بعد 15 عاما... لبنان يسقط صفة "اللجوء" عن السوريين

أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية أنه تم إقفال 162 ألف ملف لنازحين غادروا لبنان (رويترز)
ملخص
يشهد لبنان تحولاً جذرياً في مقاربته لملف النزوح السوري مع قرار رسمي يقضي بإسقاط صفة "نازح" عن السوريين المقيمين على أراضيه بحلول يناير 2026. والخطة الحكومية التي انطلقت عبر مراحل للعودة الطوعية والمنظمة تأتي وسط ضغوط اقتصادية واجتماعية هائلة جعلت استمرار الوضع القائم مستحيلاً. الرئيس جوزاف عون أكد أن لبنان لم يعد قادراً على تحمل هذا العبء، داعياً إلى تحويل الدعم الدولي إلى الداخل السوري.
منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011 شكل ملف النزوح أحد أعقد التحديات للبنان، البلد الصغير الذي وجد نفسه يستضيف أكثر من ربع سكانه من السوريين. ما بدأ كاستجابة إنسانية مدعومة ببرامج دولية للتعليم والصحة تحول مع مرور السنوات إلى قضية سياسية وأمنية واقتصادية ضاغطة عمقت الانقسامات الداخلية وأثقلت البنية التحتية الهشة.
فبين عامي 2011 و2014 تدفق إلى لبنان أكثر من مليون ونصف المليون سوري معظمهم عبر الحدود البرية المفتوحة، لكن لبنان الذي لم يوقع على اتفاق جنيف لعام 1951، رفض منحهم صفة "لاجئين"، مفضلاً وصفهم بـ"نازحين" أو "مقيمين موقتين". هذا الخيار القانوني جعل وضعهم هشاً وقائماً على تسجيلات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وعلى قرارات إدارية وأمنية قابلة للتغيير.
في البداية غلب البعد الإنساني مدعوماً بتمويل دولي وفر برامج للتعليم والصحة، لكن مع تراكم الضغوط على المدارس والمستشفيات والمياه والكهرباء، ومع الانهيار المالي ابتداءً من 2019، تحول الملف تدريجاً إلى مأزق سياسي داخلي، واستخدمت أزمة النزوح كحجة للسياسيين لتبرير التدهور الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
إسقاط صفة "نازح"
أخيراً، عاد ملف النازحين السوريين إلى صدارة النقاش السياسي والإنساني في لبنان مع صدور قرارات جديدة تقضي بإسقاط صفة "نازح" عن عشرات الآلاف، وتشديد الإجراءات بحق المقيمين من دون إقامة شرعية. وبين خطط العودة الطوعية والتسهيلات المالية الدولية، يجد مئات الآلاف من السوريين أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما: البقاء في لبنان بشروط أكثر صرامة، أو العودة إلى بلدهم.
وأقرت الحكومة اللبنانية خطة مرحلية للعودة، ووفق تقديرات غير رسمية فإن نحو 175 ألف سوري أو أكثر عادوا بالفعل إلى سوريا. في حين كشف نائب رئيس الحكومة طارق متري عن أن المساعي جارية لإنجاز المرحلة الأولى من الخطة قبل مطلع العام المقبل، متوقعاً عودة تراوح ما بين 200 و300 ألف نازح بالتنسيق مع السلطات السورية، باعتبار أن أي عملية بهذا الحجم لا يمكن أن تتم من دون موافقتها.
من جهتها، أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية على لسان الوزيرة حنين السيد أنه تم إقفال 162 ألف ملف لنازحين غادروا لبنان، إضافة إلى 17 ألف طلب قيد المتابعة، مؤكدة أن دمشق تبدي تعاوناً ملحوظاً في هذا الملف.
اجتماعات مرتقبة بين الحكومتين اللبنانية والسورية لبحث آليات العودة بدعم أممي (الوكالة الوطنية اللبنانية)
أولوية رئاسية
وبحسب المعلومات يولي الرئيس عون أهمية خاصة لملف النازحين السوريين، إذ يرى أن هذا الملف يجب أن يعالج في أسرع وقت وفق مقاربة إنسانية وقانونية تحفظ كرامة اللاجئين، وفي الوقت نفسه تراعي العلاقات الثنائية بين لبنان وسوريا وعلاقات لبنان الدولية.
وتشير مصادر أمنية مواكبة لملف النازحين إلى أن الرئيس عون سيطرح الملف خلال القمة المرتقبة في نيويورك على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، حيث من المتوقع أن يلتقي نظيره السوري أحمد الشرع لبحث آلية عملية تضمن عودة تدريجية للاجئين السوريين إلى ديارهم، في إطار يحافظ على كرامتهم الإنسانية ويضمن استقرارهم داخل بلادهم.
وسبق أن وجه عون رسالة حازمة إلى الاتحاد الأوروبي، أكد فيها أن لبنان لم يعد قادراً على تحمل بقاء النازحين السوريين على أراضيه، مشدداً على ضرورة أن يتحول الدعم الدولي إلى الداخل السوري، بما يتيح عودة آمنة وكريمة ومنسقة للاجئين.
عرسال، التي شكلت رمزاً للنزوح، أصبحت شبه خالية بعد مغادرة 85 في المئة من سكانها السوريين (الوكالة الوطنية اللبنانية)
وشدد خلال استقباله سفراء الاتحاد الأوروبي في قصر بعبدا على أن لبنان استضاف النازحين السوريين لأكثر من عقد، في عبء "لا يتناسب مع مساحته الجغرافية الصغيرة ولا مع قدراته الاقتصادية المنهكة". وقال "لقد تحملنا ما يفوق طاقتنا، واليوم، مع استقرار الأوضاع في أجزاء واسعة من سوريا، لم يعد هناك أي مبرر لبقاء النازحين في لبنان".
ودعا الدول المانحة والمؤسسات الدولية إلى إعادة توجيه المساعدات نحو الداخل السوري، معتبراً أن "المشكلات الأمنية التي دفعت السوريين إلى النزوح لم تعد قائمة، وما تبقى هو تحدٍ اقتصادي يمكن تجاوزه بالدعم الدولي المباشر للاقتصاد السوري". وأكد أن "الحل ليس في إبقاء النازحين في لبنان، بل في مساعدتهم على البقاء في وطنهم".
من جهتهم، شدد سفراء الاتحاد الأوروبي على تقاطع رؤيتهم مع موقف الرئيس اللبناني، مشيرين إلى تخصيص نحو 100 مليون يورو لدعم النازحين العائدين، تم تأمين 88 مليون يورو منها حتى الآن. كما لفتوا إلى أن الاتحاد الأوروبي يعكف على تعزيز برامجه لدعم السوريين داخل بلادهم، بما يسهم في استقرارهم بعد العودة.
وفي الشق الأمني، كان عون أكد أن التعاون القائم على الحدود اللبنانية - السورية "جيد جداً"، وهو ما يخفف من الضغوط على البنية التحتية اللبنانية وعلى النسيج الاجتماعي.
البحث عن حلول
وفق مصادر في الأمن العام اللبناني توقف تجديد الإقامات التي تستند إلى كفالات أو عقود إيجار، مما جعل الغالبية الساحقة من السوريين في وضع غير قانوني، حيث بات نحو 80 في المئة من المقيمين السوريين - أي أكثر من مليون شخص - يفتقرون إلى إقامات سارية. هذا الواقع فرض قيوداً خانقة على حياتهم اليومية، من التنقل إلى الدراسة والعمل.
في موازاة ذلك، بدأت السلطات بتفكيك بعض المخيمات العشوائية في البقاع والشمال المخالفة، وتلك التي يشتبه في تشكيلها أخطاراً أمنية. هذا الإجراء دفع آلاف العائلات إلى النزوح الداخلي أو التفكير بالعودة. هذه الإجراءات تضاف إلى إعلان الحكومة، بالتعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة، برنامج "العودة الطوعية المنظمة"، إذ انطلقت أولى القوافل في أغسطس (آب) الماضي من البقاع نحو حمص وريف دمشق، في مشهد يعكس بداية مرحلة جديدة. وقد وضعت الحكومة هدفاً واضحاً: إعادة ما بين 200 و400 ألف سوري بحلول نهاية العام، وهو رقم يعكس رغبة سياسية في تحقيق إنجاز ملموس.
اقرأ المزيد
- النازحون السوريون في لبنان: دقت ساعة العودة
- "اندبندنت عربية" في شمال لبنان ترصد قصص سوريين فروا من الموت
- خطة لإعادة اللاجئين السوريين في لبنان بصيغة جديدة وغطاء دولي
- قانون يمنع تحويل الأموال إلى السوريين في لبنان... ما تفاصيله وتبعاته؟
حقائق ضاغطة
تكشف الأرقام عن حجم المعضلة، فالحكومة اللبنانية تقدر عدد السوريين على أراضيها بما بين 1.3 و1.5 مليون، بينما لا تسجل المفوضية سوى نحو 716 ألفاً حتى منتصف 2025. الفجوة، التي تصل إلى 800 ألف، تعني أن مئات الآلاف يعيشون خارج أي إطار رسمي. منذ ديسمبر (كانون الأول) 2024 وحتى أغسطس 2025، عاد نحو 191956 سورياً من لبنان إلى سوريا، فيما بلغ عدد العائدين من دول الجوار كافة أكثر من 779 ألفاً. وفي الوقت نفسه، عطلت المفوضية ملفات 120500 لاجئ بسبب انقطاع التواصل أو العودة المفترضة. أما من سجل رسمياً للعودة الطوعية فلا يتجاوز 17 ألفاً.
هذه الأرقام تكشف عن التفاوت بين الطموحات المعلنة والوتيرة العملية، لكنها في الوقت ذاته تعكس بداية مسار منظم لم يكن قائماً من قبل. فبينما كانت العودة سابقاً فردية أو عشوائية، تحاول الدولة اللبنانية اليوم أن تجعلها عملية مؤسسية.
انعكاسات اقتصادية واجتماعية
الوجود السوري ترك أثراً بالغاً على الاقتصاد اللبناني، إذ يشكل السوريون أكثر من ثلث اليد العاملة غير الرسمية. هذا الوجود أثار جدلاً كبيراً، فالبعض يرى أنهم ينافسون اللبنانيين على الوظائف البسيطة ويخفضون الأجور، فيما يعتبر آخرون أنهم يلبون حاجة ملحة في قطاعات الزراعة والبناء.
في سوق العقارات ارتفعت الإيجارات بصورة لافتة نتيجة زيادة الطلب، مما أرهق الأسر اللبنانية محدودة الدخل. أما المدارس الرسمية فقد استقبلت عشرات آلاف التلامذة السوريين، وهو ما أنهك نظاماً تعليمياً ضعيفاً أصلاً. كما عانت المستشفيات من ضغط هائل مع استقبال مئات آلاف المرضى سنوياً، في ظل موازنات متدهورة. حتى البنى التحتية من كهرباء ومياه ونقل ونفايات لم تعد قادرة على استيعاب هذه الأعداد.
اجتماعياً، ارتفعت التوترات بين المجتمعات المضيفة واللاجئين، مع تزايد الخطاب السياسي والإعلامي المحرض. هذا المناخ عزز مظاهر الكراهية والتمييز، وأنتج مخاوف حقيقية من انفجار اجتماعي إذا لم تتم إدارة الملف بحكمة.
الاتحاد الأوروبي تعهد بتقديم نحو 100 مليون يورو لدعم العائدين، منها 88 مليوناً مؤمنة (الوكالة الوطنية اللبنانية)
تحولات الموقف الدولي
أبدى المجتمع الدولي ترحيباً مشروطاً بالخطوات اللبنانية. وشددت الأمم المتحدة على أن أي عودة يجب أن تكون طوعية وآمنة وكريمة، محذرة من أن ربط الإقامة بالعودة قد يجعل "الطوعية" شكلية. وأعربت منظمات حقوقية مثل "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" عن مخاوفها من عمليات التفكيك والتضييق القانوني، معتبرة أنها وسائل ضغط قد تؤدي إلى ترحيل قسري.
في المقابل كان الاتحاد الأوروبي أكثر براغماتية، إذ يفضل بقاء اللاجئين في لبنان على انتقالهم إلى أراضيه، لذلك استمر في تمويل لبنان بمئات ملايين اليوروهات سنوياً لدعم البنى التحتية والخدمات، لكنه ربط زيادتها بالتزام بيروت بالمعايير الحقوقية.
اللافت أن المفوضية السامية نفسها أبدت مرونة جديدة، فقد أعلنت أن أي لاجئ يقرر العودة يحصل على 100 دولار أميركي للفرد، إضافة إلى 400 دولار للعائلة عند وصولها إلى سوريا. هذه الحوافز المادية، وإن بدت رمزية، تعكس تغييراً في مقاربة الوكالة الأممية التي كانت ترفض أي خطوة تفهم بأنها تشجيع مباشر على العودة.
بين الأمل والتحديات
منذ سقوط النظام السوري السابق في ديسمبر 2024، تسارعت وتيرة العودة. وأعلنت الأمم المتحدة أن أكثر من 200 ألف لاجئ عادوا من لبنان وحده منذ مطلع 2025، معظمهم إلى حمص وحماة وحلب. كما عاد أكثر من 401 ألف من تركيا إلى شمال سوريا، فيما يبقى 2.5 مليون لاجئ هناك.
وعلى رغم هذه الأرقام ما زالت الأمم المتحدة تؤكد أن العودة يجب أن تبقى خياراً فردياً، محذرة من العقبات المتمثلة في الدمار الكبير - حيث تضررت 80 في المئة من المساكن - والوضع الاقتصادي المتدهور والمخاوف الأمنية المتصلة بالغارات الإسرائيلية والصراعات الداخلية.
عرسال بعد 15 عاماً
والمفارقة اللافتة كانت في بلدة عرسال البقاعية، التي كانت رمزاً لاستضافة اللاجئين، حيث تقدم صورة واضحة للتحول الجاري. فقد غادر نحو 85 في المئة من أصل 12 ألف لاجئ كانوا يقيمون فيها، لتبدو مخيماتها شبه خالية بعد أن كانت تعج بالحياة.
من أصل 190 مخيماً، لم يبقَ سوى القليل. بعض سكانها قرروا العودة إلى قراهم المدمرة حاملين حلم المساهمة في إعادة الإعمار، فيما فضل آخرون البقاء أو الاندماج في لبنان. هذا المشهد يعكس الطابع الانتقالي للمرحلة: نهاية فصل طويل من اللجوء، وبداية مسار عودة محفوف بالتحديات.
وأفادت مصادر محلية بأن دراسة إحصائية حديثة كشفت عن وجود أعداد كبيرة من السوريين في البلدة والقرى المجاورة يقيمون من دون كفالات أو أوراق ثبوتية. ونتيجة لذلك، أطلقت البلديات حملة ترحيل تدريجية، بدأت بـ180 خيمة من أصل 680 كمرحلة أولى، مع مهلة تنتهي في مايو (أيار) 2026 كحد أقصى للمغادرة.
تنسيق سوري - لبناني
في السياق أكدت الكاتبة السياسية السورية عليا منصور أن "كثيراً من اللاجئين في لبنان يسجلون أسماءهم على لوائح العودة على رغم إدراكهم حجم الدمار"، مضيفة أن بعض المدن مثل القصير وريف حمص وريف دمشق "مهدمة بالكامل، ومع ذلك هناك إصرار من سكانها على العودة لإعادة إعمار بلدهم".
وشددت على أن الحافز الأساسي للعودة اليوم هو زوال العامل الذي دفع الملايين إلى النزوح: "السوريون هربوا من نظام الأسد، واليوم مع رحيله ينتفي السبب الرئيس للجوء"، لكنها أقرت في الوقت نفسه بأن الأخطار الأمنية ما زالت قائمة، وأن الضمانات معدومة في ظل استمرار الغارات الإسرائيلية وغياب الاستقرار.
أما على المستوى السياسي فأشارت منصور إلى وجود "نية جدية بين الحكومتين اللبنانية والسورية لمعالجة ملف اللاجئين"، كاشفة عن لقاءات إيجابية جرت أخيراً بين وفود البلدين. وأضافت أن الملفات المعقدة، مثل المعتقلين والمفقودين وترسيم الحدود، تحتاج إلى وقت طويل للحل، لكنها رأت أن "الخطوات العملية بدأت، ما يفتح نافذة أمل لعودة تدريجية للاجئين".
عودة طوعية
من ناحيتها قالت مسؤولة العلاقات الخارجية في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان إيمان منصر إن هناك مئات اللاجئين السوريين عادوا من لبنان إلى مناطق حمص وحماة وإدلب، وذلك ضمن برنامج العودة الطوعية المنظمة الذي أطلق في الأول من يوليو (تموز) بالتنسيق بين المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة، وبالتعاون مع الحكومة اللبنانية والمديرية العامة للأمن العام. وأضافت "قدمت المديرية العامة للأمن العام دعماً أساسياً لهذا البرنامج، حيث يسمح للاجئين الراغبين بالعودة بمغادرة الأراضي اللبنانية عبر المعابر الحدودية من دون التعرض لغرامات أو حظر دخول، حتى لو كانوا قد دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية. وهذه التسهيلات ستستمر حتى نهاية شهر سبتمبر (أيلول) الجاري".
لبنان من دون "نازحين"
وفي تعليق له على خطة الحكومة اللبنانية قال الصحافي المتخصص في الشؤون القضائية يوسف دياب إن القرار بوقف الاعتراف بصفة "نازح" اعتباراً من مطلع 2026 يمثل منعطفاً حاسماً في السياسة اللبنانية، لكنه يبقى مرهوناً بعامل أساسي هو موقف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وأوضح "إذا قررت المفوضية وقف الدعم المالي والغذائي والصحي داخل لبنان، فهذا يعني عملياً إنهاء حالة النزوح، لأن الصفة القانونية للنازح تقترن بالمساعدات الدولية المخصصة له. وعند توقف هذه المساعدات وانتقالها إلى الداخل السوري، سيصبح اللاجئ أمام خيار واحد: إما العودة إلى بلده للاستفادة من الدعم هناك، وإما البقاء في لبنان بلا أي غطاء قانوني أو إنساني".
وأضاف دياب أن لبنان لا يملك رفاهية الوقت، فالأعباء الاقتصادية والاجتماعية التي تسبب فيها وجود أكثر من مليون سوري خلال السنوات الماضية بلغت مستوى غير مسبوق. وقال "لا يمكن أن يستمر بلد بحجم لبنان في تحمل هذه الأرقام، فالمسألة لم تعد إنسانية فقط، بل تحولت إلى أزمة وطنية شاملة تمس الأمن والاقتصاد والهوية الاجتماعية".
ورأى أن تنفيذ الخطة الحكومية سيدخل لبنان في مرحلة جديدة من إدارة الملف، حيث سيتحول وجود أي سوري بعد يناير (كانون الثاني) 2026 من "صفة نزوح" إلى "إقامة شرعية" فقط، أي إن البقاء سيكون محصوراً بالعمالة الموثقة أو بالإقامات القانونية الصادرة عن الدولة اللبنانية. أما من يتخلف عن هذا المسار، فسيعد مخالفاً للقانون ومعرضاً للملاحقة والترحيل.
وختم دياب قائلاً "لا أستطيع أن أجزم بأن لبنان سيكون خالياً من النازحين تماماً مع بداية 2026، فهذا ضرب من المبالغة، لكن ما هو مؤكد أن صفة النزوح ستطوى نهائياً، وكل وجود سوري خارج الإطار القانوني سيتحول إلى حالة غير شرعية، وهو ما سيضع اللاجئين أمام واقع جديد عنوانه: العودة أو التسوية القانونية".
توافق ثلاثي
من جانبه اعتبر الصحافي السوري حيدر مخلوف أن ملف عودة النازحين دخل مرحلة جديدة بعد اتخاذ قرار واضح على مستوى عالٍ في دمشق بضرورة إنهائه، مشيراً إلى أن المسألة لم تعد محصورة في الإطار الثنائي بين لبنان وسوريا، بل باتت جزءاً من تفاهمات أوسع تشمل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ودولاً مانحة أخرى. وقال "ما نشهده اليوم هو انتقال من النقاشات النظرية إلى خطوات عملية، فالقرار في جوهره اتخذ، وهناك جدول زمني قيد الإعداد، لكن التفاصيل التنفيذية ما زالت تخضع للتفاوض". ولفت إلى أن النقاط الخلافية تتمحور حول الجوانب المالية واللوجيستية، إذ يجري البحث في حجم المبالغ التي ستقدم للعائدين، وما إذا كانت ستصرف لمرة واحدة كمنحة استقرار، أو على دفعات تمتد لأشهر لتأمين مقومات العيش الأساسية في الداخل السوري. وأضاف: "الموضوع المالي هو البند الأكثر حساسية، لأنه يحدد جدية المجتمع الدولي في دعم العودة، ويؤثر مباشرة في قرار آلاف العائلات بالتسجيل أو التردد". وكشف عن أن هناك اجتماعات مرتقبة بين الحكومتين اللبنانية والسورية لتنسيق آليات العودة، بمشاركة محتملة لموفدين أمميين إلى دمشق خلال الأسابيع المقبلة من أجل بلورة الإطار النهائي، بما يشمل ترتيبات النقل وأماكن الاستقرار وضمانات الحد الأدنى من المعيشة والخدمات للعائدين. وأوضح أن الهدف هو التوصل إلى صيغة توافقية ثلاثية بين لبنان ودمشق والجهات الدولية، تنهي حالة المراوحة وتضع الملف على سكة التنفيذ الفعلي.