اليسا وفضل شاكر وجهان لحب واحد ولبنان واحد

اليسا وفضل شاكر وجهان لحب واحد ولبنان واحد


في زمن تذوب فيه الفروق بين الصدق والتصنع، وكثُر فيه الفنانون وقلّ الفنُ

تتصدر اليسا وفضل ليصبحا وجهان لدمعة واحدة، وحب واحد، ولبنان واحد.


كلاهما من لبنان، لكن من عالمين مختلفين:


هو من الجنوب، وهي من الشمال.

هو فقير، وهي متوسطة الحال؛

هو ابن بيئة محافظة جدا، وهي ابنة بيئة محافظة بدون جدا.

فالتقيا على الصدق والجمال والشجن، ولهذا نعشقهما


الجنوب: يُصبح الألم غنوة (يا رايح عالجنوب) 

في صيدا، حيث البيوت المتعبة والقلوب الرحيمة، وُلد فضل شاكر على فطرة الناس الطيبين.

لم يتعلّم كما يجب، لكن الله منحه موهبة لا تُدرَّس: صوت وجد له قصورًا في قلوب الجماهير.. 


من بيئةٍ إسلامية متدينة، حمل الخجل علامةً لا تفارق وجهه.

حين يغنّي، يبدو كأنه يعتذر من نفسه قبل الجمهور.

تزوّج فضل باكرًا، عاش حياة الأب المسؤول، ولم يتنازل عن العزوبية اذا ارادت الاغنية ذلك.

غنى لنسمعه مع كل اغنية وكأنه يقول: يا عالم انا اعرف ثمن اللقمة والحب.


يشبه عبد الحليم حافظ في ملامحه النفسية لا في طريقة غنائه وحسب..

ذلك التواضع الساحر، وتلك الرجولة التي تخاف أن تُجرح.

كأنما الزمن أنجب عبد الحليم من جديد، لكن بصوتٍ جنوبيٍّ لبناني.


وحيث تُغنّي الحرية، جاءت إليسا من دير الأحمر في شمال لبنان، من بيتٍ متواضع، ومن عائلة آمنت بالتعليم والحرية.


تعلّمت باكرًا أن الجمال يُحارَب، وأن الجرأة ثمنها باهظ.

لم تتزوّج، لا عن عناد بل إنه ترتيب خاص من حركة الكون.


إليسا على المسرح امرأة تبكي بلا خجل، وتحكي اوجاعها كما لو أنها تكتب مذكّراتها أمام الناس.

صوتها ليس الأقوى، لكنه الأكثر صدقًا حين يغني وحين يبوح.

 وفي عالمٍ مليء بالأقنعة، جاء صدقها نعمة عليها وعلى من أحبها 


فضل الصمت وإليسا الضوء


كلاهما في الخمسينات من العمر

هو 56 عامًا، وهي 53 

لكن كلّ واحدٍ منهما سار في اتجاهٍ مختلف.


فضل يهرب من الأضواء ليحمي طفولة لا تزال تختبئ بين حناياه، وكأنه يقول: لا اريد ان اكشف عن كل جراحي.

وإليسا تواجه الضوء لتبرهن أن الوجع يمكن أن يكون أناقة.

هو يغنّي ليؤكد عشقه لمحمد وهي لتستحضر السيد المسيح. 

ومع ذلك، بينهما خيطٌ خفيّ من التلاقي:

كلاهما يعرف أن الشهرة ليست خلاصًا، بل امتحانًا للروح.


وهما الوريثان الحقيقيان للعمالقة


فضل شاكر، الابن الشرعي لعبد الحليم حافظ، الذي جعل من البساطة مدرسة ومن الشوق والحنين مذهبًا.


اما إليسا فالابنة الروحية لوردة ونجاة الصغيرة وفايزة أحمد وشاديا..

اليسا تمزج بين القوة والرقة في آن، أي بين كبرياء الأنثى وانكسارها الجميل أحيانًا،

فضل يغنّي كما لو أنه يخفي أسراره في نغمة..

وإليسا تغنّي كما لو أنها تبوح بكل ما لديها..

هو يقدّس الحياء، وهي تحتفي بالاعتراف.

كلاهما يعبّران عن لبنان الحقيقي: البلد الذي يجمع في قلبه اللهفة والخجل، النور والظل، والبحث الدائم عن حبيب لا يخون.


الفنّ كقدر

فضل شاكر وإليسا ليسا مشروعا حياة ممتلئة بحكايات الغرام.

وهما تجربتان إنسانيتان.

كل منهما عاش الوجع بطريقته،

وكلاهما حوّل تجربته الإنسانية إلى موسيقى.

الفنّ عند فضل طريقٌ يحلق فيها بحثًا عن أمان، وعند إليسا طريقٌ نحو الحرية.

هو يختبئ من الكاميرا لتبقى أغنيته نقيّة، وهي تواجهها لتبقى إنسانًا كاملًا.


فضل واليسا يذكّراننا بأن الفنّ الحقيقي لا يُصنع في الاستديوهات الفخمة، بل في قلبٍ خائفٍ لكنه يجرؤ ويروي الحكايات.

#نضال_الاحمدية #فضل_شاكر #اليسا