لودريان: تركيا تُقوِّض خمــسة أعوام من القتال ضدّ «داعش»

لودريان: تركيا تُقوِّض خمــسة أعوام من القتال ضدّ «داعش»

في مقابلة حصرية لصحيفة الـ«فيغارو» مع وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان، رسمَ صورة سوداوية للتدخّل التركي في سوريا.

• ما هي مخاطر التدخل التركي في سوريا؟

- هذه مسألة خطيرة جداً. أوّلاً، لأنّ هذه العملية التركية في شمال شرق سوريا تثير التساؤلات حول قتالها لخمس سنوات ضد «داعش». لم يمت «تنظيم الدولة الإسلامية»، ومحاربوه لم يختفوا، بل هم موجودون في مخيّمات وسجون، أو اختبأوا منتظرين خطأ ما للانقضاض من جديد.

لقد رأينا ذلك خلال الأسبوع الماضي في تفجير إنتحاري في الرقّة، وهي المدينة التي تعتبر رمزاً لعمل «داعش» الإرهابي، إذ صدرت من هناك الأوامر التي أدّت إلى هجمات الـ2015 في فرنسا. إنّ الهجوم التركي يضع كلّ ما تمّ إنجازه فعلياً في دائرة الخطر، وسيؤدي ذلك إلى زيادة أرقام المهجّرين واللاجئين، كما سيتسبّب بالمزيد من المعاناة والقتل وسط الـ700 ألف مدني الذين يعيشون في هذه المنطقة.

وأخيراً، إنّ «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، التي كانت شريكتنا في القتال ضدّ داعش، تزعَزت اليوم بسبب هجوم تركيا، البلد الذي ينتمي أصلاً إلى التحالف ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية. وبسبب عدم تحرّك الولايات المتحدة الأميركية، التي لطالما شكّلت رأس الحربة في التحالف الدولي في سوريا إلى جانب مقاتلي «قسد»، حتى يوم الأحد حيث كان القرار الأميركي بالانسحاب.

• ماذا يمكن لفرنسا أن تفعل؟

- إتّخذت فرنسا قرارات وطنية بتعليق مشاريع تصدير الأسلحة، ونسّقت بشكلٍ وثيق مع حلفائها الأوروبيين في مجلس وزراء الإتحاد الأوروبي يوم الإثنين، لمنع استمرار الهجوم التركي. وإنّها تطالب بعقد اجتماع طارئ للتحالف الدولي ضد داعش، وقد أنشِئ هذا التحالف في الـ2014 ويضمّ 80 دولة.

وهذا التحالف، الذي أدّت فيه فرنسا دوراً بارزاً، هو الذي قاد المعارك إلى تحرير الأراضي العراقية، وهو أيضاً الذي سمح باستئصال داعش من شمال شرق سوريا، بالمساعدة الحاسمة من قوات سوريا الديمقراطية.

أمّا اليوم، فقد تغيّرت المعطيات، وعلى هذا التحالف أن يتّحد من جديد وبأسرع وقت ممكن. ينبغي على كلّ طرف أن يتحمّل المسؤوليات التي تقع على عاتقه، ممّا يسمح بالعودة إلى استقرار معيّن شمال شرق البلاد، واتخاذ قرار جماعي في قضية المقاتلين الأجانب.

• ولكن، على نحو دقيق، كيف يمكن إيقاف تركيا؟

- من خلال وضعها في مواجهة مباشرة مع مسؤولياتها. ومن خلال تذكيرها أنّها هي أيضاً كانت واحدة من ضحايا «داعش»، التي تبنّت 35 هجوماً على الأراضي التركية... ويجب علينا أيضاً أن نضع على الطاولة علاقاتنا مع تركيا. ونظراً إلى التهديدات التي تفرضها هذه العملية على الأمن الأوروبي، يجب إقناع تركيا بشتّى الطرق لإنهاء هجومها.

• هل لا تزال تركيا تحتفظ بمكانها في «حلف شمال الأطلسي»؟

- القرار يعود لها في ذلك.

• هل من المرجّح أن يثير الهجوم التركي فوضى جيوسياسية جديدة في المنطقة؟

- القرار المزدوج لتركيا بشَن هجوم، وللولايات المتحدة بالانسحاب، يمثّل تغييراً شاملاً. إنّ أولويتنا هي الحفاظ على التحالف الذي جعل من الممكن محاربة «داعش»، وعدم السماح بأن يقدّم الوضع لهذه المنظمة الإرهابية فرصة الانبعاث من جديد. كل هذا يعمل أيضاً على تسريع حقيقي للعملية السياسية في سوريا. الوضع الجديد على الأرض أدّى إلى رَمي الأكراد في أحضان النظام وحلفائه. تتحمّل روسيا حالياً مسؤولية متزايدة، وعليها أن تدين الهجوم التركي، الذي يرمي هذه المنطقة في الفوضى أكثر فأكثر.

• هل أخطأ دونالد ترامب بالإعلان عن نيّته سحب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا؟

- إتخذ الأتراك قراراً أحاديّ الجانب بشنّ الهجوم. لم يعارض دونالد ترامب، بل أعطى شكلاً من أشكال التفويض الضمني لأنه قرر وأعلن انسحاب القوات الأميركية في خضمّ الهجوم التركي على «قوات سوريا الديمقراطية». ألاحظ أنّ هذا القرار أثار جدلاً حامياً في واشنطن. ومن هنا كانت الحاجة إلى تنظيم اجتماع عاجل للتحالف الدولي، لتوضيح الأمور ومعرفة أين يتموضَع كلّ واحد...

• هل اعتادت فرنسا على دونالد ترامب؟

- تعلّم إيمانويل ماكرون أن يعمل مع دونالد ترامب.

• هل ماتت مبادرة إيمانويل ماكرون في شأن إيران؟

- في بياريتز، ثم في نيويورك، إتخذ رئيس الجمهورية مبادرات للسماح بتراجع التصعيد وتحديد معايير اتفاق مع دونالد ترامب وحسن روحاني. يتعلّق الأمر بإقناع إيران باحترام التزامات اتفاقية فيينا (JCPOA) كاملةً من جديد، وفتح مفاوضات للتعامل مع الأزمات في المنطقة، ومناقشة مستقبل الاتفاقية بعد 2025. في موازاة ذلك، سيتم رفع العقوبات الأميركية تدريجاً، وتتمكن إيران من استخدام مواردها النفطية.

لا تزال هذه المعايير قائمة، حتى لو أنّ المساحة السياسية تضيق، لأنّ إيران تهدد بالعودة عن التزامات أخرى نَصّ عليها الاتفاق النووي في بداية تشرين الثاني. من المهم حالياً لكلا الطرفين اغتنام فرصة التفاوض هذه، وإلّا سيزداد الضغط مع مرور الوقت، وسيكبر خطر التصعيد غير المنضبط، في حين أنّ أيّاً من طرفَي الأزمة، أي الولايات المتحدة وإيران، لم يعلن رغبته في ذلك.

• هل آمال التفاوض بين روسيا وأوكرانيا قد ماتت بالفعل؟

- منذ انتخاب فولوديمير زيلينسكي في أوكرانيا، تغيّر الوضع. يُعدّ تبادل الأسرى والإفراج عن المخرج الأوكراني أوليغ سينتسوف علامة على التهدئة بين البلدين. لقد اتفق الجانبان على إزالة الأسلحة الثقيلة ونزع السلاح من 3 مناطق اختبارات في دونباس. إنّ زيلينسكي، الذي يتمتع بأغلبية قوية، يؤيّد إجراء مناقشة حقيقية حول الوضع المستقبلي لدونباس. من المهم حالياً، بالنسبة لروسيا، أن تستفيد من هذا الانفتاح وتستجيب لهذه العلامات الإيجابية. إذا فعلت ذلك، يمكن أن تُفتح مسارات قمّة نورماندي الجديدة.

• هل أعيدت الحرارة إلى العلاقات مع روسيا التي كان يأملها إيمانويل ماكرون منذ بريغانسون والخطاب الذي ألقاه أمام السفراء؟

- تُفَسَّر مبادرة ماكرون في بريغانسون بطريقتين. أولاً، تتحكم في علاقاتنا مع روسيا أجواء من عدم الثقة تقوم على خلافات أساسية، بما فيها أوكرانيا والصراعات المجمّدة وضَم شبه جزيرة القرم وسوريا والموقف النووي الروسي. وبالتالي، لدينا خلافات من العيار الثقيل. لكنّ العداوة بيننا لن تؤدي إلى أي تطورات في هذه الملفات. ثانياً، هو توَجُّه روسيا تدريجاً نحو الشرق، وابتعادها عن أوروبا.

لذلك، من الضروري استعادة الثقة، ويجب تنفيذ هذا الأمر بصراحة ومن دون سذاجة. زرتُ موسكو في أيلول مع وزيرة الدفاع للنهوض بجدول أعمال العلاقات الروسية - الفرنسية. ويتضمن الحوار الذي اقترحناه، المَبنيّ على الأمن والثقة، القضايا الاستراتيجية الرئيسية، والتقريب بين المجتمعات، والحاجة إلى فهم سبب الأزمات، إذا أمكن. ومنذ ذلك الوقت، عيّن كلّ منّا مبعوثين لوضع الجدول الزمني لتطبيق هذه المقترحات، لكنّ كل ذلك لا يزال حديث العهد.

• هل ستعود روسيا إلى مجموعة الدول الصناعية السبع G7 السنة المقبلة في الولايات المتحدة؟

- واضحة هي الشروط التي طرحتها G7 من هذه الناحية، وهي ما زالت موضوع نقاش في بياريتز. لا يمكننا الإدّعاء بأنّ شيئاً لم يحصل في أوكرانيا عام 2014، لكن اليوم توجد فرصة حقيقية لحل النزاع في أوكرانيا، فرصة لن تتكرر مرة أخرى، وعلينا أن نغتنمها.

• هل تعتمد السياسة الخارجية الفرنسية على الواقعية أكثر من ذي قبل؟

- ترتكز سياستنا الخارجية على 3 نقاط. أولاً، الحفاظ على مصالحنا وأمننا، وهذا هو الأساس. ثانياً، تأكيد قيَمنا وأسبقية القانون والتعاون. وثالثاً، إستناداً إلى هذين السببين، تطوير تعددية الأطراف. تعمل فرنسا على ابتكار تعددية جديدة لمواجهة حالة الذعر في العالم ولإلغاء القيود الدائمة. هذا ليس مفهوماً مُبهماً، بل هو مفهوم فعليّ يتجلّى مثلاً في النجاح الكبير الذي حققه الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسِل والملاريا.

أطلقنا مبادرة مع نظيري الألماني هايكو ماس في الجمعية العامة للأمم المتحدة، هدفها جمع كل الدول التي ترغب بخلق هذه التعددية الجديدة. أجاب 50 وزيراً على مواضيع أساسية مختلفة، مثل اختراع القواعد الرقمية للقرن الحادي والعشرين. وبالتالي، يُشكّل هذا الأمر مصدر تفاؤل. لذلك، إنّ التطوّع له مستقبل واعد.

• كيف يمكن توحيد الأوروبيتين المتعارضتين حول قضايا أساسية مثل تلك المتعلّقة باللاجئين؟

- يجب أن نحوّل أوروبا الخائفة إلى أوروبا سيادية. تصبّ أوروبا الخائفة تركيزها على اللاجئين، وتعاني من انقساماتنا. أعتقد أنّ أزمة اللاجئين لم تعد في ذروتها الآن، وأصبحت النقاشات حول هذا الموضوع أكثر هدوء، أمّا الثقة بين دول الأعضاء، التي ترتكز على المسؤولية والتضامن، بدأت تعود تدريجاً. لذلك، علينا أن نتطلّع إلى المستقبل نحو مسألة السيادة التي يجب أن تكون مسألة موحّدة ومحفّزة.

لكن هذا لا يعني أنه يجب أن نكون منفتحين على كل أشكال التعددية التي قد لا تحترم سيادة الدول. يتعيّن على أوروبا في المقام الأول أن تتخلّص من سذاجتها، وأن تصبح فعلاً أوروبا الحامية. وعندئذٍ يمكننا مصالحة «الأوروبيتين» اللتين، بالنسبة إليّ، هما واحدة. هذه رسالة يمكن لجميع الأوروبيين فهمها. يبقى هدف المفوضية الاوروبية الجديدة هو إثبات هذه الأوروبا الجديدة. وإن لم نفعل ذلك، سنخرج من التاريخ ولن نكون إلا ساحة معارك وصراعات بين القوى الخارجية.

• هل فَشَل سيلفي غولار في بروكسيل هو مؤشّر ثورة ضد الرؤية الأوروبية لفرنسا؟ وكيف يمكنك تحليلها؟

- إنها محاكمة غير شرعية تخفي التوليفات السياسية المؤسفة. يجب تجاوزها لدفع أوروبا إلى الأمام وتنفيذ جدول الأعمال الذي قدمه الرئيس الجديد للمفوضية الأوروبية. ما يهمّ هو المشروع الأوروبي؛ هو أن تلعب كل مؤسسة دورها في طريقة بنّاءة. لذلك، أعتقد أنه يتعيّن على البرلمان الأوروبي، مثل المفوضية والمجلس، أن يلعب دوره الكامل في القضايا الرئيسية المعروضة علينا.

• كيف يمكن الخروج من الأزمة في ليبيا؟

- بدأت الجهات الفاعلة في ليبيا بتَفهّم أنّه لن يكون هناك حلّ عسكري للأزمة. أستنتج من ذلك أنّه هنالك إجماعاً دولياً في هذا الموضوع. يجب الآن تنظيم مؤتمر دولي مع جميع الجهات المعنيّة بالموضوع، وحَثّ الليبيين على إنشاء تقويم انتخابي. ويشمل ذلك إجباريّاً الإمتثال لحظر الأسلحة، وفرض الهدنة ثمّ وقف إطلاق النار، وتوحيد المؤسسات الإقتصادية ووحدة الجيش الوطني الليبي. هذه هي الأساسات التي ستؤدي إلى نتائج، وعلى ذلك أن يتمّ أيضاً بالتزام شديد من الإتحاد الأفريقي.

• وكيف يمكن الخروج من مأزق «الساحل»؟

- لستُ متأكداً من أنه يجب التحدث عن مأزق. كان الجميع يعلم أن هذه الأزمة ستكون طويلة، وسوف تكون كذلك. الهدف النهائي هو ضمان أمن الساحل من قبل الأفارقة أنفسهم. أرى تقدماً في بعض المناطق، مثل موريتانيا. ولكن لا تزال هناك العديد من القضايا، لاسيما في مالي وبوركينا فاسو، حيث يزداد الوضع تعقيداً بسبب قيام الجماعات الإرهابية، مثل إياد أغ غالي، باستغلال النزاعات المجتمعيّة وزَعزعة استقرار مناطق بأكملها. يجب أن نعزّز إرادة الأفارقة لقيادة هذه المعركة.

إيزابيل لاسير- لو فيغارو - الجمهورية