الاغتيال هدفاً دائماً للتصعيد: العدو يوسّع سيطرته إلى 60%

تفصّل إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، على قياسات احتياجاتها الأمنية، ورغبتها المستمرة في صناعة واقع ميداني تصبح فيه الخروقات اليومية روتيناً لا يستدعي أي موقف من الوسطاء ولا «المجتمع الدولي». وعلى طريق ذلك، يختلق جيش الاحتلال الأحداث والمبرّرات لشنّ مزيد من عمليات القتل التي تكرّرت للمرة الرابعة خلال الـ44 يوماً الماضية. وكان آخر هذه الأحداث، مساء السبت الفائت، حيث زعم جيش الاحتلال أن مقاتلاً من «كتائب القسام» هاجم نقاط تمركز جنوده في مناطق «الخط الأصفر» شرقي مدينة خانيونس وسط قطاع غزة، لينطلق بعدها العدو إلى تنفيذ اغتيالات واسعة طاولت أهدافاً مُسبقة ومرصودة سلفاً، تضمّ شخصيات وازنة في الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة. واستهدفت طائرات العدو سيارة مدنية وسط مدينة غزة، ما أدّى إلى استشهاد خمسة مواطنين، زعم بيان المتحدّث باسم جيش الاحتلال أن من بينهم مسؤول الإمداد في «كتائب القسام». كما قصفت الطائرات الحربية منزلاً لعائلة الخضري في شارع اللبابيدي في حي النصر، ومنزلاً آخر لعائلتي أبو شاويش وأبو أمونة في مخيم النصيرات، وشقة سكنية مكتظّة بالنازحين وسط مدينة غزة. وفي حصيلة شاملة، أدّت موجة الاعتداءات الإسرائيلية إلى استشهاد 20 مواطناً وإصابة 83 آخرين.
ورغم محدودية مدة التصعيد وعدد الغارات القليل، إلا أن المُلاحظ أن تلك الغارات استهدفت شخصيات قيادية وعناصر فاعلين في الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة، كانت قد نجت طوال عامين من عشرات محاولات الاغتيال. ويعني ذلك أن المحرّك الأساس لكل جولة من التصعيد والقصف، هو عملياً توفّر المعلومات الأمنية والأهداف الثقيلة الموضوعة على قائمة التصفية، والتي لا تحتمل خصوصيتها الأمنية التأجيل. وفي هذا السياق، أعلن جيش الاحتلال اغتيال القيادي في «كتائب القسام»، علاء الحديدي، وهو مسؤول الإمداد والتجهيز ونائب قائد لواء مدينة غزة. وفي تصعيد سابق، زعم أنه استطاع اغتيال القيادي في «القسام» عماد اسليم، وهو قائد كتيبة الزيتون، وأن القصف الذي طاول مبنى يقطنه نازحون استهدف «اجتماعاً عسكرياً للكتيبة»، علماً أن اسليم هو أحد أبرز القادة الذين ساهموا في تنفيذ عشرات الكمائن ضدّ قوات الاحتلال خلال الاجتياحات المتكرّرة لحي الزيتون، وكان العدو قد ادّعى اغتياله أكثر من مرة سابقاً.
ويُسجّل في كل مرة تقع فيها «أحداث أمنية» مشابهة، أن موقع الحدث المزعوم يكون ضمن مناطق «الخط الأصفر»، وفي مدينة رفح التي يسيطر عليها جيش الاحتلال بشكل كامل، ما يعني أن الأخير يمتلك حصراً القدرة على التحكّم بالسردية والرواية، ولا إمكانية للتحقّق أو التثبّت من مزاعمه من قبل أي جهة أخرى.
وسّع جيش الاحتلال، خلال الأسبوع الماضي، مساحة منطقة الخط الأصفر
وبموازاة جولات التصعيد المتكرّرة، وسّع جيش الاحتلال، خلال الأسبوع الماضي، مساحة منطقة الخط الأصفر بواقع 300 متر إلى الغرب، من خلال وضع المزيد من المكعّبات الصفراء، التي أتت على كامل أحياء الشجاعية والشعف والتفاح الشرقي، ومزيد من أراضي مخيم جباليا ومدينة بيت لاهيا شمالي القطاع، وأراضٍ إضافية من مناطق بني سهيلا والقرارة في محافظة خانيونس جنوباً.
وفضلاً عن ذلك، يفرض جيش الاحتلال استحكاماً نارياً دائماً على مسافة مئات الأمتار في محيط المكعّبات الصفراء، موسّعاً بهذا مساحة المناطق التي يقضمها العدو إلى ما يقارب 60% من مجمل مساحة القطاع. وفي هذه المنطقة بالتحديد، أي منطقة الاستحكام الناري للعدو، تتكرّر خروقات الاحتلال بشكل يومي؛ إذ سجّل يوم أمس، وهو أحد الأيام الهادئة نسبياً، استشهاد أربعة فلسطينيين، زعم بيان المتحدّث باسم الجيش أن ثلاثة منهم اجتازوا الخط الأصفر، فيما أكّدت شهادات المواطنين أنهم كانوا في منطقة بعيدة نسبياً. كما اغتال أحد المواطنين في حي الشعف شرقي مدينة غزة، في منطقة بعيدة عن خط وقف إطلاق النار.
وتتقاطع هذه الأحداث مع عمليات نسف وقصف جويَّيْن عنيفيْن جداً يشتدّان مع ساعات المساء، حيث تُظهر قوات الاحتلال نشاطاً لافتاً ومتواصلاً في المناطق المحتلة. ففي حي تل الزعتر شرقي مخيم جباليا، دمّرت الجرّافات كلّ المنازل، التي بُني مكانها موقع عسكري مرتفع، فيه دبابات تطلق النار بشكل متواصل على الأهالي العائدين إلى المخيم. ويتكرّر المشهد ذاته في حي الشجاعية، الذي يبني فيه جيش العدو مواقع عسكرية ونقاط اتصال. وتشير هذه الوقائع، من بناء وأعمال وتجهيزات لوجستية كبيرة، إلى أن جيش الاحتلال يبدو بعيداً عن الدخول إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، حيث من المُفترض أن ينسحب خلالها إلى مناطق الخط الأحمر القريبة من الشريط الحدودي الفاصل.
وفد «حمساوي» في القاهرة لبحث المرحلة الثانية
أعلنت حركة «حماس»، أنّ وفداً من قيادتها، يرأسه رئيس «المجلس القيادي» للحركة محمد درويش، ويضمّ كلّاً من أعضاء المجلس خالد مشعل وخليل الحية ونزار عوض الله وزاهر جبارين، إلى جانب عضو مكتبها السياسي غازي حمد، عقد لقاءً أول أمس، في العاصمة المصرية القاهرة، مع رئيس «المخابرات العامة» المصرية حسن رشاد، تناول مستجدّات اتفاق وقف إطلاق النار، والأوضاع العامة في قطاع غزة، بالإضافة إلى مناقشة طبيعة المرحلة الثانية من الاتفاق. وبحسب بيان صادر عن الحركة، فقد أكّد الوفد التزام «حماس» الكامل بتنفيذ المرحلة الأولى، مشدّداً على «أهمية وقف خروقات الاحتلال المستمرّة التي تهدّد بتقويض الاتفاق»، داعياً إلى «وضع آلية واضحة ومحدّدة لرصد هذه الخروقات، برعاية ومتابعة الوسطاء». وأضافت الحركة أنّ المحادثات شملت «سبل معالجة قضية مقاتلي رفح» في جنوب القطاع أيضاً، مؤكّدة أنّ «التواصل معهم منقطع» في المناطق الشرقية الخاضعة لسيطرة قوات الاحتلال.
وفي السياق نفسه، نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن قيادي في «حماس»، قوله إنّ اللقاءات مع المسؤولين المصريين ستبحث كذلك «ترتيبات تشكيل لجنة التكنوقراط الفلسطينية المستقلّة». وأشار القيادي إلى أنّ وفد الحركة سيعقد لقاءات ثنائية مع قيادات عدد من الفصائل، بهدف «بحث الوضع الداخلي الفلسطيني، وترتيبات إدارة قطاع غزة ومستقبله»، إلى جانب العمل على ترتيب لقاء قريب يجمع بين حركتَي «فتح» و«حماس» في القاهرة.
المصدر: الأخبار اللبنانية