مخارج «وهمية» للاستحقاق الرئاسي
الكاتب: جورج شاهين | المصدر: الجمهورية
24 كانون الأول 2022
ليس في أي من السيناريوهات المتداولة حتى في الصالونات الضيّقة، من يقدّم وصفة لمعالجة الاستحقاق الرئاسي. فكل الإشعارات الدولية ما زالت غامضة ولم تتخطّ بعد «العبارات الديبلوماسية المنمّقة» التي تحضّ اللبنانيين على خوض الاستحقاق الدستوري، لمواكبتهم في مرحلة لاحقة. وبـ«اللغة العربية الفصيحة» ليس هناك أي تفاهم دولي يمكن الركون إليه حتى اليوم، يفضي إلى تزكية احد. وعليه، فهل سيستمر اللبنانيون في الرهان على خيارات وهمية؟
عندما تحدث رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الاثنين الماضي عن مسارين ايجابيين يمكن أن يقود أحدهما إلى انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية في وقت قريب، رفض الإشارة الى أي منهما، ولم يرغب في كشف أي تفاصيل. ولعلّه كان ينتظر مزيداً من الإشارات الإضافية التي يمكن ان تؤدي إلى التثبت من دقّة المعلومات التي أشار اليها لإجراء التقاطعات الضرورية ما بين المسارين اللذين تحدث عنهما، او انّه كان يلتمس تطورات متوقعة ولم تتحقق بعد.
وإن اعتقد البعض انّه لربما بين يدي ميقاتي معلومات لم تصل إلى اي شخصية أو طرف آخر، فقد وضعوا المعلومات تحت المجهر على اكثر من مستوى ديبلوماسي وسياسي. ذلك أنّ أياً من الاطراف الاخرى لم يكن في هذا الجو. حتى إنّ أولئك الذين انغمسوا في الاتصالات الدولية، او أنّهم كانوا على تماس مع أحد أطرافها، لم يشيروا إلى مثل هذه السيناريوهات الإيجابية على الاقل، وما يمكن أن يفضي اليه أي منها. ولذلك، ساد الإعتقاد انّ ميقاتي العائد من كواليس مسلسل القمم الصينية ـ السعودية – العربية والخليجية، لربما استشف معلومات إضافية، وكان يريد إجراء المقارنة الضرورية مع تطورات تجري في مكان آخر. فهو التقى بعد انتهاء أعمال هذه القمم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وأكثر من طرف، لا سيما نظيره الكويتي الذي ما زال يجهد لاستكمال ما بنته مبادرته التي اطلقها مطلع العام الجاري من اجل إحياء الثقة وترميم العلاقات بين الخليجيين ولبنان، والتي زادت من صعوبتها ما انتهى اليه خلو سدّة الرئاسة والتطورات الاخيرة التي ارتبط الحديث عنها بتوتر العلاقات بين طهران وعدد من العواصم المعنية بالملف اللبناني كالرياض وباريس وواشنطن، في ظل تردّي العلاقات ما بينهما ومجموعة الـ (5+1).
وعليه، فإن توسعت المراجع الديبلوماسية في مقاربة هذه المعلومات، فإنّها ربطت بين نتائج قمم الرياض وما يمكن ان تنتجه قمة «بغداد 2» التي عُقدت على ضفاف البحر الميت بين فرنسا ودول الجوار العراقي، والتي لم تنضح بما يكفي من المعلومات عن مصير المواقف من أوراق لبنان الموجودة في ملفات كل منهم وفي علاقاتهم البينية، وخصوصاً بعد أن تشعبت الأزمة بين ما هو دستوري وسياسي واجتماعي واقتصادي. فالأزمة اللبنانية بالنسبة الى بعض الدول والمحاور المنضوية فيها، تخضع لمقاربات مختلفة نتيجة الأولوية التي تعطيها هذه القوى بفصلها بين الاوضاع الاقتصادية والانسانية والاجتماعية والأمنية من جهة، والأزمة الرئاسية من جهة أخرى.
ولذلك، فقد شكّكت المراجع الديبلوماسية في صدقية الإشارات الايجابية التي يمكن ان تقود إلى حلحلة ما في الاستحقاق الرئاسي في هذه الفترة بالذات. ذلك أنّها على اقتناع تام بأنّ الأجواء الدولية لم تصل بعد إلى المرحلة التي توحي برفع مستوى الاهتمام بتفاصيل لبنانية، ولم تخصّص بعضاً منها وقتاً أطول لمعالجة الأزمة اللبنانية، او انّه لم يحن أوان مثل هذه الخطوة بعد. وإن غاصت في مزيد من التفاصيل، فإنّها لم ترصد بعد ما يمكن ان ينتهي الى تحوّلات بارزة ودقيقة، توصلاً إلى التفاهم على مواصفات الرئيس بالدرجة الاولى قبل تسميته، إن لم يكن قد ضمنت له ورشة الاتصالات الجارية بين الداخل والخارج نصاب الثلثين من أعضاء المجلس النيابي، قبل البحث في إمكان انتخابه من الجلسة الاولى بهذا النصاب، أو من الدورات التي تليها بالأكثرية المطلقة (النصف زائداً واحداً) إن بقي النصاب القانوني متوافراً داخل القاعة العامة للمجلس.
ولذلك كله، أي إنجاز لا يمكن الحديث عنه حتى اللحظة، وما لم تتوافر الظروف التي تسمح بعبور هذه البوابات والمحطات الإخبارية، فإنّ الحديث عن الرئيس «المنقذ» ما زال بعيد المنال. فمن يقدر على أن يوحّد الكتل النيابية المختلفة من حوله لم يولد بعد، وما زال مبكراً الحديث عن «اسم علم» واحد ممن يُتداول بأسمائهم حالياً قبل فتح لائحة جديدة. وما يقود إلى هذه المعادلة، انّ خريطة المواقف ما زالت على حالها من الجمود والتصلّب، وخصوصاً انّ بعض الاسماء ما زالت محكومة في «إطار مقفل» وليس هناك ما يوحي بإمكان اي خرق لأي منهم لمواقع الآخر المحصنة.
وبناءً على ما تقدّم، تنصح المراجع الديبلوماسية بعدم انتظار المحطات المقبلة أياً كان توقيتها وشكلها ومضمونها. فبعض التفاهمات التي يجب أن تسبق فتح أي ملف من لبنان ما زالت بعيدة المنال، وإن تقدّم البعض منها فلم يصل الى التفاصيل التي تدفع بهم إلى البحث بما يجري في لبنان. وكل ذلك يجري، على رغم من حجم الأحداث التي شهدتها الساحة اللبنانية التي استدرجت الغرب للتدخّل. فليس كل ما يحصل عندنا له صداه في الخارج. ولولا الجريمة التي ارتُكبت في حق أحد جنود «اليونيفيل» من القوة الايرلندية، لما عاد البحث الأممي بما يجري من حولنا، وخصوصاً انّه حادث يعني مجموعة من الدول الأوروبية المنضوية تحت شعار «اليونيفيل»، والتي بدأت تعاني من ترددات موجات النازحين اللبنانيين والسوريين غير الشرعية عبر المرافئ اللبنانية غير الشرعية.
وعدا عن هذه الملفات الساخنة التي وضعت لبنان على خط الاتصالات الدولية، فإنّه ومنذ ان طوي ملف الترسيم البحري، تراجع الاهتمام المباشر بما يجري على ساحتنا. فنتائجه المباشرة بدأ قطافها اميركياً واوروبياً من البوابة الاسرائيلية، في انتظار ان يقدّم لبنان صورة واضحة عن مكاسب الغرب مما يمكن اكتشافه من ثروته البحرية وقدرته على تقديم ما يمكن اعتباره مصدراً لزيادة مصادر الطاقة التي يحتاجها العالم من المنطقة.
وبناءً على ما تقدّم، تنصح المراجع عينها بضرورة أن يكثف اللبنانيون من حراكهم في شأن الاستحقاق الرئاسي، وصرف الجهد المبذول لتنظيم فترة الشغور وارتكاب مزيد من المعصيات الدستورية، بدل إقفال هذا الملف قبل ان تتلاحق الاستحقاقات الأمنية المتصلة بالمواقع العسكرية والمالية الحساسة لاحقاً. فعندها سيشتد النزاع وتتعاظم المخاوف من تردّداتها الأمنية، خصوصاً إن ثبت انّ ما يتمّ التداول به ما زال من أوهام اللبنانيين الذين يعتقدون انّ العالم يدور من حولهم، ولن ينام أي من قادته الكبار قبل الاطمئنان إلى أوضاع لبنان واللبنانيين.