبطية وقالت: "ان الجمعية قامت خلال الحرب الاخيرة على لبنان بتوثيق الدمار الذي حصل وان التوثيق حصل بداية عبر وسائل الاعلام ومن ثم عبر التواصل الاجتماعي، وبعد نهاية الحرب بدأت عملية توثيق الاضرار ميدانيا منذ 3 كانون الثاني ومنها المباني التراثية في حوال 15 قرية".

وأضافت: "ان بداية العمل كان في مدينة النبطية التحتا وقد تم انجاز المسح الميداني وتبين وفق التقرير النهائي ان 147 مبنى تاريخيا يعود للفترة الزمنية بين ال 1700-1950ولكن ما يبرز في شكل واضح هو ان عددا هائلا من المباني التراثية منذ بداية القرن 19-وبداية القرن ال20 وهي الفترة التي عرفت فيها النبطية وسوقها ازدهارًا كبيرا ، كما وان المنازل التاريخية الموجودة في مدينة النبطية تتميز بطابعها الهندسي الراقي جدًا والذي يبحث عن عملية تمييز في البناء وعن مهارة عالية في نحت الحجر لابراز نقوش غالبًا ما تكون على مستوى عالٍ في التصميم الهندسي".

وتابعت: "ان هذه المنازل التراثية لم تسلم من الحرب وقد تعرض معظمها لعملية تدمير شامل. ومنها 8 منازل والجامع. لقد خسرت مدينة النبطية جزءا مهما من مبانيها التاريخية المميزة كما ان هناك ما يعادل ال50 منزلا تضرر من الحرب سواء تضرر جزئي او كلي ولكن يبقى القسم الاكبر متضررا جدا وهو بحاجة ماسة الى تمويل للبدء في عملية الترميم للمحافظة عليه، وهنالك منازل متهالكة ما قبل الحرب وان تهالكت لم يستغنوا ساكنيها عنها ولكن تركوها بانتظار ان يجدوا حلًا لها، وهذا ما يبرز ان بيئة الجنوب متمسكة بارضها وتراثها وتعمل بشتى الطرق للمحافظة على نمط حياتها".

وختمت فرشخ: "عن سوق النبطية في بلوك 1 وتعرض قسم كبير منه لعملية دمار شبه كامل تصل الى 90 بالمئة ، اما في البلوك 2 فما يزال يوجد ما يقارب ال 45 مبنى تاريخيا مع المحلات التجارية الا ان كل ذلك يحتاج الى ترميم شامل من اجل المحافظة على الابنية التراثية، والمطلوب تقديم الاموال اللازمة في اعادة الاعمار مترافقة عن خبرات هندسية عالية لاستعادتها جمالية ما تضرر من مبان وللمحافظة على تاريخ الجنوب.

وتحت عنوان ماذا ينتظر المجتمع المدني من وزارة الثقافة شددت ياسمين داغر على "مبادرة بيروت التراث "على وجود قانون جديد لحماية التراث"، معتبرة ان "القانون المعمر به خاليا غير كاف".

وأشارت الى ان "وزارة الثقافة كانت تقدمت بمشروع قانون عصري عام 2017 الى مجلس النواب ولم يتم حتى الان مناقشته او البت به"، لافتة الى ان "في ظل ما نراه اليوم فان الامر يتطلب صدور قانون يحمي الأبنية التراثية وايضا قانون يوازي الالتزام بمعايير المنطقة المصنفة تراثيًا اذا كان الموضوع تشييد بناءً جديد في تلك المنطقة".

وقدم مدير المركز الثقافي الايطالي انجيلو جيوي عرضا عن بينالي البندقية منذ نشأته وتفصيل التحضيرات للعام الحالي في دورته ال19، وتطرق الى الجناح اللبناني في معرض البندقية الدولي لعام 2025.

                                           ____________ متابعة === عايدة حسيني