في حوار خاص مع خالد عياد المناضلة سهى بشارة: لا حريّة في ظل الطائفيّة

في حوار خاص  مع خالد عياد  المناضلة سهى بشارة: لا حريّة في ظل الطائفيّة

 لم تكن فتاة عادية، ولا مواطنة عادية، إنها إبنة زمن كان الوطن يغليّ والأرض تنبت رجالا ونساء أحرار، وغضبا يُترجم بعملية مقاومة للحفاظ على ما بقي من هذه الأرض، التي قدّم عشرات الشباب أرواحهم فداءً لها، ومنهم الشابة الصغيرة سهى بشارة. 

ماذ تقول سهى المناضلة والام والشابة اليوم بعد محاولة البعض التغطية على عمالة العملاء الفارين الذين يعودون سرا بتواطىء من سلطة رسمية لم ترَ في تحيات الشباب إلا فترة زمنية قد مرّت. 


نص وحوار: خالد عياد 

1* اعتمد جوزف أبو فاضل أسلوب الرد على مضمون مقابلتك، والتي قال إنك اتهمت خلالها جبران باسيل بتسهيل عودة العملاء؟

- بداية لم أتهم جبران باسيل بتسهيل عودة العملاء، أنا اتهمت التيار الوطني الحر، وحمّلت المسؤولية لوزير خارجية لبنان، والذي هو جبران باسيل، والذي يرأس هذا الحزب.

2*هل تعتبرين أن عودة العميل عامر الفاخوري مقدمة لعودة ما يعتبره التيار الحرّ العائلات المبعدة؟

- هذه ليست مقدّمة، لم يتوّقف العملاء عن العودة إلى لبنان منذ عام 2000 عام التحرير. هذه الأشكال من العودة كانت تجري بالتنسيق مع إسرائيل من خلال اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وكان يتسلمهم "أمن الدولة"، ويتم التحقيق معهم، وعلى إثر ذلك هناك من كان يطلق سراحه، وهناك من كان يتم توقيفه والحكم عليه بأحكام معينة تبدأ بـ 6 أشهر إلى عدد من السنوات، لتعود وتخفّض، وهو في السجن ليُطلق سراحه بعد تمضية نصف مدة الحكم في أكثر الحالات.

وما يحدث الآن في هذا الملف هو كشف لعودة العملاء إلى لبنان عبر إلغاء تهمة العمالة من خلال رفع الإشارة الموجودة على أسمائهم عند أجهزة الأمن الداخلي والأمن العام خاصة. وهذا الإجراء يسمح لهذه الأسماء بالدخول عبر مطار لبنان دون أن يتعرضوا للتوقيف وللتحقيق أي لتنفيذ قرار توقيف ومحاكمة كل من دخل إلى اسرائيل واصدار قرار الحكم الذي ترتأيه المحكمة، وبالدرجة الأولى، في ملف العمالة.

وخاصة أن الدولة لا تستطيع التوّقف عند هذه التهمة، باعتقادي، مع ما كان عليه الهاربين حتى تاريخ 24 أيار2000. فهناك سنوات مرّت، وهناك وجود لهذه العائلات في إسرائيل، تحمل جواز سفر إسرائيلي بحكم الأمر الواقع، ولكن في جيش الدفاع الإسرائيلي ضمن ما يُعرف بالخدمة الإختيارية، أولادهم يخدمون أيضا.

3*وهل هي فعل توصف العائلات بالمُبعدة؟ أم المُتعاملة مع إسرائيل؟

- للإبعاد شروط كي تنطبق هذه الصفة على أهلها. الإبعاد سياسيّا يقترن بعقوبة جنائية سياسية تؤدي إلى النفي أوالطرد أو إخراج المحكوم من البلد. شرط الإجبار هو إلزامي لإسقاط صفة الإبعاد مثل وضعهم في حافلات ونقلهم بأن يتجه إلى المعابر الإسرائيلية وطلب الدخول إليها خوفا على الحدود ومنعهم من البقاء في لبنان. ولكن عندما يكون خيارا مصيريا كونه كان عميلً أو ينتمي إلى عائلة ربها أو ربتها كانوا من العملاء وفي الأجهزة الأمنيّة، أو نتيجة حالة من الخوف عمل على زرعها العدو الإسرائيلي عبر إعلامه وممارساته وبرامجه، وكان يعمل على ترسيخه وتعميمه طيلة سنوات الإحتلال الإسرائيلي للشريط الحدودي، أو نتيجة الخوف من المقاومة وردود فعل الأهالي الذين أبعدوا من الشريط الحدودي أو الذين عاشوا في ظل هذا الإحتلال، وعانوا ما عانوه من سياسات قمعيّة وتهديد ووعيد وتصفيات وتعذيب واعتقالات ومداهمات، وحظر واقامات جبرية.. عندها نصف هؤلاء أو نسميهم هاربين أو نازحين وغير مبعدين.

4*عندما تشاهدين صور أبناء العملاء، منهم من أصبح ضابطا إسرائيليا، ومنهم من أصبح او أصبحت ناطقة باسم مجموعات تؤيد التطبيع، كيف تتفاعلين مع هذه الصور؟

-لا أتعامل معهم ولا أراهم كلبنانيين متحدرين من بلدي، بالنسبة لي هم اسرائيليون لا أكثر ولا أقل. وكل من يحمل الجنسية الإسرائيلية يجب أن تُسقط عنهم الجنسية اللبنانية كونهم لم يختاروا أن يسلّموا أنفسهم للسلطات اللبنانية واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة. كان على الدولة اللبنانية أن تضع مهلة للسماح لمن أراد أن يسلّم نفسه، وألا تترك الأمور هكذا قابلة للنظر بالرغم من مرور الزمن.

5* يشن التيار الوطني حملة على سهى بشارة، فبماذا تردين؟

-هذه الحملة تعكس حالة مجتمع ليس لديه دولة، وبالتالي مفهوم واضح لتعريف ماهية الوطن ولا من هو عدو. عندما يُعتبر ملف العمالة مع الإسرائيلي واحتلال الجنوب اللبناني هو جزء من الحرب الأهلية هذا يعني أنه هناك كارثة، ونحن نعيش كارثة القراءات الطائفية التي تصل بنا إلى تحويل المسلّمات إلى وجهات من النظر.

6*هل تحمليّن حزب الله مسؤولية ما ينتهجه حليفه من سياسة لإعادة العملاء تحت مُسمّى المبعدين؟

- التيار الوطني الحرّ انتهج هذه السياسة قبل أن يتحوّل حليفا لحزب الله. كل حزب مسؤول عن تصرفاته. حزب الله تعامل مع أهل الجنوب إلتزاما بخطاب سيده السيد حسن نصرالله، وجميع أعضاء هذا الحزب على قدر من المسؤولية والوعي السياسي المنسحب على الإنساني والأهلي والإجتماعي، لم يعرفه العالم في تاريخ مقاوماته.

7*وبماذا تطالبين حزب الله اليوم؟

- إن المعركة مع إسرائيل هي معركة مفتوحة. النصر الذي تم تحقيقه يجب الحفاظ عليه. وللحفاظ على ذلك يجب العمل على ترسيخ مفهوم الدولة والوطن، وبالتالي المواطن. وكون هذا الحزب موجود في السلطة يجب أن يعمل على ذلك على جميع المستويات، وألا يُحصر دوره في حماية سلاح المقاومة وحماية وجوده بالمعنى الإستراتيجي.

8* هل تصفية العملاء كان لا بد منه بعد التحرير عام 2000 خصوصا أن عددا من العملاء تم استهدافهم بعمليات أثناء وجود الإحتلال؟

- لم تتم تصفية العملاء بعد التحرير، تمت محاكمة من سلّم نفسه لسلطات الدولة، وكان في جيش لحد أو الأجهزة الأمنية والإدارة المدنية الاسرائيلية، وتم صدور أحكام بحقهم غالبا خفضت أثناء السجن. لم تتم محاكمة من كان يعمل في إسرائيل. واقتصرت تهمة العمالة على الجانب الأمني والعسكري. عمليات المقاومة لم تستهدف عملاءً عابرين مع زمن الإحتلال، استهدفت رموزا للعمالة التي كان لها دورا في الإجتياحات الإسرائيلية وترسيخ وتدعيم الإحتلال الإسرائيلي على سبيل الذكر وليس الحصر العميل عقل هاشم.

9* كيف يمكن مواجهة ما اعتبرته تطبيعا عبر عودة العملاء؟ ما هي الوسائل التي تراها سهى بشارة الأنجع للمواجهة؟

- بالنسبة لي يجب إنهاء هذا الملف وسحبه من بازار السجال. كل من لم يسلّم نفسه ويحمل الجواز السفر الإسرائيلي تسقط عنه الجنسية اللبنانية وعن أولاده، وبالتالي لا يستطيع التمّلك في لبنان. لا يمكن للقانون اسقاط تهمة العمالة مع مرور الزمن. وأن يُحاكم بعد أن يُسلّم نفسه. يجب أن تعمل الدولة في مناهجها التربوية على ادراج هذه الحقبة داخل جميع المدارس الخاصة والعامة. والعمل على الفصل ما بين الحرب الأهلية والإحتلال الإسرائيلي. هذا بالحد الأدنى.

10* اذا امكن ذكر بعض الذكريات والمظلوميّة التي عشتها داخل المعتقل؟

- هناك الكثير من الذكريات، ولكن ما يبقى من الذكريات بشكل عام هو الكم من المعتقلات اللواتي اعتقلن وتركن في المعتقلات فقط للضغط أو لدفعهن للتعامل، أما تلك المتعلقة بفترة التحقيق فكان اعتقال الأمهات للضغط على أولادهم، وإسماعهم صوت أولادهم تحت التعذيب، إعتقال أم بعد أن تضع مولودها ليتم سحب الحليب وتقوم الشرطيات برمي الحليب في المرحاض، وصراخ طفل ينتشل من يد أمه. 

ولتبدأ مرحلة ما بعد التحقيق، وكيف كانت تُعذب "كفاح" (وهي الفلسطينية الوحيدة التي اعتقلت) بحجة المشاغبة، وكيف تم تعذيب إحدى المعتقلات وهي من ذوي الإحتياجات الخاصة، وكيف كانت تعذب "مقبولة" وهي المُصابة بانهيار، وكيف تم قمع الإنتفاضة التي أدت إلى استشهاد "بلال" و"أبو العز"، وكيف بقي "محمد" ينزف بعد وقوعه في حقل الألغام أثناء ما يُعرف بعملية الهروب، وصوت الشهيد "هيثم" الذي صدح في أرجاء المعتقل ألما، ومن ثم صمته بعد رد السجّان «سكوت يا كلب» قبل أن يستشهد.



حديثينا قليلا عن بيروت

 بيروت هي المدينة التي ولدت فيها، وكبرت بها، وفيها ترجمت حبيّ للجنوب ولها، ولكل لبنان من خلال انخراطي في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية/ الحزب الشيوعي اللبناني.

11* ما هي الرسالة التي توجهينها لهذا الجيل في هذا الزمن؟

إن صراعنا مع إسرائيل هو معركة. وكي نحميّ انتصاراتنا إتجاه هذا العدو، يجب أن نخوض ونستمر في مسيرتنا الطويلة، وهي بناء الوطن. وطن نكون فيه مواطنين نتمتع فيه بحقوق وعلينا واجبات، يكون فيه القانون هو من يحمينا ومن يدافع عنا، وهذا لا يتحقق من خلال تعزيز الطائفية، ويكون من خلال العمل على المطالبة الدؤوبة والنضال من أجل تحقيق العدالة الإجتماعية، والمساواة، والتقدّم والحرية. لأنه لا حرية في ظل الطائفيّة.