تركيا وإسرائيل في سوريا: بين ازدواجية المصالح وتحديات النظام الجديد

تركيا وإسرائيل في سوريا: بين ازدواجية المصالح وتحديات النظام الجديد

تركيا وإسرائيل في سوريا: بين ازدواجية المصالح وتحديات النظام الجديد


 بقلم: خورشيد الحسين 


في خريطة القو ى الفاعلة على الأرض السورية، تتجلى ظاهرتان متناقضتان، إلا أنهما تتقاطعان في الجوهر: تركيا وإسرائيل. الأولى تحتل شمال سوريا بذريعة محاربة "الإرهاب الكردي"، بينما تواصل الثانية غاراتها على العمق السوري تحت شعار "الردع الاستباقي" ضد تمدد إيران. وبين هاتين القوتين، يقف النظام السوري الجديد—سواء بصيغته الحالية أو في ظل أي تسوية قادمة—أمام تحدٍ استراتيجي قد يهدد استقلال قراره الوطني ويضعه أمام حسابات معقدة.


تقاطع المصالح بين تركيا وإسرائيل


رغم غياب التنسيق المعلن بين أنقرة وتل أبيب، إلا أن مصالحهما تتقاطع في تفكيك وحدة الجغرافيا السورية. فالوجود العسكري التركي في الشمال يعزز من سيطرتها على مساحات واسعة، بينما تواصل إسرائيل استهداف المواقع الإيرانية في الداخل السوري تحت ذريعة الردع. هذه الديناميكية تُنتج وقائع ميدانية تعزز من تقاسم النفوذ وتفرغ السيادة السورية من مضمونها.


ازدواجية الموقف التركي


الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يبدي خطابًا داعمًا لفلسطين، لكنه في الوقت نفسه يواصل تعزيز علاقاته التجارية والاستخباراتية مع إسرائيل. هذا التناقض يخلق صورة معقدة عن الدور التركي في سوريا، فالتدخلات العسكرية التركية في الشمال لم تعد مقتصرة على التصدي للتهديدات الكردية بل أصبحت مشروعًا استراتيجيًا يعيد تشكيل ملامح الخريطة السورية بما يصب في صالح تقوية النفوذ التركي.


إيران: التحديات والتحجيم


أما إيران، فقد شهدت تراجعًا كبيرًا في تأثيرها داخل سوريا بعد انهيار النظام السابق. كانت طهران قد استفادت من وجودها العسكري والسياسي في سوريا لدعم مصالحها الإقليمية، إلا أن تحجيم دور نظام الأسد ونفوذ القوى الإقليمية الأخرى، مثل تركيا وإسرائيل، قد قلص من قدرتها على فرض رؤيتها على الأرض. أما اليوم، فتجد إيران نفسها في موقف صعب حيث لم تعد قادرة على التأثير كما كانت في السابق. وفي مواجهة التوسع التركي من جهة، والغارات الإسرائيلية المستمرة من جهة أخرى، يتضاءل هامش المناورة الإيراني في سوريا بشكل ملموس.


المخاطر على النظام السوري الجديد


في ظل هذه المعادلات المتشابكة، يواجه النظام السوري الناشئ، سواء بقي بنفس تركيبته أو ظهر بصيغة جديدة، مجموعة من المخاطر الاستراتيجية:


1. تعدد سلطات الأمر الواقع: لم يعد الأمر مقتصرًا على الولايات المتحدة وروسيا وبقايا نفوذ إيراني لا يستهان به برغم كمونه مرحليا بل يشمل تركيا وإسرائيل أيضًا اللاعبان اللذان يمتلكان مساحة واسعة في الساحة السورية، مما يفرغ السيادة السورية من مضمونها الفعلي.



2. تقاطع المصالح على حساب دمشق: التفاهمات الضمنية بين تركيا وإسرائيل على الأرض تُظهر أن هناك استثمارًا مشتركًا للفراغ السوري دون أي نية لملئه.



3. تشظي القرار الوطني: في ظل توازنات القوى المعقدة، من الصعب أن يتبنى النظام السوري الجديد خيارات مستقلة دون التصادم مع مصالح لاعبين إقليميين ودوليين.






في المحصلة.إن سوريا اليوم ليست فقط أمام تحدي إعادة الإعمار وضبط الأمن، بل هي أمام شبكة معقدة من التفاهمات والتحالفات الإقليمية المتقاطعة. تركيا وإسرائيل، على الرغم من التناقض في خطاباتهما السياسية، تتقاطعان عمليًا في تقويض الوحدة السورية. النظام السوري القادم لا يملك رفاهية المراهنة على التوازنات الخارجية، بل يجب أن يبني مشروعًا وطنيًا يعيد الاعتبار لمركزية القرار السوري، وهو أمر غير قابل للتفاوض إذا ما أراد الحفاظ على السيادة الوطنية في وجه الطموحات الإقليمية المتزايدة