ليلة من ليالي مهرجانات الأرز الدولية

ليلة من ليالي مهرجانات الأرز الدولية

في مشهد يحمل الكثير من الرمزية والدلالات الوطنية والثقافية والعصريّة والتقدميّة، وفي خطوة تعكس رؤيتها الاستراتيجية العميقة والبعيدة، أصرّت النائب ستريدا جعجع، رئيسة لجنة "مهرجانات الأرز الدولية"، على تخصيص ليلة من ليالي مهرجانات الأرز الدولية هذا العام لجيل الشباب، معتبرةً أن هذا الجيل هو نبض لبنان الحقيقي، وأحد أهمّ ركائز تجذّر مجتمعنا في أرضه وضمانة نهوض وطننا من جديد، بعد كلّ ما مرّ به من انهيارات وانفجارات وأزمات وحروب. ومن هذا الإيمان الراسخ بأهمية الاستثمار في الطاقات الشابة، نشأت فكرة تنظيم أمسية استثنائية تُخاطب لغة الشباب، وتعانق تطلّعاتهم، وتتيح لهم مساحة تعبير حيّة، فكانت ليلة Black Coffee، بما تحمله من رمزية وتجديد وتجربة فريدة غير مسبوقة.

ومن خلال هذه الأمسيّة، تشدد النائب جعجع على أن لبنان لا يمكن أن يعود إلى الحياة ما لم يحتضن شبابه، وما لم يقدّم لهم المنصّات التي تعكس هويّتهم الحديثة وتواكب انفتاحهم على العالم. فجيل شبابنا اليوم لم يعد يرضى أن يكون مجرّد متلقٍّ للحدث ويعيش على الهامش في لبنان، بل يطالب بأن يكون صانعاً للمستقبل، شريكاً في صوغ ملامحه، وفاعلاً في تشكيل ماهيته. وهكذا، أتت هذه الليلة لتكون تجسيداً حياً لتلك الرؤية، وصرخة أمل تنبع من قلب أرز الرب الدهري، ومن جانب أرزة علمنا اللبناني، ليُعاد ترسيخ لبنان كمنارة للفن والحرية والانفتاح والحداثة.

وذلك، تكون ليلة Black Coffee ليست أبداً مجرّد سهرة موسيقية عابرة، بل حملت معها رسالة واضحة أرادت لجنة المهرجانات إيصالها إلى كل بيت في لبنان وإلى كل شاب وشابة على هذه الأرض: أنتم لستم على الهامش، أنتم في القلب، في العمق، في أساس البناء الجديد لهذا الوطن. فكما احتضنت الأرزات على مرّ العصور رمزية الفولكلور والصمود والعراقة اللبنانيّة، ها هي اليوم تحتضن إيقاع الشباب، وتمنحهم المساحة ليقولوا كلمتهم ويرسموا مشهدهم الخاص.

ومن بين جبال المكمل الشامخة، وتحت قبة السماء الصافية، توهّجت هذه الليلة بإيقاع موسيقى إلكترونية عصرية غمرت المكان بالطاقة والتفاعل، في مشهد شبابيّ حرّ ونابض بالحياة، يؤكّد أنّ لبنان، تماماً كما طائر الفينيق، قادر على أن ينهض من تحت الركام، وأن يطير مجدداً، كلّما ظنّ البعض أنه انتهى.

وقد شكّلت هذه الليلة نقلة نوعيّة على مستوى الشكل والمضمون، إذ تحوّل موقع المهرجان من مسرح كلاسيكي إلى مساحة مفتوحة بالكامل (Open Air Venue) صُمّمت بعناية لتقدّم تجربة سمعية وبصرية غامرة، تتماهى مع الطابع العالمي لأشهر المهرجانات المتخصصة في هذا النمط الموسيقي، مع الحفاظ على خصوصية الموقع اللبناني المتجذّر بين أرز الرب، وبتناغم تام مع البيئة الطبيعيّة المحيطة. وتخللها "Laser Show" مذهلًا أضاء سماء الأرز بأنواره المتحركة والمؤثرة، حيث تمايلت أشعة الـlaser beams وأمواج الـlaser waves في لوحة بصرية ساحرة خطفت أنظار الحضور. وقد امتد هذا العرض الاستثنائي من الساعة العاشرة ليلًا وحتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، مضفيًا بعدًا فنيًا فريدًا على الأمسية، إذ رقصت الأضواء في تزامن مدهش مع الإيقاعات، مرسّخة تجربة بصرية وسمعية لا تُنسى ضمن أجواء الطبيعة الخلابة وتحت سماء الأرز الصافية. كما رسمت خطوط الـLaser على جبل المكمل المطل على مكان المهرجان وبالتناغم مع الموسيقى وبشكل متتال: خريطة لبنان، العلم اللبناني، شعار مهرجانات الأرز الدوليّة، 10452، أرزة العلم اللبنانيّ وكلمة "Lebanon".

من الناحية التقنية، مثّلت هذه الليلة قمّة الابتكار والإبداع، إذ جرى إعداد بنية صوتية متطوّرة وفقاً لأعلى المعايير العالمية المعتمدة في حفلات الموسيقى الإلكترونية. وتمت تغطية الموقع بالكامل بنظام صوتي محيطي (360 درجة) عالي الجودة، يوزّع النغمات بشكل دقيق ومتوازن على كامل المساحة، ما يوفّر تجربة سمعية شاملة تفاعلية يشعر بها الحاضرون في كل زاوية من المكان.

وتماشياً مع متطلّبات عروض الـDJ العالمية، تم استخدام أحدث التجهيزات من حيث مكبّرات الصوت، والمعدّات الرقمية، والمؤثرات الضوئية المتحرّكة. فاعتمد نظام إضاءة ذكي يضم أكثر من 400 رأس إضاءة متحرك (Moving Heads) من الجيل الأحدث، موزّعة بطريقة ديناميكية تحاكي الإيقاع وتتماهى مع التدرج البصري والسمعي في الأداء، ما خلق حالة تفاعليّة حية بين الضوء والموسيقى والحشود.

كما تميّز هذا العرض بوجود بنية تقنية متكاملة تشمل مؤثرات بصرية متزامنة بتقنية Time Code Synchronization، سمحت بمزامنة الإضاءة، والمؤثرات الخاصة، والشاشات البصرية في عرض واحد متكامل، دون أي تدخل بشري مباشر، وهو ما جعل التجربة عالية التنظيم والدقة من البداية إلى النهاية.

ومن الناحية التنظيميّة، شكّلت هذه الليلة إنجازاً لوجستيًّا استثنائيًّا، إذ تمّ تغيير المدرج والتجهيزات التقنية بالكامل خلال 72 ساعة فقط، بعد انتهاء الليلة السابقة، ليتحوّل الموقع من حفلة غنائية مباشرة إلى حلبة موسيقية مفتوحة ذات طابع عالمي، مع تجهيزات خاصة للاونجات ومسارات الجمهور. وقد تولّت شركة ICE تنفيذ هذا التحوّل الكبير الذي وُصف بأنه أحد أكبر الإنجازات التقنية التي عرفتها مهرجانات الأرز منذ انطلاقتها.

ولم تقتصر التحضيرات على الجانب الفني، بل شملت أيضاً خطط السير والنقل، حيث تم تأمين وسائل نقل خاصة ومنظمة من مختلف المناطق اللبنانية لتسهيل وصول الشباب والمشاركين، إضافة إلى منطقة خلفيّة موسّعة تضم منصّات تقنية، غرف إدارة العرض، وفريق عمل محترف يواكب مجريات الحدث لحظة بلحظة.

ليلة Black Coffee في مهرجانات الأرز لم تكن مجرّد أمسية موسيقية، بل كانت تأكيداً على أنّ لبنان، رغم كلّ ما يمرّ به، لا يزال يحتضن روح الحياة، ويصنع الفرح والأمل، ويخاطب شبابه بلغتهم، في قلب الأرز، حيث ينبض الحاضر بالمستقبل.

وهكذا، وبرعاية هذه المبادرة الجريئة والرؤيوية من النائب ستريدا جعجع، أثبتت "مهرجانات الأرز الدولية" مرّة أخرى أنّها ليست مجرّد فعاليّة فنّية، بل مشروع ثقافي وطني متكامل، يعكس وجهاً جديداً للبنان الذي نريد، ويُصرّ على أن يحمل رسالته إلى العالم، بأنّ الجمال لا يُهزم، والإبداع لا يُطفأ، وأنّ الشباب هم الأمل، والطريق، والنبض الذي لا يخفت.