هل التقى سلام باسيل وبحثا في ثنائية فرنجية – سلام؟

هل التقى سلام باسيل وبحثا في ثنائية فرنجية – سلام؟

الكاتب: سركيس نعوم | المصدر: النهار

10 تشرين الثاني 2022

تحدّثت وسائل إعلامية لبنانية عدّة في الآونة الأخيرة عن مساعٍ تُبذل لإقناع المملكة العربية السعودية باتفاق يُنهي الشغور الرئاسي وشلل المؤسسات الدستورية وغيرها، عماده الموافقة على انتخاب زعيم “تيار المردة” سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، ثم تكليف القاضي الدولي نوّاف سلام تأليف الحكومة الأولى للعهد الجديد. وأشارت الى أن هذا الاتفاق يُرضي “حزب الله” من جهة كما يُرضي الرياض التي تؤكد جهات لبنانية عدّة قُرب سلام منها ومن الجهات السياسية المؤيّدة لها في لبنان في الوسط السنّي وأيضاً في الوسطين المسيحي والدرزي، فضلاً عن علاقة ما له مع رئيس مجلس النواب نبيه بري يعرفها الجميع لكن لا يعرف أحد مدى عمقها. الى ذلك تحدّثت أوساط سياسية نقلاً عن شخصيات مكلّفة من أكثر من فريق لبناني العمل لترتيب العلاقات بين الأطراف السياسيين المتخاصمين من أجل تسهيل ملء الشغور الرئاسي، فأكدت أن سلام الموجود منذ مدة في بيروت والبعيد دائماً عن الإعلام المؤيّد له كما المحايد والمعارض يتحرّك بقوة ونشاط من أجل الإسهام في ترتيب صيغة تُنهي الشغور وتسمح له بتحقيق هدفه بل حلمه بالوصول الى رئاسة الحكومة واستطراداً مجلس الوزراء. وأكدت أنه التقى رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل مرة أو مرتين وربما أكثر. طبعاً لم تتدخل الشخصيات المشار إليها في تفاصيل الأحاديث التي تبادلها الرجلان ومدى توافقهما أو اختلافهما على توصيف ما تعانيه البلاد عموماً، ولا سيما في حال الشغور الكبير الذي تعيشه الرئاسة للمرة الثالثة والانهيار التام لمؤسسات الدولة واقتصادها وعملتها وكل شيء آخر. لكن الواسعة الاطلاع منها (الشخصيات) أشارت في صورة خاطفة الى أن الجو بينهما لم يكن عاطلاً أبداً. إلا أن هذه الصيغة لإنهاء الشغور بواسطة فرنجية وسلام الثالث باعتبار أن اثنين من العائلة نفسها سبقاه الى العمل السياسي رغم طموحه إليه من زمان ولكن بتعقّل وليس بأيّ ثمن وهما الرئيس تمام سلام ووزير الاقتصاد الحالي أمين سلام، لم تلقَ حتى الآن القبول. ويرجّح متابعو حركة المملكة العربية السعودية في لبنان أن لا تلقاه الآن لا رفضاً من الأولى لسلام الثالث بل لفرنجية لكونه مرشّح “حزب الله” حليف إيران الإسلامية ومنفّذ سياساتها المحلية والإقليمية. علماً بأن لا شيء شخصياً بين فرنجية والرياض، إلا أن الثانية ترفض حتى الآن وجوداً مباشراً لـ”الحزب” في الحكومة التي يُفترض أن تؤلّف بعد انتخاب رئيس للجمهورية وآخر غير مباشر لها في رئاسة الدولة. وهو موقف جمّد وسيجمّد ملء الشغور الرئاسي مدّة قد تطول وقد تقصر. لكنه سينتهي يوماً عندما تنضج الظروف الإقليمية – الدولية الصعبة، وتنجح في تذليل الرفض السعودي وفي وضع “حزب الله” وحليفته إيران بعض “الماء في نبيذهم” مع الاعتذار منهما لكونهما لا يتعاطيان الخمر ولا يحبّذان تعاطيه. لكن هذا مثل وصل الى لبنان من الغرب الاستعماري من زمان فصار لبنانياً مثلما كل شيء أتى من الغرب في زمن بعيد كما من الشرق العربي ولاحقاً الشرق غير العربي اللذين يجمعهما الإسلام ويفرّقهما مذهباه السنّي والشيعي.

هل يكشف تحرّك باسيل في اتجاه نوّاف سلام أو تحرّك الثاني في اتجاه الأول استمرار رغبة هذا الأول في التربّع على سدّة رئاسة الدولة لإنهاء الشغور الحالي فيها أو سعيه لترتيب وضع حكومي ورئاسي يمكّنه لاحقاً من استعادة زخم الرغبة المذكورة والعمل لإشباعها؟ يعرف متعاطو السياسة في لبنان أن باسيل مسكون أو بالأحرى مهجوس بالرئاسة. لكنهم يعرفون في الوقت نفسه عجزه في المرحلة الحالية عن ملء الشغور الرئاسي لأسباب عدّة، أولها أن رفع العقوبات الأميركية عنه، وهو يبذل المساعي لإنجاح سعيه الى الرئاسة، لن يحصل قريباً كما ظن هو بعد اجتماعاته مع آموس هوكشتاين “مرتّب” الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل أخيراً بوصفه ممثلاً للرئيس جو بايدن سواء في قطر أو في ألمانيا، كما بعد إثارة الرئيس السابق ميشال عون هذا الموضوع معه على هامش البحث في الترسيم خلال الأشهر الماضية. الوعد الذي قيل إن باسيل تلقّاه من هوكشتاين برفع “إداري” للعقوبات عنه وبالعجز عن الرفع القضائي لها لا يعني عملياً الكثير. فالقضائي هو الأهم في دولة كالولايات المتحدة. وهو مبنيّ على معلومات موثّقة عن عمليات فساد فاقت أرباح القائمين بها ولا سيما بين لبنان وسوريا قبل سنوات مبلغاً يراوح بين مليار ومليار ونصف مليار دولار أميركي. ويعرف متعاطو السياسة في لبنان أيضاً أن لباسيل حليفاً مهماً جداً في لبنان هو “حزب الله”. لكن “ورقة” هذا الحلف صارت نصف ورقة. يعني ذلك أنه لن يكون في هذه المرحلة رئيساً للجمهورية وربما لن يكون أبداً في المرحلة التي ستليها في هذا الموقع لأن أحداً لا يعرف المستقبل وتطوّراته. وتصرّفاته المنفّرة كي لا نستعمل كلمة أكثر إساءة مع أعدائه ومع أصدقائه وحلفائه في “الخط” ومع نواب حزبه ووزرائه أو معظمهم، وأخيراً مع “حزب الله” لم تشجّع الأخير على خوض معركته وعلى بذل كل ما يستطيع لفوزه فيها. كما فعل مع عمّه والد زوجته العماد ميشال عون يوم عطّل الرئاسة بل الدولة سنتين ونصف السنة تنفيذاً لوعده له بإيصاله الى رئاسة الدولة من جرّاء المكاسب الاستراتيجية التي وفّرها التحالف معه لـ”الحزب” وبيئته وراعيته إيران الإسلامية. وصارت “نصف ورقة” أيضاً لأنه أي باسيل لا يُنسّق مع “الحزب” إلا عند الحاجة ولا يرى نفسه إلا رئيساً، إذ أجاب عندما سُئل من “الحزب” وآخرين: “من يُرشّح “التيار الوطني الحر” للرئاسة غيرك في حال استحالة إيصالك إليها؟”، بكلمتين صغيرتين هما “لا أحد”. وهذا أمرٌ يعرفه طبعاً رفاق باسيل في “التيار” ومنهم من يتمتع في رأي “الحزب” وربّما آخرين باعتدال وبشيء من حكمة يحتاج لبنان إلى أن تكونا في شخصية رئيسه. قد يتسبّب ذلك لاحقاً بخروج هؤلاء من “التيار” أو بإخراجهم منه كما حصل مع عدد من المؤسسين لـ”تيار عون”. لكن الأكثر خطورة إذا حصل هو تسبّبه باستقالة مهمة لعناصر “الاعتدال” رغم عدم كثرتهم سواء في الكتلة النيابية أو في “التيار” بتشجيع حليف أو بانقسام مهم داخله. في أي حال إن “حزب الله” يراقب وينتظر الفرصة المناسبة لاتخاذ قرار بمرشحه الرئاسي من بين اثنين من الأوزان الثقيلة طامحين الى رئاسة الدولة هما سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون. الأول حليف لـ”الحزب”. والثاني لا يمانع “الحزب” وصوله الى قصر بعبدا إذا قضت بذلك الظروف الداخلية والإقليمية والدولية. وهذا أمر لا بد أن ينتظر شهوراً تنضج خلالها الظروف. وإذا لم تنضج بالنسبة الى الاختيار بين الاثنين المذكورين فإن البحث سينتقل الى شخصيات أخرى يبدو أن عددها يتزايد يوماً بعد يوم الأمر الذي جعل الناس يردّدون مثلاً قديماً هو: “لا يعرف الحكاية إلا من ذاق المغراية”. والمشكلة في لبنان أن “المغراية” تبقى مغرية حتى للذين “ذاقوها”.