رحيل صادم لـ محمد بكري.. ناضل بالفن وتعرّض للملاحقة الإسرائيلية

أثار رحيل الممثل والمخرج الفلسطيني محمد بكري منذ يومين بعد تعرّضه لأزمة صحية طالت القلب والرئتين، حالة من الحزن والأسف في أوساط زملائه ومقدّري مسيرته التي إمتدت لعقود ، حيث إشتهر بأعماله التي تمحورت حول الإنسان الفلسطيني وهمومه، سواء عبر التمثيل أو الإخراج أو الإنتاج، وقدم أعمالاً مستوحاة من تفاصيل الحياة تحت الاحتلال، وانتقلت تجربته من خشبة المسرح إلى شاشة السينما، ليكرس حضوره كأحد أبرز الأصوات الفنية في المشهد الثقافي العربي.
بدأ الفنان الراحل المقيم في إسرائيل ، مسيرته الفنية في ثمانينيات القرن الماضي، حيث قدم عروضًا باللغتين العربية والعبرية في مسارح وعروض فلسطينية وإسرائيلية. وكان أول أفلامه، "حنا ك"، من إخراج المخرج اليوناني الفرنسي الحائز على جائزة الأوسكار، كوستا غافراس.
ومنذ ذلك الحين، شارك المخرج الذي ناهز 72 عاماً، في عشرات الأفلام، من بينها الفيلم الإسرائيلي "ما وراء الجدران" عام 1984، من إخراج أوري بارباش. وقد حظي الفيلم، الذي يروي قصة أسرى فلسطينيين وإسرائيليين محتجزين معًا في سجن إسرائيلي، بإشادة واسعة في إسرائيل آنذاك، ورُشِّح لجائزة الأوسكار.
وعمل بكري أيضًا كمخرج، ومن أعماله فيلم "جنين، جنين" عام 2002، الذي أجرى فيه مقابلات مع سكان مخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية المحتلة، والذين زعموا تعرض فلسطينيين للتدمير الشامل وقتلهم على يد القوات الإسرائيلية خلال عملية الدرع الواقي.. وأثار الفيلم جدلًا واسعًا في إسرائيل، وسرعان ما حظره مجلس السينما الإسرائيلي من العرض. وصلت القضية إلى المحكمة العليا، وفي عام 2022 رفض القضاة استئنافًا قدمه بكري لرفع الحظر.
محمد بكري ، المولود في قرية البعنة في الجليل ، وكان يحمل الجنسية الإسرائيلية ودرس في جامعة تل أبيب، درس التمثيل والأدب قبل أن ينتقل للمشاركة في العديد من الأعمال الفنية في هولندا وبلجيكا وكندا، حيث شارك في أكثر من 40 عملا على مستوى التأليف والإخراج والتمثيل إلى جانب الإنتاج. في بداية الألفية وبالتحديد عام 2002 ، أخرج فيلمه الوثائقي "جنين جنين" الذي وثق خلاله معركة جنين بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية خلال عملية الدرع الواقي عام 2002، والمجزرة التي شهدها مخيم جنين. وبسبب هذا الفيلم واجه بكري أزمة مع سلطات الاحتلال التي قررت محاكمته وأصدرت المحاكم الإسرائيلية وقتها حكما بمصادرة جميع نسخ الفيلم وإلزامه بدفع 175 ألف شيكل بتهمة التشهير بضابط إسرائيلي، إلى جانب مصاريف قانونية بمبلغ 50 ألف شيكل.
وعلى مستوى السينما العالمية، شارك محمد بكري في عدد من الأعمال البارزة، من بينها الفيلم الإسباني الجسد (The Body)، والفيلم الألماني جيرافادا (Giraffada)، إضافة إلى الفيلم البلغاري المخلص (The Savior) . وكذلك في الفيلم الايطالي "خاص" - (Private) عام 2004، وهو العمل الذي نال جائزة أسد المستقبل في مهرجان فينيسيا السينمائي، وقدم معالجة إنسانية عميقة لتفاصيل الحياة اليومية لعائلة فلسطينية تعيش تحت وطأة الاحتلال، ليصبح لاحقا واحدا من أبرز الأفلام التي تناولت القضية الفلسطينية في بدايات الألفية الجديدة.
وكان آخر مشاركاته السينمائية من خلال الفيلم الفلسطيني - البلغاري "كل ما تبقى منك" (All That’s Left of You)، ويتناول الفيلم أيضا القضية الفلسطينية بشكل سياسي إنساني من خلال عائلة ينضم الابن إلى الاحتجاجات في الضفة الغربية بعد أن يتعرف على قصة عائلته المليئة بالنضال.