نشوة النصر تخيّم على نواب الثورة: هل يجب أن يكون رئيس المجلس شيعياً؟
غادة حلاوي
استحقاق الرئاسة الثانية مؤشر إلى استحقاق "الثالثة"
اذا كان استحقاق الانتخابات النيابية مر بأقل ضرر ممكن فان مرحلة ما بعد نشوة النصر التي يدعي الجميع تحقيقه تبقى هي الأدق والأخطر، بالنظر الى الاستحقاقات المنتظرة وكيف سيتم التعاطي معها من قبل الاطراف الفائزة لا سيما تلك التي دخلت البرلمان حديثاً. المؤشرات التي حملتها الساعات الماضية والتي تلت اعلان النتائج وظهور الفائزين على الاعلام لا تشي بالخير الكثير. بل توحي ان البلد مقبل على تحدٍّ وكباش كبيرين، يبدأ من مجلس النواب ورئاسة المجلس على وجه الخصوص وصولاً الى الحكومة.
ويأتي في اول تجليات بشائر النصر لقوى الثورة او المجتمع المدني رفض بعضهم انتخاب الرئيس نبيه بري رئيساً لمجلس النواب بحجة ان ليس من الضرورة انتخاب شيعي لرئاسة مجلس النواب وهو ما صرح به النائب المنتخب مارك ضو يؤازره زميله النائب المنتخب وضاح صادق الذي اعلن معارضته الشرسة لانتخاب بري رئيسا. خوض معركة رئاسة السلطة التشريعية من هذه الزاوية استدعى استنفاراً في عين التينة لوقوف الاطراف المعنية على حقيقة ما يطرح على قوى الثورة والتي أعلنت تنصلها من طروحات كهذه وقد تفاجأت بما قيل بهذا الخصوص. النائب المنتخب عن مقعد طائفي في منطقته يزايد بعلمانية غير موجودة وهو لولا انه ترشح عن المقعد العائد لطائفته لما كان وصل الى مجلس النواب.
على ما يبدو يحلو للمعارضة الجديدة ان تلعب لعبة رئاسة المجلس لتكون باكورة خطواتها الصدامية، فتحجب عن الرئيس بري اصواتها في البرلمان والمسيحيون منهم على وجه التحديد، ما قد يثير استياء بري ورفضه ان يكون رئيساً للمجلس من دون ميثاقية مسيحية. كثر من النواب الجدد وبعض القدامى يريدون تقديم قربان رئاسة المجلس على مذبح الاستحقاقات القادمة الحكومية منها والرئاسية.
ينذر تعاطى قوى التغيير مع استحقاق رئاسة المجلس النيابي بوجود منحى تحدٍّ لديها. خاصة وهي تعلم ان لا مرشح شيعياً بديلا للرئاسة خارج بري ولا نائب شيعياً في البرلمان من خارج تكتل الثنائي الشيعي. ما يعني ان الاستفزاز هو الهدف من اطلاق المواقف التصادمية. القوى التي خاضت الإنتخابات وفازت بشق النفس لحاجة الناس الى التغيير، تجد في انتخاب بري فرصة لإثبات وجودها وتقديم انطلاقة قوية توحي بمسيرتها وتعاطيها مستقبلاً. على ان لبنان ذاك البلد الصغير المطوّق بتأثيرات المنطقة والغارق بأزماته المتعددة لم يعد لديه طاقة لتحمل تبعات خلافات لا طائل منها سوى شد العصب والتصادم. فانتخاب رئيس للمجلس في لبنان لا يحدده افراد بقدر ما تفرضه توازنات طائفية وسياسية وبرلمانية سيكون من الصعب تجاوزها منذ اتفاق الطائف. ذاك الاتفاق الذي لم ينفذ بمعظم بنوده الاساسية فبقي حبراً على ورق حتى تلاشى مفعوله في الحياة السياسية فصار لزوم ما لا يلزم في حضرة العرف ومبدأ التوافق اللذين يعلوان ولا يعلى عليهما. منذ تكوين لبنان تتحكم باللعبة السياسية فيه توازنات عصية على التغيير وان كانت لم تدوّن حبراً على ورق الدستور كأن يكون رئيس الجمهورية مارونياً وكذلك قائد الجيش ورئيس الحكومة من الطائفة السنية ورئيس مجلس النواب من الطائفة الشيعية على ان يُشكل مستقبلاً مجلس للشيوخ يرأسه درزي. ويعتبر الحديث عن رئيس مجلس من خارج الشيعة مزحة ثقيلة تفوق قدرة البلد عل تحملها وهي وان كان طرحها جدياً فستُطرح في المقابل فكرة اعادة النظر بالنظام برمته وهو مطلب ملح لدى غالبية القوى السياسية بعد ان لفظ النظام الحالي انفاسه. في الفترة الاولى يصعب على النائب المنتخب حديثاً التفريق بين موقف يطلقه في ساحة المواجهة وآخر يدلي به كنائب مؤتمن على الوفاق الوطني والدستور. في حضرة نشوة النصر لا يتردد الفائزون الجدد في اطلاق العنان لمواقفهم التي تثبت هويتهم على انهم قوى تغيير حقيقية، ولكن هل يدخل في باب المنطق قول النائب المنتخب عبد الرحمن البزري ان ارتفاع سعر صرف الدولار الى ما فوق الثلاثين ألف ليرة افتعلته المنظومة لتقوِّض قدرة التغييرين على قلب الواقع برمته؟
اسوأ ما يمكن تصوره ان يعتقد البعض من القوى المنتخبة والتي انتقلت لتناضل في مجلس النواب، ان التغيير الحقيقي يكون خارج الاسس الدستورية ومن خلال الانقلاب على الواقع المحكوم بالتوافق والتعايش بين الطوائف والكتل التي تمثلها في البرلمان والتي بحكم العرف تتمثل في الحكومة.
ويأتي على رأس تباشير التصادم ما أُعلن بشأن الحكومة، واعلان النائب المنتخب أشرف ريفي استعداده لتسلم رئاسة الحكومة وهو طرح سيكون استفزازياً ولن يحظى بتأييد غالبية الكتل النيابية، بالمقابل ترفض القوات اللبنانية تجربة حكومة الوحدة الوطنية فيما يترحم رئيس التيار الوطني جبران باسيل على حكومة التكنوقراط ويدعو بري الى الحوار والتفاهم والتخلي عن الخطاب المتشنج. اختلاف سيسري مفعوله حكماً في تسمية رئيس الحكومة والحكومة لاحقاً، ما ينذر بأن تسمية رئيس الحكومة ستكون استحقاقاً بالغ الصعوبة في ظل كتل نيابية مشتتة مبدئيا اللهم الا اذا تدخل من يؤلف في ما بينها، فحينها سيكون البلد امام كباش قوي مفتوح على فراغ يطول امده الى موعد الانتخابات الرئاسية. ليس واضحاً بعد من هي الاسماء المطروحة لرئاسة السلطة التنفيذية وما اذا كان تكليف الرئيس نجيب ميقاتي مجدداً سيكون خياراً من الخيارات. عند تكليفه الاول كان الاتفاق على تكليفه مجدداً ليستمر رئيساً حتى الانتخابات الرئاسية ولذا آثر ميقاتي عدم التدخل علناً في الانتخابات النيابية وتدوير الزوايا خاصة في مدينته طرابلس لإستثمار ذلك في رئاسة الحكومة. لكن القديم لم يبق على قدمه وقد تغير حجم الكتل النيابية والتموضعات السياسية ودخلت عناصر جديدة على لعبة الحكومة فهل يبقى خياره هو المرجح ام ان الفراغ سيكون بالمرصاد ويستمر رئيساً لحكومة تصريف اعمال الى ما شاء الله. العين على رئاسة المجلس اولاً، عينة عما سيكون عليه الاستحقاق الثاني وصولاً الى الاول وكلها ستجري على بركان غليان اقتصادي وجنون ارتفاع في سعر صرف الدولار قد يضع مستقبل البلد على كف عفريت.